لقد تعلمنا جميعا أن الطب مهنة إنسانية، وذلك إدراكا من نقابة أطباء مصر ذاتها التي تؤكد أنها مهنة إنسانية وأخلاقية، وأﻥ كل ﻋﻤل ﻁﺒﻰ يستهدف مصلحة المريض  ﺍﻟﻤﻁﻠﻘـﺔ.

 وفي ندوة نظمتها كلية طب سوهاج منذ شهور قليلة بعنوان ”أخلاقيات مهنة الطب والتقارير الطبية“، أكد الدكتور حسان النعماني رئيس الجامعة أن مهنة الطب تعد من المهن الإنسانية السامية والنبيلة، كما أنها تحمل رسالة سامية، أن يتميز  الطبيب الناجح من ذكاء وقدرة على إدارة المواقف.

فإذا كانت الإنسانية هي القواعد الأخلاقية والتحلي بالصفات النبيلة كالتعاطف، والمحافظة على حياة البشر،  ومساعدة الآخرين، فلا جدال أن الطب مهنة إنسانية في ضوء هذا التعريف.

وتأتي  تلك المقدمة والتعريف بمهنة الطب أنها مهنة إنسانية فى المقام الأول، نتيجة الواقعة التي أثارت الجدل مؤخرا، وهي واقعة طبيبة مستشفى المراغة التي أحالها  اللواء "عبد الفتاح سراج" محافظ سوهاج إلى التحقيق لأنها في مكتبها بدون أي عمل بينما يمكث الآباء والأمهات وهم يحملون أطفالهم المرضى خارج العيادة.

فبالله عليكم، ماذا يفعل المحافظ عندما تجرى عليه  إحدى الأمهات وتقول له "الواد هيموت مني"، وعندما يجد الآباء والأمهات وهم يحملون أطفالهم المرضى خارج العيادة في تكدس في انتظار الطبيب.

بطبيعة الحال كان رد فعل "اللواء سراج" تلقائيا، مع الطبيبة التي كانت تجلس  بلا عمل، كما ظهرت غرفتها في الفيديو المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي، وخالية تماما من أي مريض، وكان من الطبيعى أن يقول لها  "معندكيش رحمة"، بالفعل أليس الطب مهنة الإنسانية والرحمة، كما   شعر المحافظ بحال أي والد أو والدة يواجه طفلهما  الموت.

ولكل الأطباء الاحترام والتقدير، فلا أحد ينكر دورهم المهم فى المنظومة الصحية، ولكن لماذا اعتبرت نقابة الأطباء،  أن هذا القول تجاوزا أو تعنيفا للطبيبة، وحاولت التبرير للطبيبة ، أنها لم تكشف على الطفل نتيجة عدم إحضار تذكرة الكشف.

كيف يكون الروتين واللوائح، فوق الرحمة والإنسانية، وهناك الكثير  من الحالات المشابهة التي يقوم الطبيب بتوقيع الكشف الطبي على المريض، وأثناء ذلك يطلب من أهل المريض إحضار التذكرة الطبية لكتابة العلاج عليها.

وهنا أطرح تساؤلا مهما للطبيبة، كيف الإصرار  على وجود تذكرة الكشف أولا، مع وجود طفل حالته خطيرة ووالديه يستنجدون بك كطبيبة للكشف عليه! وإذا لم يكن معهما حق التذكرة ماذا سيكون التصرف؟ وهل الكشف على مريض حالته خطيرة بدون تذكرة أصبح إهدارا للمال العام!

وعندما ترى الطبيبة أن المحافظ لم يعطها الفرصة للدفاع عن نفسها، فهل الامتناع عن الكشف على حالة طفل خطيرة، مقابل توفير تذكرة الكشف..ةهو مبرر لها أم إدانة؟!

وأرى أن ما قام به اللواء عبد الفتاح سراج، الذي أتمنى  "أن يكون كل مسؤول فى موقعه  مثله"، هو عمل يستحق عليه الثناء، فلم يفضل الجلوس فى مكتبه المكيف، ولكن نزل في حر الصعيد المعروف بشدته، وبدأ في حملة التفتيش المفاجئة بمستشفى المراغة المركزي، وما اتخذه من قرارات بإقالة مدير المستشفى والمدير المناوب، بسبب تردي الأوضاع بالمستشفى، وعدم وجود أطباء، وسوء مستوى النظافة بالمستشفى، وإحالة جميع العاملين بالنوبتجية المسائية بالمستشفى للتحقيق، للتقاعس في أداء مهام عملهم، وعدم تقديم الخدمة الطبية اللازمة للمواطنين المترددين على المستشفى، بناء على ما رآه في الجولة ومن شكاوى العديد من المواطنين، وصولا إلى واقعة الطبيبة والشعور بآلام المرضى.

ولقد سعدت جدا، أن موقف اللواء سراج محافظ سوهاج، كان له رد فعل إيجابي، حيث أعلنت وزارة وزارة الصحة والسكان، انطلاق المرحلة الأولى من حملة المرور الميداني على مستشفيات ووحدات الرعاية الأساسية في جميع المحافظات، والتواصل المباشر مع المواطنين ورصد أي قصور في مستوى الخدمة الصحية لمعالجتها، وبدأت   أولى سلسلة الزيارات الميدانية من محافظة سوهاج.

ألستم تتفقون معي، أن تصرف محافظ سوهاج، كان في ظل مسؤولية الحكومة الجديدة، نحو الاهتمام بالمواطن وتحسين الخدمات المقدمة له، ومحاربة أي نوع من التقصير في حقه، وهو أسلوب يجب ندعمه ونثنى عليه، ولا نسمح لخفافيش الظلام مهاجمته، بل نأمل أن يكون مهمة كل مسؤول في موقعه!