تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > مودي حكيم > "من عَلمنِي حرفًا صرت له عبدًا"

"من عَلمنِي حرفًا صرت له عبدًا"

فى مثل هذه الأيام من كل عام أتذكر موعد رحيل الأستاذ الذي علَّمني آلاف الحروف، وعَلَمَ  أجيالًا فى عصر المثل القائل" من عَلمنِي حرفًا صرت لَهُ عبدًا"، المقولة المنسوبة للصحابي الجليل علي بن أبي طالب، وتعني الطاعة والاحترام والعرفان والتقدير، أكتب عنه تقديرًا واعترافَا بفضل أستاذي محمد خليفة التونسي، الذي علمني أكثر من حرف في اللغة العربية، ليس بمفهوم العبودية والذل والخضوع ولكن بتقديم شكري وامتناني، فقد دفعني للقراءة لتصبح مصدر متعتي، عادة اكتسبتها من "حصة" القراءة بمدرسة مصر الجديدة الثانوية، فقد كانت "الحصة" السادسة والسابعة للقراءة بمكتبة المدرسة، من أهم الحصص الموجودة في الجدول المدرسي.  التهمت كتب سلامة موسى، توفيق الحكيم، المازني، طه حسين، المنفلوطي وقصص محمد عبد الحليم عبد الله وأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم.

أحببت الشعر فكتبته واحتضنني استاذي التونسي مدرس اللغة العربية وأحد تلاميذ الكاتب الكبير عباس محمود العقاد، فلم يبخل علي بوقته أو جهده بل كان يدعوني إلى منزله صباح كل يوم جمعة لمراجعة وتصحيح ما كتبت قبل أن يذهب إلى ندوة العقاد الأسبوعية، عطاء بلا حدود أو مقابل من أستاذ لتلميذه.

فهو من مريدي العقاد الذين لا يعدلون به أحدًا في الشرق أو الغرب، ومعرفته بالعقاد، واتصاله الفكري والشخصي به يرجع إلى ربع قرن، ترجم علاقته الحميمة بأستاذة فى واحدة من مؤلفاته، كتاب «فصول من النقد عند العقاد» وجمع فيه طائفة كبيرة صالحة مما كتبه العقاد في النقد، بمقدمة طويلة ضافية تتكون من جزءين، أولهما عن العقاد ومكانته الأدبية العامة وبخاصة في مجال النقد، وثانيهما لرسم صورة بيانية لشخصية العقاد. تتبع عن قرب سيرة الأستاذ العقاد وإنتاجه الأدبي.

في ذكراه نتذكر أول ترجمة عربية لكتاب "الخطر اليهودي بروتوكولات حكماء صهيون" منقولة من الطبعة الإنجليزية الخامسة، نقلها الأستاذ "محمد خليفة التونسي"، وقدم لها الاديب الكبير عباس محمود العقاد وحرص على ترجمتها بغير تصرف يخل بمعناها. وهي وثائق تتحدث عن خطة لغزو العالم، كتبت وتتضمن 24 بروتوكولا كتعاليم وتوصيات في خطة مسبقة لسيطرتهم على العالم. 

عبر صفحات الكتاب، يؤكد التونسي إن زعماء الصهيونيين "عقدوا ثلاثة وعشرين مؤتمراً منذ سنة 1897م وكان آخرها المؤتمر الذي انعقد في القدس لأول مرة في 1 أغسطس 1951م، ليبحث في الظاهر مسألة الهجرة إلى إسرائيل ومسألة حدودها، وكان من هذه المؤتمرات جميعاً دراسة الخطط التي تؤدي إلى تأسيس مملكة صهيون العالمية، وكان أول مؤتمراتهم في مدينة بال بسويسرة سنة 1897م برئاسة زعيمهم هرتزل، وقد اجتمع فيه نحو ثلثمائة من أغنى حكماء صهيون كانوا يمثلون خمسين جمعية يهودية، وقرروا فيه خطتهم السرية لاستعباد العالم كله تحت تاج ملك من نسل داود، ثم أجمل الأستاذ التونسي ما اشتملت عليه فصول الكتاب من شرح الخطط المتفق عليها، وهي تتلخص في تدبير الوسائل للقبض على زمام السياسة العالمية من وراء القبض على زمام الصيرفة، وفيها أيضاً تفسير للمساعي التي انتهت بقبض الصيارفة الصهيونيين على زمام الدولار، إلى جانب ذلك للمساعي الأخرى التي ترمي إلى السيطرة على المعسكر الآخر إلى أيدي أناس من الصهيونيين أو الماديين.

 

وهكذا، تتعدد وسائل الفتنة التي تمهد لقلب النظام العالمي وتهدده في كيانه بإشاعة الفوضى والإباحة بين شعوبه وتسليط المذاهب بعضها على بعض والدعوات المنكرة على عقول أبنائه، وتقويض دعائم الدين والأخلاق والحس الوطني وغيرها.

فالصهيونية قديمة منذ عصور كفكرة ثم كتجربة، ثم كحقيقة لها وجودها المادي، والسيطرة على العالم سواء كتبت البروتوكولات أم لا!

كانت بداية المشروع الاستيطاني الصهيوني، الذي انتهى بدولة إسرائيل المُقامة على أنقاض فلسطين، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أيضًا أن اللحظة نفسها هي التي دشَّنت حكاية الصراع اليهودي الداخلي بين اليهود المتدينين وبين الصهيونية، قبل النكبة، وقبل الهجرات اليهودية إلى فلسطين، ووعد بلفور، وقبل حتى أن يعرف "بلفور" أنه سيُقدِّم وعدا لليهود بشيء ما في أرضٍ ما. فاليهود الأرثوذكس يؤمنون بأن "الشعب اليهودي" ما هو إلا تعبير ديني، وأن الانتماء لهذا الشعب يتوقَّف على قدر الالتزام بالشريعة اليهودية، ومن ثم فإن كل دعوة تنظر إلى اليهود نظرة سياسية أو قومية هي شيء مخالف للدين وبعيد عنه، ومن هنا تعالت صيحات الرفض لها في أرجاء هذا الشعب.

في أكثر من فصل من فصول الكتاب العشرة التي ترجمها التونسي. وهي إشارة تفيد مدى إجادة اليهود في تعزيز موقفهم في العالم، وذلك باتفاق المصالح الاقتصادية مع رؤوس الأموال في العالم المتمثل في الرأسمالي الاستعماري الأمريكي والإنجليزي، والإنحياز الكامل لهم، ليس فقط من أجل المصلحة الاقتصادية، ولكن أيضًا من أجل البقاء. تنتشر على نطاق واسع أقاويل بأن مصطلح "صهيوني" يصبح الكلمة المرادفة لـ"يهودي"، لدى بعض الدوائر، وهذا التحيز ضد الشعب اليهودي يجري التعبير عنه باستخدام لغة معاداة الصهيونية. مشكلتنا مع إسرائيل ليست دينية، فهي تستغل الدين لتمرير مشروعها الاستيطاني العنصري.

أما الصهيونية فتشير إلى الحركة التي سعت لإنشاء دولة لليهود في الشرق الأوسط، مشابهة للأرض التاريخية المزعومة لإسرائيل، وهو ما يعارضه المناهضون للسامية. فمعاداة السامية هي عمل عدائي أو تحيز ضد المواطنين اليهود. لكن البعض يقولون إنه يمكن استخدام كلمة "صهيوني" كوسيلة لهجوم مستتر على اليهود، بينما يعارض آخرون هذا ويقولون إن الحكومة الإسرائيلية وداعميها يخلطون عمداً بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية لمنع انتقادها.  أن اصرارنا على نسبتها لليهود لا يخدم القضية العربية، إن قضية كراهية اليهود تخدم الصهيونية نفسها باعتبارها حركة عنصرية حاول الغرب بها تخليص أوروبا من اليهود عن طريق تهجيرهم إلى مكان بعيد، كما اعتبرت العصبة أن الصهيونية تعدٍّ صريح على حق الفلسطينيين، وأن حل مشكلة الأقليات اليهودية يكون من خلال الدفاع عن واجباتهم داخل أوطانهم وليس من خلال تهجيرهم إلى فلسطين.  رحم الله استاذي الذي علمني الكثير من حروف اللغة. وألقى بضوء المعرفة على فكر ومخططات أبناء صهيون، وغزة تصرخ وتئن من آلام طوفان الأقصى. ‏

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية