تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > مودي حكيم > صاحب الصوت الأيقوني.. ومستقبل الراديو

صاحب الصوت الأيقوني.. ومستقبل الراديو

فارقنا صاحب الصوت الأيقوني المذيع المصري محمود المسلّمي، في الوقت الذي يحتفل به العالم باليوم العالمي للإذاعة، وضع المسلّمي النقطة الأخيرة في بثّ إذاعة بي بي سي نيوز عربي، وأغلق الباب على ستوديو الإذاعة في لندن، مع وقف بثها التقليدي، والانتقال إلى الفضاء الرقمي، في يناير 2023، وبعد عام تقريباً، توفي المذيع المصري المخضرم، وكبير مذيعي بي بي سي نيوز في بثها العربي.

 

محطته الأولى بدأت من سنة ١٩٧٥، وهي محطة الإذاعة المصرية، وهي تعتبر محطة التأسيس والتربية ومحطة الانطلاق لكل ما تلاها من محطات، وهذه المحطة تعلم فيها الأصول الإذاعية، وتقابل فيها مع مختلف الشخصيات من نجوم الفن والأدب والثقافة، فقد كان وقتها من العادي أن يرى بشكل مستمر نجيب محفوظ ويحيى حقي وتوفيق الحكيم ونور الشريف وغيرهم من عمالقة الفن والأدب، وكان ذلك يمثل بالنسبة إليه نوعا من الزخم الثقافي الرائع.

 

أما المحطة التي تلت الإذاعة المصرية فكانت محطة إذاعة صوت العرب وهذه عزز بداخله الجانب القومي والاهتمام بقضايا العرب، وكان المسلّمي آخر صوت يُسمَع في إذاعة بي بي سي العربية قبل إغلاق بثها الإذاعي الذي استمر 85 عاماً.

 

أما المحطة التي تلت الإذاعة المصرية فكانت محطة إذاعة صوت العرب وهذه عززت بداخله الجانب القومي والاهتمام بقضايا العرب، ثم جاءت المحطة التي تليها وهي العمل في إذاعة سلطنة عمان وكانت من ١٩٨٤ إلى ١٩٩٠ وأطلق على هذه المرحلة مرحلة النضج، فإذاعة عمان وقتها كانت كالأرض البكر وقد رحبت كثيرا بكافة الأفكار التي قدمها.

 

ثم أتت محطة العودة لصوت العرب مرة أخرى وكانت لعام واحد من ١٩٩٠ إلى ١٩٩١ وقد عاد للعمل بها قبل غزو العراق بأسبوعين فكانت فترة عصيبة شهدها الوطن العربي وقتها وكانت لأول مرة الإذاعة تعمل لـ ٢٤ ساعة متواصلة وشملتها مواضيع غزيرة وأخبار ساخنة لذا كان عاما حافلا بكل ما تعنيه الكلمة، وقد سافر إلى دبي والكويت والشارقة كي يحاضر ويقوم بالتدريب أيضا وشمل ذلك كتابة الخبر واللغة العربية في الإعلام

 

رحيله صادف نفس الوقت الذي يحتفل به العالم باليوم العالمي للإذاعة فى شهر فبراير،  فالراديو أو المذياع من أهم وسائل الاتصال التي عرفها الإنسان منذ قديم الزمان، لهذا اعتمدته الجمعية العامة لأمم المتحدة عيدا، فالإذاعة لم تزل وسيلة قوية للاحتفال بالإنسانية بكل تنوعها، كما أنها لم تزل منصة للخطاب الديمقراطي.

 

وعلى المستوى العالمي، تظل الإذاعة الوسيلة الإعلامية الأوسع انتشارا. وبسبب قدرة الإذاعة الفريدة على الوصول إلى الجمهور الأوسع، فإن بمقدروها تشكيل تجربة المجتمع في التنوع، وإتاحة ساحة عامة لكل الآراء.

ويجب أن تخدم المحطات الإذاعية مجتمعات متنوعة، وأن تقدم مجموعة متنوعة من البرامج ووجهات النظر والمحتوى الغني، وأن تكون مرآة صادقة لتنوع الجماهير في إطار مؤسساتها وعملياتها، والإذاعة — بسبب يسر كلفتها— مناسبة للوصول إلى المجتمعات النائية والفئات المستضعفة، حيث تتيح أمامهم منصة للدخول في النقاش العام، بغض النظر عن مستوى المعرفة.

 

كما أن لها أهميتها في التواصل في حالات الطوارئ ولتقديم الإغاثة في حالات الكوارث. 

كانت الاذاعة أول وسيلة إعلام مسموعة فى العالم ، وأول إذاعة بثت برامجها الموسيقية فى عام 1906، انطلقت فى مصر عبارة "هنا القاهرة" عبر أثير الإذاعة المصرية عند افتتاحها فى مايو عام 1934 بصوت الإذاعي أحمد سالم، ومعها بدأ الراديو يغزو المنازل بعد أن كان أداة التسلية فى المقاهي بسماع ألاغاني، ومصدرا لمعرفة وسماع الأخبار، ومعه بدأ نهار جميع انحاء مصر في الساعات الأولى من نهار جديد بصوت أم كلثوم مناسباً عبر أثيره وهي تشدو "يا صباح الخير ياللى معانا"، لتبدأ حياة ويوم جديدة في المحروسة، ويدب النشاط فى المنازل ليمارس كل من في المنزل نشاطه بالذهاب إلى المدرسة أو للعمل، مصحوبين بنغمات وصوت المطرب محمد قنديل "يا حلو صبح يا حلو طل"، و صوت نجاح سلام "بالسلامة يا حبيبي بالسلامة.. بالسلامة تروح وترجع بالسلامة"، وبرفقة البرنامج الإذاعي "طريق السلامة"، أما الأمهات فترافقهن  برنامج "إلى ربات اليوم"، ومن يومها أصبح الراديو هو الوسيلة المفضلة للتواصل والترفية بالعالم باشكاله المختلفة، من كبيره لصغيره، حتى ظهور التليفزيون، ومع المنافسة اضافة التكنولوجية بصماتها وظهور الاجهزة  المحمولة فى السيارة، وجهاز الترانزستور  المحمول فى كل مكان وزمان في ريف مصر إلى شواطئها والعاصمة. 

  ومع احتفال العالم باليوم العالمي للراديو ، يطرح سؤال بعينه كل مرة، ألا وهو: هل ستبقى الإذاعة وسيطا إعلاميا، وهل سيظل لها دور في عصر وسائط التواصل الاجتماعي التي أخذت تشغل اهتمام معظم الناس هذه الأيام؟ وقد اعتادت منظمة التربية والعلم والثقافة (يونسكو) تبنيَ موضوع معين يكون هو محور الاحتفال كل عام.

فطرحت من قبل - مثلا - المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، والشباب، والإذاعة في أوقات الطوارئ والكوارث، منذ أعوام ليست بعيدة اختارت منظمة اليونسكو فى احتفالها باليوم العالمي للإذاعة شعاراً تدعو لمشاركة الجمهور"، رافعة شعار "أنتم الإذاعة". 

وربما يكون دافع اليونسكو وراء اختيار هذا المحور هو انخراط الجماهير أكثر فأكثر في مواقع التواصل الاجتماعي التي سعى بعضها إلى خطف دور الإذاعة بإضافة ملمح البث الصوتي المباشر، بعد انتشار تجربتها في البث المرئي المباشر.

 

وبعد مرور أكثر من 100 عام على أول بث إذاعي، لا يزال الراديو وسيطا إعلاميا مهما في أنحاء العالم كافة.

ولم ينحسر دوره أو ينزوي.. قد بسط الراديو سلطانه، ليس فقط عبر الأثير، بل على الفضاء الافتراضي أيضا، فأصبح بإمكان جماهيره الاستماع إلى مئات المحطات الإذاعية دون حاجة إلى مذياع، عبر الإنترنت. 

ويبقى السؤال "هل ستبقى الإذاعة وسيطا إعلاميا"، وتأتي إجابة المديرة العامة لليونسكوالسيدة أودري أزولاي فى كلمتها بمناسبة اليوم العالمي للإذاعة نحتفل في هذا اليوم العالمي بتاريخ الإذاعة، ودورها الرئيسي فى مجتمعاتنا، سواء اليوم أو في السنوات المقبلة.

أن عام 2024 محطة بارزة  في ﺗﺎريخ هذه الوسيلة الإعلامية، إذ نحتفل في هذا العام بمرور  ١٠٠ إذاعي سنة على أول بث مباشر على الأثير للألعاب الأولمبية، عشية دورتها الجديدة التي تستضيفها ﺑﺎريس.

تؤكد هذه المحطة البارزة ﺑﺄن الإذاعة، منذ اختراعها في أواخر القرن التاسع عشر، ما زالت الرفيق الدائم الذي يجمعنا حوله، اليوم أكثر من أي وقت مضى، حيث إن الإذاعة رغم التأثير المتزايد للإنترنت ومواقع التواصل  للإعلام والترفيه، تضطلع بدورها المتمثل، حيث تشير التقديرات إلى أن عدد مستمعيها تخطى ٤ مليارات شخص.

والإذاعة هي أيضا الوسيلة الإعلامية، التي تتفوق على الوسائل الأخرى فى الوصول لكل انحاء "البسيطة" ففي حين لم ينتفع ثلث سكان العالم  ﺑﺎلاتصال اللائق بشبكة الإنترنت في عام  ٢٠٢٣، وارتفعت هذه النسبة إلى نصف سكان المناطق الريفية، تثبت الإذاعة الوسيلة الإعلاميّة التي تتفوق على سائر الوسائل الأخرى من حيث الشمول وسهولة المنال، ولاسيما في أوضاع الأزمات. بالرغم من توسع رقعة وسائط التواصل الاجتماعي بين الأفراد بعد انتشار الهواتف الذكية في معظم بقاع الأرض، مع من يستطيع تحمل تكلفة الإنترنت وخط الهاتف، فلا يزال الراديو أكثر وسائل الإعلام إتاحة للناس في سهولة ويسر وبأقل تكلفة.

فبعد اختراع الأجهزة التي تشحن يدويا ولا تحتاج إلى بطاريات، وتلك التي تشحن بالطاقة الشمسية، أصبح جهاز الراديو متاحا في كل مكان، وأخذت الإذاعة تتسلل معه إلى أرجاء جديدة.

وقد تكون طبيعة الراديو ذاتها أحد العوامل التي هيأت له البقاء حتى الآن، وستكفل له طول العمر في المستقبل، فهو وسيط يمنحك حرية تخيل وتصوير ما تسمعه. إذ يمكنك رسم تصور للمذيع أو المذيعة في ذهنك في الصورة التي تحلو لك، ورسم صورة للأحداث التي تنقل إليك في رأسك بحرية يفتقدها مشاهدو التليفزيون، وإن كان الراديو يكلم الملايين، في القرى والمدن والبلدات، والأقطار، فإنه في الوقت ذاته يتكلم إليك أنت وحدك، فأصواته موجهة إليك، تتسلل إلى رأسك عبر أذنيك لتظل بداخلك فيكون تأثيرها أكبر. وهو  أداة شخصية، أما التليفزيون فوسيلة جماعية، إذ عادة ما يشاهده الناس جماعاتٍ. ويتميز الراديو بالسرعة في نقل الحدث المباشر، فالإذاعي لا يحتاج فيه إلا إلى جهاز تسجيل وميكروفون. وليس أمام الراديو حدود، فإشاراته تبلغ الجبال والمحيطات، والريف والحضر، وهو لذلك وسيلة مهمة للتقارب بين الثقافات.

ويستطيع مستمعو الراديو الاستماع إليه وهم منهمكون في أداء عمل آخر، على نقيض التليفزيون والصحف، ووسائل التواصل الاجتماعي. ويتميز الراديو بميزة أخرى، هي أن وسيلته الوحيدة في التواصل هي الصوت البشري بما يحمله من لكنة مميزة لكل مذيع، وما فيه من دفء، وعاطفة، وغضب، وألم، وضحك أحيانا، وما يطرأ عليه من تردد، وتوقف، وبطء أو إسراع، وعلو أو انخفاض في الصوت . ومن مميزات الراديو التي قد لا ينافسه فيها وسيط آخر -كما يقول خورخي ألباريز رئيس الأكاديمية الأسبانية للراديو- تخطيه للحدود، ووصوله بحرية، وبسعر زهيد، إلى نواحي العالم المختلفة.

 سيبقى الراديو وسيط إعلامي يمد متلقيه بالمعلومات، ووسيلة تعليم، وتسلية. وهو يستخدم في الحروب، وحالات الكوارث، وفي السجون، لتبادل المعلومات، وإبلاغ البيانات، والترفيه والتسلية، وستزيد عزلة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، فتراهم فرادى منعزلين، ينكب كل منهم على جهازه، حتى وإن كان يجلس بين أهله، فاقدا التواصل مع كل من يحيط به.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية