تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > مودي حكيم > الاستثمار في بلاد الغربة!

الاستثمار في بلاد الغربة!

عجيب أمر هذه الدولة! احتلت بريطانيا بلادنا وبلاد العالم لأكثر من مائة عام، ورغم أنها تعاني نقصًا حادًا في اليد العاملة، بلغ ملايين الوظائف، مما دفع الشركات لدق ناقوس الخطر، فجأة وقعت بريطانيا وإيطاليا مذكرة تفاهم منذ أشهر للتصدي للهجرة ولوقف تدفق المهاجرين في إطار "شراكة الهجرة الاستراتيجية"، وفي الوقت الذي أعلنت فيه اليونسكو نزوح أكثر من 43 مليون طفل من داخل 44 دولة نتيجة الكوارث المناخية، مع توقعات أن تتسبب فيضانات الأنهار في السنوات الثلاثين القادمة في 96 مليون عملية نزوح. وبصرف النظر عن النزوح الإجباري، فهناك كثير من الدول تعاني من أوضاع غير مستقرة وفي حاجة لمزيد من دعم الدول الأوروبية، خاصة أن معظم المهاجرين للمملكة المتحدة يساهمون في سد النقص بسوق العمل في بريطانيا، خاصة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وانخفاض المهاجرين الأوروبيين. 

 

لم ينجح المصريون في الانتقام من المستعمر البريطاني كما نجح مواطنو المستعمرات البريطانية السابقة في آسيا وإفريقيا من الباكستان، والهند وجامايكا ونيجيريا، الذين بلغوا حوالي تسعة ملايين يشكلون أكثر من 15% من القوة العاملة البريطانية في الاستيلاء على مناطق بأكملها في لندن وخارجها في شمال البلاد.

البعض منهم انتقم من استعمار بلاده، بالنجاح وإثبات الذات واستغلال كل موارد المستعمر في التعلم، والتعليم والتأمين الصحي، والاستقرار النفسي، والتقدم العلمي والتكنولوجي، لرفع مستواهم المعيشي والحصول على كل المزايا والحقوق فنجحوا في إثبات الذات، لدرجة أصبح معها 30% وأكثر من الأطباء والممرضات في التأمين الصحي من المهاجرين. وفئة أخرى نجحت في الاستثمار مستغلة الاستقرار السياسي والاقتصادي، والظروف المواتية لتحقيق الرغبة في الربح.  

مؤخرًا نجح الشاب ذو الأصول المغربية حمزة تاوزال في تحقيق إنجاز تاريخي بتقلّده منصب العمدة في واحدة من أرقى وأغنى مناطق العاصمة لندن. وتمكن حمزة البالغ من العمر 21 عامًا من الظفر بمنصب عمدة بلدية "ويستمنستر" في قلب لندن، عقب الانتخابات المحلية التي شهدتها المملكة المتحدة في إبريل/ نيسان الماضي، وتعتبر هذه البلدية هي الأغنى في البلاد بالنظر لوجود كل مؤسسات البلاد المهمة من برلمان ومقر رئاسة الحكومة وقصر الملكة.

عام 2010 نشرت صحيفة The Sunday Times قائمة تضم 1000 مليونير وملياردير في بريطانيا، حيث تضم 15 شخصًا وصلوا إلى العاصمة لندن كفقراء أو لاجئين قبل أن يجمعوا ثروتهم الضخمة. وتشهد القائمة التي تصدرها الصحيفة الشهيرة كل عام رجلًا مصريًا كان الشاب عاصم علام.. ابن قرية السد بمدينة قليوب، وقد تخرج في جامعة عين شمس بالقاهرة، وقال لمن عرفهم– في ذلك الوقت– أنه “هرب من حكم عبد الناصر القمعي”. ورغم ذلك، فإنه لم يشتغل بالسياسة في حياته، ولم يكن له أي نشاط معارض للحكم في مصر.. في الخارج، وصل إلى لندن عام 1968 بعد أن باع كل ممتلكاته ثم حول أمواله إلى الجنيه الاسترليني عن طريق وسيط من السوق السوداء، لكي يستفيد بفارق السعر، بحجة معاناته من نظام الرئيس المصري حينها جمال عبد الناصر، لكنه واجه أكبر صدمة في حياته فور وصوله. فالرجل الذي كان عمره حينها 28 عامًا جاء معه 600 ألف دولار وعند محاولته إيداعها في مصرف Midland Bank أخبره مدير الفرع الذي قصده إن الأموال التي يحملها مزورة ولن تفيده بأي شيء، ليجد عاصم علام حينها نفسه في مأزق فهو لا يملك سوى 20 جنيهًا استرلينيًا استدانها، ومعه زوجته وابنتاه فاضطر للعمل في مستويات وظيفية أقل كثيرًا لما كان عليه من قبل، لكنه تحلى بالعزم حتى جمع ثروة مالية كبرى. 

بحث عن فرصة عمل، فعمل «شيالا» كان يقوم بتحميل سيارات النقل الثقيل "بأجولة الدقيق"، وكان العمل شاقا للغاية، عمل بعدها في مصنع صفيح في قسم اللحام، كان يقبل أي وظيفة رغم أنه في مصر كان مراقب حسابات، العمل والاختلاط بالعمال مكّنه من تعلم اللغة الإنجليزية بسهولة كبيرة وفي فترة قليلة. لم يتوقف علام عند تلبية احتياجاته هو وأسرته بالعمل، بل درس الاقتصاد في جامعة هل، وتأهل لتولي وظيفة محاسب ثم أتته الفرصة للعمل في بنك إنجليزي ككاتب حسابات.

بعد 9 أشهر فقط أصبح مديرا لإدارة الاستثمار، وبعد فترة من العمل الدؤوب والتحديات الوظيفية في البنك الذي عمل به، والذي يمتلك 32 شركة، علم أن البنك بصدد بيع إحدى شركاته شركة “تيمبست ديزل” عام 1977، ثم استعان بقرض من بنك باركليز عام 1981.. ليشتري الشركة التي كان يعمل محاسبًا بها، غير أن تلك الشركة أفلست عام 1992، تحت ضغط من بنك باركليز (الدائن)، وشركة “روسكادور” لبناء السفن وصيانتها، غير أن علام تمكن من شراء أصول الشركة المفلسة، وأسس شركة جديدة.. هي “علام للصناعات البحرية” Allam Marine Industries، لم يكن نشاطها بعيدا عن مجال عمل الشركة المفلسة، لكن استفادته من أسباب الإفلاس، ساعدته في تحقيق نجاحات ومكاسب كبيرة؛ لدرجة أن شركة “إرنست آند يانج” للمحاسبات (المشهورة عالميا)– التي تولت تصفية شركته الخاسرة عام 1992– رشحته في عام 2006 ليكون “رجل أعمال العام”، كما رشحت اسمه للنشر على قائمة “أغنى أغنياء بريطانيا”– التي تصدرها صحيفة “الصانداي تايمز” كل عام– في عام 2010.. نجاح "عاصم علام" كان له أثر ملحوظ في بريطانيا وده اللي مكنه من أنه يحوز على جائزة أحسن رجل أعمال في بريطانيا سنة 2006 وأخذها مرة ثانية سنة 2008 وهي الجائزة التي سلمتها له ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية.

اختار علام العيش في مدينة هل- الميناء في مقاطعة يوركشاير- التي تقع على الساحل الشرقي لوسط إنجلترا، بعد أن وصل إليها في زيارة مؤقتة– بعد شهر واحد قضاه في ألمانيا– لكن الأقدار شاءت للزيارة أن تتواصل.. ليقضي ما تبقى من حياته في المدينة، الحياة الحافلة بإعادة البناء، وتقديم الرعاية للمجتمع المحلي في المدينة ويصبح من كبار رجال الأعمال في المقاطعة، وواحدا من أشهر ساكنيها.

ولشغفه بالرياضة بدأت قصته مع “نادي هل سيتي لكرة القدم”.. عندما فقد النادي موقعه على قوائم “الدوري الممتاز” (بريمييرليج)؛ حسب تصنيف اتحاد الكرة الإنجليزي في عام 2010، وبعد شائعات وتسريبات حول مفاوضات سرية، وقع عقد شراء النادي يوم 16 ديسمبر من ذلك العام، بثمن لم يزد على جنيه استرليني واحد، مع تعهد باستثمار مبلغ 30 مليون جنيه استرليني على الفور، تتبعها عشرة ملايين أخرى في وقت لاحق.

وقال حينئذ: إنه “يعبر عن امتنانه لأبناء هل، الذين سعد بالحياة بينهم، بإعادة الإحساس بالسعادة بنادي بلدهم وفريقه”. لكن علاقته مع جمهور النادي لم تكن سعيدة كل الوقت، فقد اعترض المشجعون– عام 2013– على محاولته تغيير اسم النادي، ليصبح AFC، حسب تصور “يساعد في الترويج الإعلامي والتسويق التجاري”، وأيد اتحاد الكرة الإنجليزي موقف المشجعين.. فجمدت المحاولة. وأوضح مصدر أنه كانت هناك خشية من أن عاصم علام كان يريد تسمية النادي “نادي علام لكرة القدم” Allam Football Club؛ على نحو اسم شركة “علام للصناعات البحرية”. صفقة مع “أكون ميديا”.

 

وفي العام التالي حاولت إدارة النادي إلغاء نظام شراء التذاكر الموسمية، وتبني نظام لـ“العضوية السنوية”.. مع تذاكر مخفضة لحضور المباريات، لكن المشجعين اعترضوا على ذلك أيضا، لأنه كان يتضمن تخصيص أماكن محددة مسبقا.. لجلوس أصحاب التذاكر المخفضة. ورأى المشجعون أن ذلك سيحرمهم فرصة الجلوس في الأماكن المفضلة لديهم، اعتبارا من عام 2016، تعرضت إدارة النادي لانتقادات، بسبب عدم توافر العدد الكافي من اللاعبين المحترفين في صفوف الفريق، والتأخر في تعيين مدير كرة جديد، بعد استقالة ستيف بروس من المنصب، وتفاقم الموقف بعد أن فقد النادي موقعه على قوائم “الدوري الممتاز” (بريمييرليج) مجددا عام 2017، بعد أن فاز الفريق في مباراتين فقط، من أصل 15 مباراة لعبها ذلك الموسم.

 

كان خيرًا قدم 7 ملايين جنيه استرليني.. إسهاما في بناء مجمع طبي (إجمالي تكلفته 25 مليون جنيه)، تابع لجامعة هل، كما تبرع بمبلغ 8 ملايين جنيه استرليني، مشاركة في تأسيس مركز لأبحاث مرض السكر وعلاجه عام 2019. وتقديرا لإسهامات خريجيها المرموق، منحته الجامعة درجة الدكتوراه الفخرية. كما أنه كان يتبرع لحزب العمال المعارض، الذي تعتبر دائرة هل من معاقله المنيعة في شمال إنجلترا.

 

كان علام شغوفًا بالرياضة، وكان مشاركًا كبيرًا في لعبة الإسكواش في سنواته الأولى وكان له دور فعال في جلب بطولة بريطانيا المفتوحة للإسكواش الشهيرة إلى هال في عام 2013، والمعروفة باسم "بريتش علام" بعد عام واحد من المساعدة في إحياء البطولة. وأقيمت البطولة في مدينة هال، وكانت تُعرف باسم بطولة علام البريطانية المفتوحة في ذلك الوقت وبدعم من علام، أصبحت نسخة 2017 من الحدث المرموق هي الأولى في التاريخ التي تقدم جوائز مالية متساوية للرجال والنساء. وأقيمت النسخ الثلاث الأخيرة من بطولة بريطانيا المفتوحة في هال في مركز علام الرياضي التابع لجامعة هال.

..ومع وداع العام الماضي ودعنا عاصم علام الهارب من مصر باحثًا عن وطن، لتنتهي رحلة الرجل الذي حول 20 جنيهًا إلى 300 مليون دولار، واحدًا من المهاجرين، اللاجئين الفقراء الذين جمعوا ثروات.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية