تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > مودي الحكيم > "فنانون.. ضمير عصرهم".. نور الشريف

"فنانون.. ضمير عصرهم".. نور الشريف

كان رائد الحركة الواقعية في المسرح الروسي، المخرج قسطنطين ستانسلافسكي يعتبر أن الممثل هو المسؤول الأول عن نقل أفكار المؤلف، ولهذا كان يرى أن الممثل يجب ألا يكون مثقفاً، لكي لا يعبث برؤية الكاتب بل يجسّدها. لكن هذا الرأي لا ينطبق على نور الشريف، فهو أحد أهم الممثلين الذين هدموا رأي المخرج الروسي. كان مثقفاً حقيقياً، وشارك في أدوار مهمة في الحياة العامة، وكان له حضور مشهود، أعمال نور الشريف تحمل شحنة ثقافية إبداعية بعمق وبساطة في آن واحد، كما أن الكثير من أعماله كانت في الأصل نصوصا لكتاب من أصحاب القامات العالية، وفي مقدمتهم نجيب محفوظ الذي جسد نور الشريف شخصيته الخالدة في الثلاثية "كمال" عبر فيلمي قصر الشوق والسكرية، وتجسيده لشخصية «ابن رشد»، وفنان الكاريكاتير المبدع ناجي العلي، وتوفيق الحكيم في «عصفور من الشرق»، كان دليلاً على أنه يحمل همّ المثقّف، فضلاً عن أن تجسيده لهذه الشخصيات ترجمة لوعيه وثقافته وروحه الجميلة. كان فنانا مثقفا، ولديه مكتبة كبيرة، أوصى بعد رحيله أن تنقل بكامل محتوياتها إلى مكتبة الإسكندرية.

ولأنه مثقف حقيقي فهو من "أصحاب المواقف" أو على حد تعبير الكاتب الكبير وحيد حامد "صاحب موقف حقيقي"، فيما حق للفنانة نبيلة عبيد أن تتوقف عند "الحس الوطني والثقافي للفنان صاحب الرؤى والموقف نور الشريف". وفي الاتجاه ذاته، قال الفنان عزت العلايلي في تصريحات صحفية إن نور الشريف كان فنانا صاحب ثقافة واسعة ومهموما دوما بقضايا وطنه، فيما لفت المخرج سمير سيف إلى أن الراحل العظيم كان لا يهتم بحجم دوره في أي عمل فني وإنما يهتم كل الاهتمام "بالرسالة التي ينطوي عليها هذا العمل الفني وأهدافه وتأثيره في المجتمع".

كان نور الشريف مؤمنا أنَّ الثقافة لدى الفنَّان شيء ضروري، لا سيَّما وأنَّه صاحب رسالة يوجهها للجمهور المتابع أمام الكثير من الرسائل التي يواجهها كل يوم، فقد كان يؤمن بضرورة الثقافة وحتميتها، ولا يقتنع بفكرة الرمز أو الشخص الملهم، فخلال حوار له.. أكَّد أنه لا يوجد شخص يمثل رمزا أو علامة في العالم كله، قائلًا: "نحن في زمن خال من الرموز حتى لا يكون لهم أتباع ومريدون يتبنون أفكارهم.. نحن في زمن الفكر فيه مرفوض، وكل شيء قابل للبيع". نور الشريف كان واحد ممن يملكون ثقافة حقيقية.. أو ثقافة بمفهومها الصحيح: أن تكـــــون قادراً على توظيـــــــف ما قرأت وما عرفت لصنع فن مختلف يتصل بقضايا مجتمعك الماسة، وأن تكون لك وجهة نظر حقيقية في هذه القضايا.. مثقف اكتملت أدواته بهاتين القدرتين.

نور الشريف هو «كمال عبدالتواب»، الذي نجح في صنع شرير يثير الإعجاب في فيلم «العار». كان نور الشريف «سواق الأتوبيس»، و«الأسطى» و«آخر الرجال المحترمين». هذا الفنان المصري المتفرّد، لعب أدواراً أخرى مهمة، احتلت صدارة مشهد الدراما العربية على مدى نصف قرن، على رغم أنه دخل إلى دائرة الضوء من «الشوارع الخلفية». تعلَّم نور الشريف صنعة التمثيل على يد أحد أعمدة المسرح المصري. نقل له الفنان الراحل سعد أردش عدوى الأداء المتقن، فجسّد نور الشاشة العربية رؤية أستاذه على نحو سيخلّد اسمه وأعماله. في فيلم «العار» صار نور الشريف أيقونة في السينما العربية بعد تجسيده شخصية «كمال عبدالتواب»، في فيلم «العار». في ذلك الدور المبهر أقنع نور المشاهدين بأن الجاهل يمكن أن يكون زعيماً متسلطاً، يفرض رأيه على الجميع، ويسوّغ الشر باعتباره قدراً. ويستلهم منه معنى التحدي والطموح في شخصية «عبد الغفور البرعي» التي جسّدها بإتقان لا متناهٍ في مسلسل «لن أعيش في جلباب أبي». وفي "زمن حاتم زهران" كاشفا لفساد الرأسمالية الجديدة، وواحداً من أشهر أفلامه، التجربة الوحيدة التي أظهرت إيمان نور الشريف برسالة الفن، بل واحد من أبرز أعماله كان فيلم "ناجي العلي"، عمل آثار ضجة واسعة، قصة حياة واغتيال الفنان الرسام ناجي العلي، ونجومه ومخرجة وتقنيات التصوير كلها عوامل جذبت الصحافة والإعلام للكتابة عن هذه التجربة، وبمجرد الإعلان على أن العمل سيكون فيلم افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي، أرسل ياسر عرفات رسالة إلى حسني مبارك يطلب منه إيقاف عرض الفيلم. الفيلم فوجئ صنّاعه بهجوم من الصحف المصرية واتهامهم بالخيانة وانتقدوا القائمين على السينما في تبذير الجهود والطاقات، لأجل شخصٍ "تافه" مثل ناجي العلي، وأن الفيلم تافه وساذج وأحداثه ملفقة، ووصلت درجة الهجوم على الفيلم إلى وصفه أنه ضد مصر، واستبعد الفيلم من المشاركة والمنافسة في مهرجان القاهرة الدولي السينمائي. اتهام ناجي العلي بكرهه لمصر، لم يكن صحيحا بل كان العلي ضد اتفاقية كامب ديفيد. "هجوم شرس" يشبه "المذبحة"، كما وصفه الشريف بنفسه، واتهامات وصلت إلى وصفه بالعمالة لأميركا.

على موقع ذاكرة مصر في مكتبة الإسكندرية، نقل نور مكتبته التي تضم 6 آلاف كتاب في مختلف المجالات، وتتضمن ملاحظات كتبها بخط يده، توضح أهمية المعلومات، وعليها أيضاً توقيعات من كبار الأدباء في الوطن العربي، ومجلات عربية وأجنبية تتحدث عن أعماله، فضلاً عن تكريمات وصور له منذ بداية مشواره، مع شخصيات مرموقة، منها صور تكريم الرئيس الفلسطيني عباس أبو مازن أثناء عرض مسرحية "لن تسقط القدس" وشهادات تقدير من مهرجانات مصرية وعربية، وصور العرض الخاص بمهرجان كان لفيلمي "عمارة يعقوبيان" و"ليلة البيبي دول"، بالإضافة إلى نحو "30 أفيش" و"برس بوك" لأهم أفلامه، ويتضمن المعرض أوراق تحضير فيلم "ناجي العلي" وأماكن التصوير، وكذلك أوراق فيلم "العاشقان".

لم يكن مجرد فنان يعتلي خشبة المسرح أو يقف أمام الكاميرا ليؤدي دورًا بل هو باحث عن العلم والمعرفة ودراسة البشر وأدائهم وسلوكهم، مراقباً للمجتمع حوله في أي تجمع أو في الطريق يسجل كل التفاصيل البسيطة لانفعالات الناس وتعابير وجوههم، أو حتى المواقف العفوية، وليكتب ملاحظاته لعلها تتحوّل يوما إلى مشهد نابض بالحياة على الشاشة. كان حريصاً على الاستماع لآراء النقاد، لم يتجاهلها يوما، يسجلها بعناية ليستفيد منها في تطوير أدائه، حرصه على الإصغاء جعله فنانا متجدّدًا فإذا أراد أن يجسِّد لنا الحالة الإنسانية على الشاشة، استطاع برشاقة ومرونة أن يتلوَّن أمام الكاميرا، تلك الأداة التي تسحر الناس عبر شاشات السنيما والشاشة الصغيرة، كان محمَّد جابر محمَّد الشهير بنور الشريف "نسبة إلى الفنان العالمي عمر الشريف" واحدًا من الذين امتلكوا أدوات الوقوف أمامها، فأثر قلوب محبيه.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية