تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
براءة هتلر من دم اليهود (2)
"عندما نعجز عن فهم الحاضر، علينا أن نعود للماضي نستشرف منه المستقبل." تلك مقولة لا تقبل الجدل. دعونا ندقق فيما دار قبل عشرات السنين، ونغوص في الحقائق التي أدت بنا لكل الاضطرابات التي نعيشها اليوم.
فإن الحقيقة الكاشفة أن كل الاضطرابات التي نحياها اليوم، ولا نجد لها مبرر سوى تفسير واحد، وهو الرغبة في الهيمنة والسعي إلى فرض النفوذ بالقوة، سواء بحق أو بالباطل، متجاهلين واقعًا كونيًا أزليًا، أن ما بني على باطل يظل دائمًا باطلاً مهما نسجنا حوله من أكاذيب ومبررات. يأتي يومٌ تنجلي فيه الحقيقة، كما أنجلت براءة الذئب من دم بن يعقوب.
أعوام وأعوام، والآلة الإعلامية تطنطن بسرديات بعضها وقعت بالفعل، وأغلبها ادعاءات، ليرفع الستار عن جوانب سعى "المشروع الصهيوني" إلى طمس صفحاته المخزية، مستخدمًا لغة المظلومية للوصول إلى غاياته.
نعم، ليس هتلر وحده المتهم بهدر دم اليهود. فأبناء جنسهم تخلوا عنهم وضحوا بهم في وضح النهار من البداية، وهو ما جعلهم شركاء أيضًا في المحرقة، وإن لم يقوموا بالإبادة الفعلية، إنما شاركوا فيها، إما بصمتهم أو تقاعسهم. فالسكوت هنا نوع من المشاركة أيضًا. ليس هذا فحسب، إنما استغلت بعض القيادات الصهيونية المأساة لصالح مشروعها السياسي وتقوية حجتها أمام العالم لإقامة دولة لهم.
وهو ما أكدته مراجع وأدبيات عدد من مؤرخي اليهود أنفسهم، الذين قاموا بالبحث وتوثيق تلك المرحلة في كتبهم مثل المؤرخ بيني موريس وكتاب "بين الكرامة واليأس"، وتوم سيغيف، مؤلف كتاب "المليون السابع".
من منطلق براغماتي بحت، اختار قادة الحركة الصهيونية من يستحق الحياة، تخيروا الأصلح الذي يخدم منهجهم وفق معاييرهم. تخلوا عن الضعفاء والفقراء، وسعوا إلى إنقاذ وتهجير فئات محددة، ألا هم "الأغنياء"، فدفعوا بهم إلى فلسطين. وزجوا بالبسطاء في آتون السعير.
رغم تخوف وقلق قادة المشروع الصهيوني من صعود هتلر والنازية إلى السلطة، تُرك الفقراء والمستضعفون لمصير مجهول. كان ذلك هو المشهد في 7 أغسطس 1933، عندما أبرم قادة الفكر الصهيوني اتفاقًا مع الرايخ الثالث، ترتب عليه نقل ما يقرب من 60 ألف يهودي و100 مليون دولار إلى فلسطين، وهو ما فضحه كتاب "اتفاقية النقل: القصة الدرامية للعهد بين الرايخ الثالث وفلسطين اليهودية" للكاتب إدوين بلاك، في صفقة تحمل تناقضًا مريرًا بين الادعاء بالمظلومية والسعي وراء المصلحة.
قد يكون هتلر هو من نفّذ المحرقة، لكن بعض بوادر التخلي وُجدت قبل ذلك، حين جرى إقصاء من رفضوا الفكر الصهيوني ورأوا أن إقامة دولة يهودية قبل مجيء المسيح خرق لإرادة الله، وأن الشتات عقوبة إلهية لا ينبغي تحدّيها بمشروع سياسي اسمه "إسرائيل". فتركوا لمصير مجهول.
صحيح أن النازية هي من ارتكبت الإبادة فعليًا، لكن الصهيونية استفادت من نتائجها سياسيًا، بل وربما تعاملت ببرود ولا مبالاة مع إنقاذ بعض الفئات من اليهود لأنها لم تخدم أهدافها.
هذا يطرح سؤالًا أخلاقيًا شديد التعقيد: هل يمكن لمشروع يدّعي الدفاع عن شعبه أن يختار من يستحق الحياة؟
مذبحة هتلر لم تكن الكارثة الأولى التي ألمّت باليهود، فقد سبقها من قبل عدد من المذابح، ارتبط معظمها بمشاكل اقتصادية. غالبًا ما كان اليهود يعملون في مجال الاقتصاد ويتعاطون الربا، في وقت كانت تحرم فيه الكنيسة الإقراض بالربا، وهو تحريم إلهي في كل الأديان السماوية الثلاث.
مع منتصف القرون الوسطى، وبالتحديد القرن السابع عشر، في زمن كان يُحرم على اليهود العمل إلا في وظائف بعينها، سمحت الممالك البولندية لهم بالاستقرار والعمل بحرية نسبية. فعملوا بالتجارة وجمع الضرائب وإقراض المال بالربا وإدارة أراضي النبلاء، وكل هذا صبغ عليهم نفوذًا اقتصاديًا لا يستهان به.
الفلاحون البولنديون والمسيحيون شعروا أن اليهود يسيطرون على التجارة والمال، بينما هم يعيشون في فقر مدقع. تلك الأجواء ولدت حقدًا اقتصاديًا واجتماعيًا، أججته الكنيسة أحيانًا بخطابات ضد "المرابين اليهود". فاندلعت ثورة بقيادة بوهدان خملنيتسكي 1648–1657، وقعت مذابح عنيفة في مناطق أوكرانيا وبولندا ضد اليهود، واتُهموا بالتعاون مع البولنديين ضد الفلاحين الأوكرانيين. وتعد هذه المذبحة من أكبر الكوارث في التاريخ اليهودي قبل الهولوكوست.
الغريب، رغم عشرات السنين، نجد أن قادة الفكر الصهيوني ما زالوا يستخدمون نفس القاعدة البرجماتية تلك التي شاهدها العالم مع حرب السابع من أكتوبر. عندما وقع بالأسر عدد لا بأس به من الجنود والمدنيين، رغم توسلات أهالي الأسرى والإضرابات والاعتصامات قرابة عامين، لم تشفع دموع الأمهات،والزوجات، والآباء، والأبناء. القيادة السياسية الصهيونية من تطبيق قاعدة هانيبال على الجنود والمدنيين معًا، غير مكترثة بأرواحهم.
أطلقت مئات القذائف والصواريخ، فدكت مواقعهم غير عابئة بحياتهم، في تناقض صارخ مع كل أدبيات الحروب، ثم أقامت الدنيا للمطالبة بجثثهم. كدأبهم، تعاملوا مع الواقع بطريقة براجماتية قاسية. استغلوا الحدث لدك المدينة فوق رؤوس أهلها في أبشع مجزرة بالقرن الحادي والعشرين، ثم انقلبوا لاستثمار الحدث واستدرار تعاطف العالم معهم، وتبرير الإبادة الجماعية التي قاموا بها.
أخيرًا، اكتشف القاصي والداني ادعاءات الجانب الصهيوني، فانقلب السحر على الساحر، فتغيرت الموازين، لتساند الشعوب الغاضبة القضية الفلسطينية، دفعت الشعوب حكامها رغم أنفهم بالاعتراف بالإبادة الجماعية وحجم المأساة.
انجلت الحقيقة أمام الشعوب الحليفة، وأدركت الأجيال الصاعدة الخديعة الكبرى التي طالما روجت لها الدعاية الصهيونية. استخدم الشباب كل وسائل التكنولوجيا لبلوغ الحقيقة التي دأبت الصهيونية على إخفائها.
سعي الشباب للبحث عن جذور هذا الصراع المزمن، تصدرت القضية الفلسطينيةالسوشيال ميديا بعد ما منعت القيادة السياسية الصحافة وقتلت المراسلين، فطفَت على السطح بعد 77 عامًا الحقيقة التي نسجت حولها الصهيونية شباك عنكبوتية لإخفائها.
وللحديث بقية....
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية