تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
سيناء.. من "التحرير" لـ"التعمير"
سيناء، أرض الفيروز، ليست مجرد منطقة جغرافية تشغل حيّزا على الكُرَة الأرضية، إنما هى أحد ثلاثة أماكن أقْسَم بها المولى عزَّ وجلَّ فى سورة التين، فقال تعالى: "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)"، والأكثر من هذا، فهي البقعة الوحيدة فى الكون التي ذكر الخالق سبحانه، تجلّيَه عليها، لسيدنا موسى- عليه السلام- كما أنها المتفرّدة بتشريفها بوجود، أو مرور، العديد من الأنبياء والرسل، بدءا بسيدنا يوسف، يعقوب، شعيب، موسى، هارون، الخضر، مريم العذراء وابنها المسيح عيسى، وسيدنا محمد فى رحلة الإسراء والمعراج.
وتحتوى سيناء على العديد من المنح والهبات الربانية، والكنوز الطبيعية، فضلا عن الراحة النفسية حيث تهوي إليها القلوب والأفئدة. ومن يزرها يدرك وينتابه هذا الشعور بالطمأنينة والسكينة النفسية.
وكان من حسن حظّى زيارتها أكثر من مرة، حتى وصلت إلى حدودنا مع رفح الفلسطينية، ومركز الحسنة في الوسط وشربت من عيون الجديرات، أما جنوبها فزرتها مرات عدة، ضمن أنشطة الاتحاد العربي للشباب والبيئة، ولكن فى عام 2014 تجمّعت لدى أكثر من "حظوة" حيث قدمت من زيارة "أهل الكهف" فى الشقيقة الأردن، تلبية لدعوة مركز الملك عبدالله للحوار"كايسيد"، ونزلت منها إلى شرم الشيخ و"ملتقى البحرين" حيث لقاء موسى بالخضر، عند منطقة "رأس محمد"، وفى ذات الرحلة صعدت شمالا حيث دير سانت كاترين، ثم طور سيناء وحمَّام موسى، ضمن وفد المسابقة الدولية لحفظ القرآن الكريم التي تقيمها وزارة الأوقاف سنويا، وشاهدت مسار مشروع "التجلِّى"، برفقة اللواء خالد فودة محافظ جنوب سيناء السابق، قبل أن يُطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسي ضمن مبادراته لإعادة إحياء مكانة مصر التاريخية، ومشاريعه القومية العملاقة لربط سيناء بالوادى عبْر الأنفاق والمشاريع التى ستقضى على عزلتها تماما.
وفى الذكرى الـ43 لتحرير سيناء إذ يؤكد الرئيس السيسي مجدّدًا العهد على مواصلة البناء وحماية تراب هذا الوطن الذي رُوي بدماء الأبطال، والحفاظ على مقدَّرات الشعب، معتمدا على الله تعالى، ومرتكزا على وحدة المواطنين، ووعيهم بحجم التحديات. مشيرا إلى أننا إذا كنا نحتفل بالذكرى الثالثة والأربعين لتحرير سيناء تلك البقعة الطاهرة من أرض مصر، التى طالما كانت هدفا للطامعين، وظلّت على مدار التاريخ، عنوانا للصمود والفداء، سيناء التى نقشت فى وجدان المصريين، حقيقة راسخة لا تقبل المساومة. بأنها جزء لا يتجزَّأ من أرض الكنانة محفوظة بإرادة شعبها وجسارة جيشها، وعزيمة أبنائها الذين سطّروا أروع البطولات، حفاظا على ترابها المقدّس.
لقد كان الدفاع عن سيناء، وحماية كل شِبر من أرض الوطن، عهدا لا رجعة فيه، ومبدأ ثابتا فى عقيدة المصريين جميعا، يترسّخ فى وجدان الأمّة جيلا بعد جيل، ضمن أسس أمننا القومى. التى لا تقبل المساومة أو التفريط.
وإننا إذ نستحضر اليوم هذه الذكرى الخالدة، فإننا نرفع الهامات، إجلالا للقوّات المسلّحة المصرية، التى قدّمت الشهداء، دفاعا عن الأرض والعرض، مسطِّرة فى صفحات التاريخ، ملحمة خالدة من البذل والتضحية، جنبا إلى جنب مع رجال الشُرطة المدنية، الذين خاضوا معركة شرسة، لاجتثاث الإرهاب من أرض سيناء الغالية.
كما نذكر بكل فخر، الدبلوماسية المصرية وفريق العمل الوطنى، فقد أثبتوا أن الحقوق تُنتزع بالإرادة والعلم والصبر، وخاضوا معركة قانونية رائدة، أكدوا بموجبها السيادة المصرية على طابا. عبْر تحكيم دولى. فكان ذلك نموذجا ساطعا. فى سجل الانتصارات الوطنية.
وكما يؤكّد الرئيس السيسي، أنه كما كان تحرير سيناء واجبا مقدَّسًا، فإن السعى الحثيث لتحقيق التنمية فى مصر، هو واجب مقدّس أيضا، وإننا اليوم، نشهد جهودا غير مسبوقة، تمتد عبْر كل ربوع مصر، لتحقيق نهضة شاملة، وبناء مصر الحديثة بالشكل الذى تستحقّه، تحت شعار "التنمية والإعمار"، والذى رفعته الدولة المصرية إيمانا منها بأنهما خط الدفاع الأول عن سيناء، لذا أوْلت القيادة السياسية اهتماما بالغا بعملية التنمية الشاملة فى سيناء وكانت نقطة انطلاق خطة التنمية عبر صدور القرار الجمهورى رقم 107 فى 25 فبراير 2018، وتمّ خلاله رصد موازنة تاريخية تُقدَّر بـ 600 مليار جنيه لتنفيذ 944 مشروعا تنمويا فى سيناء تم إنجاز القدر الأكبر منها على أرض الواقع وخاصة فيما يتعلّق بمشروعات البنيّة التحتية والمشروعات الاقتصادية والخدمية.
فلم يكن النصر العظيم في 73، سوى البداية في رحلة مفاوضات صعبة، تمكّنت بعدها مصر من بسْط سيادتها على كامل أراضيها في سيناء العزيزة يوم 25 أبريل عام 1985، ومنذ ذلك الوقت، لم تعد سيناء مجرد أرض عبور للجيوش أو مسرحًا للصراعات. بل أصبحت "أرض إقامة"، تُبنى فيها حياة مستقرّة ويُعاد تشكيل واقعها السكّاني والأمني، وهذا التحوّل لم يأتِ بشكل مفاجئ، بل بدأ بالتبلور منذ نصر أكتوبر 1973، إلا أن وتيرته تسارعت خلال السنوات الأخيرة في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، عبر إطلاق حزمة من المشروعات التنموية والقرى السكنية والبنية التحتية التي تعزّز التوطين والاستقرار.
فقد أدركت الدولة المصرية تمامًا أن حماية سيناء لا تتحقّق فقط عبْر السلاح، بل من خلال التمكين الاقتصادي والاجتماعي، وخلْق مجتمعات سكانية مستقرّة ترفض أي محاولات لاختراق النسيج الوطني أو زعزعة الأمن.
ويعتبر تحويل سيناء إلى منطقة مأهولة وسياحية وزراعية هو الرد العملي على الأطماع الإسرائيلية، التي وإن لم تعد تأخذ شكل الاحتلال العسكري، إلا أنها تظهر من حين لآخر في شكل تهديدات أمنية أو دعوات للتهجير.
وقد وضعت الدولة المصرية شبه جزيرة سيناء على خارطة التنمية الشاملة والاستثمار، ضمن خطة طموح وغير مسبوقة لتعمير سيناء وجعلها منطقة جاذبة للمستثمرين والسكان وربطها بالدلتا والمحافظات، كما وضعت الدولة تنمية محافظات القناة على رأس أولوياتها باعتبارها حلقة الوصل بين سيناء وباقي محافظات الجمهورية، ويتأتى ذلك عبْر تنفيذ مشروعات قومية وتنموية عملاقة تضمنت إنشاء مناطق ومجمعات صناعية وزراعية وتعدينية، ومجتمعات عمرانية حديثة، ومد الطرق والجسور والأنفاق، بالإضافة إلى الاهتمام ببناء الإنسان وتوفير كل سبل العيش الكريم له على الأصعدة كافة، وذلك فى وقت تستمر فيه المعركة ضد الإرهاب وجهود تأمين كل خطوات التنمية لبوابة مصر الشرقية، باعتبار أن الأمن والتنمية وجهان لعملة واحدة.
وقد مرّت سيناء بظروف صعبة في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013؛ حيث كان هناك مسرح للعمليات الإرهابية على أرضها، ومن هنا كانت رسالة وتوجيه الرئيس عبدالفتاح السيسي في غمار هذه الظروف وتحديدا في عام 2014، بإطلاق المشروع القومي المتكامل لحماية وتنمية سيناء على كافة المستويات؛ أمنيًا وعسكريًا من خلال قيام رجال القوات المسلحة والشرطة بتطهير أرض الفيروز من الإرهاب، إلى جانب تنفيذ شبكة بنية تحتية كبرى لم تشهدها سيناء في تاريخها بالكامل، جنبًا إلى جنب تنفيذ مشروعات عديدة تسهم في عمليات التنمية.
حيث تتعامل مصر مع التنمية في سيناء باعتبارها قضية أمن قومي لا مجال للتهاون بشأنها.
وقد وضع الرئيس السيسي تنمية سيناء على رأس أولوياته نظراً لأهميتها الاستراتيجية حيث كلّف الرئيس السيسي بضرورة سرعة تعمير سيناء، فعندما وجّه بتنفيذ المشروع القومي العملاق لتنمية سيناء، كانت بدايته هو دستور التنمية العمرانية في مصر، ألا وهو المخطّط القومي للتنمية العمرانية لمصر حتى 2052، وجرت مراجعة المقرّر لتنمية سيناء وإقليم قناة السويس.
وكان من ثمار تنفيذ استراتيجيات الأمن والتنمية خلال 10 سنوات، أن نجحت الدولة المصرية في خلق واقع متميز وملموس على أرض سيناء بعد أن عكفت على إدماجها في قلب عملية التنمية الشاملة على الأصعدة كافة، بالتزامن مع تثبيت دعائم الأمن والاستقرار بها، حيث تعتبر شبه جزيرة سيناء محوراً أساسياً ضمن استراتيجيات التنمية المستدامة للجمهورية الجديدة، لما لها من أهمية جغرافية ومكانة تاريخية، بالإضافة إلى كونها أحد أهم أركان الاقتصاد المصري بما تمتلكه من موارد ومقومات طبيعية وبشرية، لتشهد أرض الفيروز قفزات ملموسة في تحسين البنية التحتية وتوفير فرص العمل وبناء الإنسان والارتقاء بالخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية، علاوة على تعزيز الاستثمارات في القطاعات الحيوية وربط بوابة مصر الشرقية مع محافظات الجمهورية، وذلك من خلال تضافر الجهود الحكومية مع القطاع الخاص والمجتمع المدني، وهو ما لاقى إشادة واسعة من جانب المؤسسات الدولية لجهود مصر في هذا الملف.
ويأتي مشروع التجلي الأعظم، على قمة المشاريع التي ستنقل سيناء إلى مرتبة عليا، محليا ودوليا، لما له من تأثيرات إيجابية كبيرة جدا ومتنوعة على حركة السياحة والتنمية والتعمير، وكلها تعزز أركان الأمن القومي والاستقرار في شبه جزيرة سيناء بالكامل، لتكون قولاً وفعلاً حائط الصد الأول في حماية الوطن من أي أخطار عدائية، خاصة في ظل الظروف الراهنة والتحديات المعاصرة التي يمر بها العالم أجمع.
ويظل الوعي والاصطفاف الوطني هو واجب الوقت الذي نستمسك به، بعد الاعتصام بحبل الله المتين، لـ"تحيا مصر" بنا، مصريون على قلب رجل واحد، وفى رباط إلى يوم القيامة، كما وصفنا سيدنا رسول الله؛ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية