تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
محمد مصطفى البرادعى
عام 2022 لم يرحل دون أن يضيف الينا أحزانا جديدة بفقد صديق أو زميل أو قريب، وقد أضاف الى أحزاننا منذ أيام رحيل الأستاذ محمد مصطفى البرادعى أحد كبار الأهراميين وأساتذة قسم الأخبار وقد كان آخر الصحفيين من الكبار من الذين التحقوا بالأهرام فى عام 1955 قبل قدوم الأستاذ محمد حسنين هيكل عام 1957. وباستثناء الأستاذ البرادعى – الذى كان يصر على أن يوقع أخباره وتحقيقاته باسمه الثلاثى – فقد التحق زملاؤه الكبار الآخرون بالأهرام قبيل ثورة 1952 وهم الأستاذة: حامد عبدالعزيز – مندوب الأهرام فى وزارة الصحة – وسعيد فريد – مندوب الأهرام فى وزارة الصناعة، وعبدالعليم المهدى مندوب الأهرام فى وزارة الشئون الاجتماعية ومؤرخ الحركة العمالية فى مصر، ومحمود الكولى مندوبنا فى الأزهر ووزارة الأوقاف والذى لدى حتى الآن كتبه التى كان يصدرها للشباب مجانا لتعريفهم بصحيح الدين، وعبدالحميد الاسلامبولى مندوبنا فى وزارة الزراعة وأحد قادة حزب مصر الفتاة والذى كان معتقلا مع الرئيس الراحل أنور السادات فى زنزانة واحدة عام 1948 فى سجن الأجانب، وقد كان معلمى فى مادة العلوم بمدرسة القربية الابتدائية قبل أن يترك وزارة التربية للعمل صحفيا بالأهرام، ومحمد مصطفى البرادعى مندوبنا فى وزارة التربية والتعليم منذ بدأ عمله فى الأهرام عام 1955 والصحفى الوحيد الذى كرمه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بوسام رفيع فى عيد العلم، ورجب محمود مندوب الأهرام فى وزارة الأشغال والصحفى الذى ترك بيته وأسرته على مدى خمس سنوات الى أسوان ليتابع عمليات بناء السد العالى يوما بيوم وصدر له أول كتاب عن السد العالى حكى فيه عن معجزة المصريين فى بناء السد العظيم الذى تحدى به عبدالناصر أمريكا والغرب. كانت قضية التربية عند البرادعى تسبق التعليم وكان يتابع معظم المؤتمرات والندوات العلمية التى تقام فى مصر وفى أنحاء العالم حول التربية والتعليم . والمؤكد أن زوجته – شقيقة زميلنا الراحل مكرم محمد أحمد - التى كانت تعمل مدرسة ثم ناظرة إحدى مدارس البنات الثانوية بمحافظة الجيزة كانت تشاركه اهتماماته. كان إنسانا الى أقصى حد يتألم لألم الآخرين، ولا يتأخر عن مساعدة الصحفيين الجدد فى إلحاق إخوتهم وأقاربهم بالمدارس. فى يوم شتاء قارس من شهر يناير وفى مبنى الأهرام فى باب اللوق فى آخر الستينيات، كنت أجلس مع زميلنا الراحل إحسان بكر فى حجرة قسم الأخبار، ودخل علينا الأستاذ البرادعى وقد اختفت الابتسامة التى نعتادها منه، وسألناه عن سبب الحزن الذى يغطى وجهه، وفى منتهى التأثر قال لنا إنه زار مع وزير التربية والتعليم مصطفى كمال حلمى مدرسة المتفوقين الاعدادية فى العياط التى لايلتحق بها سوى من يحصلون على الشهادة الاعدادية بدرجات تفوق نسبتها التسعين بالمائة ورافق الوزير محافظ الجيزة، وقام ناظر المدرسة بتنظيم احتفال شارك فيه كل تلاميذ المدرسة الذين اصطفوا فى البهو الرئيسى الذى يشهد صباح كل يوم تحية العلم. فوجئ البرادعى وأعضاء الوفد بالوزير يبكى وتنهمر منه الدموع عندما لاحظ أن غالبية التلاميذ المتفوقين حفاة والآخرين ينتعلون شباشب ممزقة فى يوم قارس البرد والأمطار الغزيرة والرياح تضيف برودة أخرى الى الجو مما جعل الغالبية من الصغار يرتعدون! لم يتحمل الوزير رؤية التلاميذ بلا حذاء وملبس مناسب لهذه البرودة الشديدة، فسأل الناظر عن أسرهم، وعلم منه أن أغلبهم من أبناء الفلاحين والعمال الفقراء فى القرى القريبة من المدرسة، وطلب الوزير من الناظر شراء أحذية لهم بسرعة، لكن الناظر اعتذر لعدم وجود أى فائض فى خزينة المدرسة، فتوجه الوزير الى المحافظ الذى استجاب لطلب الوزير ووعده بأن كل الأحذية ستكون بالمدرسة خلال أسبوع ومع كل حذاء جوربان لكل تلميذ. الأستاذ البرادعى قام بتغطية وزارة التربية والتعليم لأكثر من ثلاثين عاما التقى خلالها ثمانية وزراء ابتداء من السيد يوسف – أول وزير معارف بعد ثورة يوليو وصهر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر - وحتى الدكتور حسين كامل بهاء الدين رحمهم الله جميعا. بعد تقاعد الأستاذ ممدوح طه فى منتصق الثمانينيات عين الأستاذ البرادعى رئيسا لقسم الأخبار، واستمر بعد تقاعده وحتى خمس سنوات مضت يكتب مقالات فى صفحتى الفكر الدينى والتراث بالأهرام. هؤلاء الصحفيون الكبار أعطوا الكثير للأهرام ولم يأخذوا سوى القليل ماديا ومعنويا. كان الأهرام الصحيفة اليومية رقم واحد قبل ثورة يوليو بجهودهم وبعطائهم وبإخلاصهم لمهنتهم، لكن الأضواء كلها كانت موجهة على الأستاذ محمد حسنين هيكل. ورحم الله الجميع .
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية