تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > مصطفى سامى > عطا الله .. وسقطت ورقة أخرى من شجرة الأهرام

عطا الله .. وسقطت ورقة أخرى من شجرة الأهرام

توقعنا أن يكون 2023 أفضل من العامين السابقين، حيث فقد الأهرام فيهما صحفيين كبارا – رحمهم الله – تركوا بمواهبهم وجهدهم بصمات لاتمحى على صحيفتهم وعلى العمل الصحفى. لكن العام الجديد لم يتركنا فى سلام .

كانت صدمة رحيل مرسى عطاالله بالغة القسوة على جيل اقترب من الزميل الراحل – جيل الستينيات والسبعينيات– وعاش معنا صديقا وأخا عزيزا. كان الأهرام بيتنا وكانت أسرة الأهرام يضرب بها أستاذنا محمد حسنين هيكل المثل فى التفوق الصحفى والانتماء الى الصحيفة التى ضمتنا كلنا فى أحضانها رغم خلافاتنا السياسية وانتماءاتنا الطبقية ومنافساتنا المهنية. كنا أسرة واحدة تعلمنا فى الصحيفة العظيمة كل فنون العمل وكل أسراره ودروبه.

 

فى مايو 1965 دخل علينا الأستاذ نجيب المستكاوى رئيس القسم الرياضى يرافقه شاب فى منتصف العشرينيات قدمه لنا كزميل جديد بالقسم الرياضى اسمه مرسى عطاالله تخرج منذ عام تقريبا فى كلية الزراعة. خلال أسابيع صادق مرسى عطاالله الجميع بحرصه الشديد على التعلم وأن يصادق الجميع بحب وبانتماء إلى أسرتنا.

اكتشفنا بعد فترة قليلة أنه عاشق لكرة القدم وأنه زملكاوى حتى النخاع. كنا نتابع معظم مباريات الكرة فى القاهرة والأقاليم مع الأستاذ المستكاوى– مؤسس الصحافة الرياضية بالأهرام – ونرافقه فى مباريات الأقاليم بينما نتابع مباريات أندية القاهرة فى التليفزيون، وفى الأهرام القديم كنا نتابع مباريات الأهلى والزمالك وننقسم الى مشجعين للأهلى ومشجعين للزمالك. الغالبية كانوا من مشجعى الأهلى بقيادة المرحوم على حمدى الجمال. مشجعو الزمالك كانوا قلة وكانوا فى غاية التعصب لناديهم وكان من بينهم صلاح منتصر ومرسى عطاالله رحمهما الله. المباراة تنتهى وتبدأ مناوشاتنا وكيدنا لمرسى. لكن أشهد أن خلافاتنا لم تتجاوز الضحك، نواصل عملنا، كل حسب تخصصه،

ونجد مرسى يأتى الينا مكفهر الوجه وقد تضاعف حزنه على ناديه عندما أعطى الأستاذ المستكاوى اللاعبين درجات على لعبهم وقد أعطى عبده نصحى 3 ورأفت 5 وحمادة إمام صفرا!. كان حب وتحيز مرسى عطاالله للزمالك واضحا فى ردود أفعاله على فوز أو هزيمة الزمالك – الذى رأسه الفريق محمد حيدر باشا وزير الدفاع ثلاثين عاما حتى قيام ثورة 1952 وكان من بين رؤساء النادى بعد الثورة اللواء حسن عامر شقيق المشير عبد الحكيم عامر، الذى لم يكن يقبل أى تهكم على النادى. وأذكر أنه عندما خسر الزمالك إحدى مبارياته أمام الأهلى ولعب مباراة سيئة، كان نصيب نصف اللاعبين أصفارا بمن فيهم حنفى بسطان لؤلؤة الزمالك.

الأيام مرت بسرعة، لكن انتماء مرسى عطاالله وحبه للزمالك لم يتغير، وعندما تصاعدت الخلافات بين أعضاء مجلس إدارة النادى فى بداية الألفية أصدر الدكتور ممدوح البلتاجى وزير الشباب قرارا بتعيين مرسى عطاالله رئيسا للنادى لمدة عام حتى موعد إجراء انتخابات جديدة.

صعد نجم مرسى وأثار إعجاب الأستاذ هيكل بانفراداته الصحفية عندما طلب للخدمة العسكرية وعينه الأستاذ مراسلا حربيا فى حرب 1967 خلال أدائه الخدمة العسكرية، وعمل ضمن أفضل مراسلين عسكريين فى الصحافة المصرية بقيادة عبده مباشر الذى منحه الفريق محمد صادق وزير الحربية رتبة مقدم احتياط بعد أن تابع تغطيته للحرب وقد صدر لعبده مباشر 12 كتابا عن الحروب المصرية والعالمية. وكان ضمن هذا الفريق مرسى عطاالله ومحمد عبدالمنعم ومحمد باشا، وكان يعمل فى جبهة أخبار اليوم جمال الغيطانى وصلاح قبضايا.

انتقل مرسى عطالله الى مرحلة جديدة بعد أن أصدر مجلة الزمالك لتغطية أنشطة النادى ومبارياته فى أوائل السبعينيات واستمر إصدار الصحيفة الناجحة التى كان توزيعها يقترب من الستين ألف نسخة تصدر حتى تركها مرسى بعد تعيينه رئيسا لتحرير الأهرام المسائى فى أول التسعينيات مع بدء حرب الخليج الأولى.

لا أذكر أن زميلنا الراحل كتب فى مجلة "الأهرام الرياضى" التى ولدت أهلاوية حسب ما قال لى! وكان معظم رؤساء تحريرها أهلاويين، وأعتقد أن النادى الأهلى كان يسهم بالإعلانات من أجل تمويلها. لكن نجم مرسى صعد كالصاروخ فى صحيفة الأهرام المسائى التى أظهرت جوانب جديدة فى مواهبه وإدارته وإنسانيته ودماثة خلقه.

قام زميلنا الراحل بالاعتماد على عدد من الصحفيين الجدد من الشباب خريجى كليات الإعلام، احتضنهم ولم يبخل عليهم بخبراته ولا علمه وأظهر فى تعامله معهم قدرا كبيرا من المحبة، عاملهم كأبنائه وتلاميذه وقدم لهم كل الفرص للنهوض بعملهم. الأهرام المسائى خرج منه صحفيون على أعلى مستوى من المهنية من بينهم رئيس تحريره الحالي ماجد منير وعشرات غيرهم. بعد مايقرب من عشرين عاما فى الأهرام المسائى ترك مرسى عطاالله صحيفته ليعود إلى بيته الأول رئيسا لمجلس إدارة الأهرام وواصل عموده اليومى الذى أثار فيه قضايا سياسية تشغل اهتمامات آلاف القراء. خلال فترة رئاسته للأهرام يذكر له عشرات الصحفيين مواقفه الإنسانية ونضاله لتعيينهم بعد أكثر من عشر سنوات وهم يعملون تحت التدريب.

بعد عودتى من كندا عام 2002 بعد غياب امتد لسنوات كان المسرح السياسى والصحفى قد تغير، واختلفت سياسيا مع مرسى بشدة، لكننى أشهد أن خلافاتنا لم تمس علاقة الصداقة والأخوة التى عشناها لأكثر من خمسين عاما.

رحم الله زميلنا مرسى عطالله بقدر عطائه وإخلاصه للأهرام .

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية