تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > مصطفى السعيد > هل يتراجع الدولار فجأة أم بالتدريج؟

هل يتراجع الدولار فجأة أم بالتدريج؟

تراجع نصيب الدولار من التجارة الدولية من 80% إلى 59% فى السنوات الخمس الأخيرة، ومن المتوقع حدوث تراجع أسرع بعد أن أعلنت دول الآسيان (عشر دول) اعتماد عملاتها المحلية فى تجارتها البينية بدلا من الدولار، والاتفاقية بين الصين والبرازيل على إجراء تعاملاتهما باليوان الصينى والريال البرازيلي، وعقد السعودية والإمارات لصفقات تصدير بترول وغاز بالروبية الهندية واليوان الصينى والريال السعودى والدرهم الإماراتي، بالإضافة إلى اتفاقيات أخرى بين روسيا وإيران مع دول عدة على الدفع بالعملات المحلية، وكذلك ستجرى التعاملات بين دول البريكس وتجمع شنغهاي، وهذا الانضمام المتزايد لكثير من الدول لإجراء معاملات تجارتها الخارجية بالعملات المحلية يعكس رغبة جامحة لدى عدد كبير من الدول للخروج من هيمنة الدولار، حتى إن الرئيس الفرنسى ماكرون أعلن ضرورة أن تخرج دول الاتحاد الأوروبى من الهيمنة الأمريكية وعملتها، وأيدته دول غرب أوروبا فى ذلك.

 

فلم يعد تعدد الأقطاب ومعها تعدد العملات فى التعاملات الدولية مجرد أمنية، بل تحولت إلى قرارات وإجراءات، ومنظومات مالية جديدة، وإن بدأت بطيئة، إلا أنها آخذة فى الصعود والتوسع، ويرجع ذلك بالأساس إلى إساءة واشنطن استخدام الدولار، وخروجه عن دوره كأداة تبادل ليصبح سلعة، تعود على الولايات المتحدة بمكاسب كبيرة دون إنتاج، فهى تطبع الدولارات بلا رقابة وبلا حدود، مستغلة أن الدولار يتمتع بوضع احتكارى فى التجارة الدولية، وعن طريقه يمكن أن تعاقب أى شركة وأى دولة لا تنساق للسياسات الأمريكية، فتوقف تعاملها بالدولار، وبالتالى تعرقل تجارتها الخارجية، وأحد النماذج على ذلك وقف الولايات المتحدة لمشروع السيل الشمالى 2 بين روسيا وألمانيا، بمجرد تهديد الإدارة الأمريكية للشركات الألمانية المشاركة فى تشييد المشروع بفرض عقوبات عليها، فتوقف العمل لسنوات، حتى تولت شركات روسية استكمال المشروع، وأدركت الكثير من الدول والشركات أن الوضع الذى انتزعته الولايات المتحدة لعملتها المحلية، وفرضتها كأداة تعامل فى التجارة الدولية فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما كان الإنتاج الصناعى الأمريكى 50% من الناتج العالمي، وعندما كانت كل أوروبا مدينة بأموال طائلة للولايات المتحدة مقابل شراء السلاح وإعادة الإعمار، لكن الوضع تغير الآن، ولم يعد الإنتاج الصناعى الأمريكى يتجاوز 10% من الناتج العالمي، وأصبحت ديون الولايات المتحدة تتجاوز 31 تريليون دولار، مع عجز سنوى فى الميزان التجارى يبلغ نحو 800 مليار دولار، وظهرت دول مثل الصين التى تجاوزت الولايات المتحدة، ومعها دول أخرى تحقق معدلات إنتاج ونمو متزايدة مثل الهند والبرازيل وغيرهما، وهذه المتغيرات فى موازين القوى الاقتصادية ينبغى أن تتجسد فى نصيب عملاتها، وعدم احتكار دولة تراجعت كثيرا فى أسواق المال والتجارة العالمية، ويبدو أن الولايات المتحدة يائسة من قدرتها على رتق الثغرات الكبيرة فى بنيتها الاقتصادية، وما تحاول فعله أن تربك الدول الصاعدة وتحدث تغرات وتمزقات تبطئ صعودها. والمؤكد أن الدولار سيواصل التراجع بوتيرة أسرع فى السنوات المقبلة، لكن ستقاوم الولايات المتحدة بكل قوتها لمنع إزاحة الدولار الذى يشكل عمود خيمتها الاقتصادية، وأصبح السؤال هل سيتراجع الدولار خطوة خطوة، أم بهبوط رأسى يؤدى إلى تسونامى اقتصادي، يلحق أضرارا متفاوتة بمعظم دول العالم، وهناك رأى بأن الصين ستحرص على الإزاحة الهادئة والمتدرجة للدولار، حتى لا تخسر ديونها والسوق الأمريكية، وهذا منطقى ومرجح، لكن عندما تفرض الولايات المتحدة خيارات صعبة على الصين، فيمكن أن تضحى الصين بقيمة الجزء الأكبر من ديونها وربما سوقها، طالما لن تستطيع تجنب المواجهة مع واشنطن، ولوحظ أن الصين تتخلص تدريجيا من السندات الأمريكية، وهذا ما دفع الرئيس الأمريكى السابق ترامب للقول : «عملتنا تنهار، وقريبا لن يكون الدولار العملة العالمية، وسنفقد مكانتنا كقوة عظمى، فالتضخم خرج عن السيطرة، وأمريكا فى حالة فوضى، ونتجه إلى هزيمة غير مسبوقة». وما يرجح احتمال الانهيار الرأسى للدولار أن من يحمل الدولار يسعى للتخلص منه بسرعة، وأعداد هؤلاء ضخمة، وما بحوزتهم يفوق ما فى البنوك المركزية، وإذا أقدم عدد كبير منهم على التخلى عن الدولار ستكون الضربة القاضية.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية