تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > مصطفى السعيد > قمة هيروشيما.. تحديات ومخاطر وذكرى مؤلمة

قمة هيروشيما.. تحديات ومخاطر وذكرى مؤلمة

انعقاد قمة الدول الكبرى السبع فى هيروشيما اليابانية لم يكن اختيارا موفقا للمكان، فالمدينة شهدت أكبر ويلات الحرب العالمية الثانية، عندما دمرتها أول قنبلة نووية، ولهذا خرجت المظاهرات الرافضة لعقد اجتماع يبحث تفعيل المواجهة مع روسيا والصين، وتوسيع الحشد الدولى المناوئ للبلدين، ولم تكن الاحتجاجات مصدر الإزعاج الوحيد لقادة الدول السبع الكبرى، بل كان عدم وجود رؤية موحدة، وتباين الآراء، خصوصا المتعلقة بفرض قيود على التعامل مع الصين، التى تتمتع بقدرات اقتصادية ومالية وتكنولوجية هائلة، والخوف من أن تؤدى المواجهة معها إلى المزيد من الاضطرابات الاقتصادية، وخلق أزمات أكثر حدة، خصوصا فيما يتعلق بسلاسل التوريد والتجارة العالمية، فالكثير من الصناعات الغربية تعتمد على مكونات صينية بدرجة أكبر من اعتماد الصين على مكونات من الدول السبع، وتقود الولايات المتحدة حملة لمنع تصدير أى نوع من التقنية المتطورة إلى الصين، إلى جانب التضييق على شركاتها، وتقليص الواردات من الصين، لكن تنفيذ هذه الإجراءات ستكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي، وتتخوف دول الاتحاد الأوروبى من تعرضها للمزيد من الأزمات، وقد ذاقت مرارة فرض عقوبات على روسيا، ألحقت بها خسائر جسيمة، والأمر سيكون أفدح فى المواجهة مع الصين، لهذا كانت نصائح البلدان الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا بالتمهل فى اتخاذ أى إجراءات تصعيدية، لأن أى حرب اقتصادية مع الصين ستكون تكلفتها باهظة، لكن الولايات المتحدة ومعها بريطانيا وكندا وأستراليا كانت الأكثر تشددا تجاه كل من روسيا والصين. المشكلة الثالثة أن الدول السبع دعت ثمانى دول أخرى إلى قمة هيروشيما، وهى الهند والبرازيل وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وأستراليا وفيتنام، وكذلك جزر الكوك ممثلة لجزر المحيط الهادي، وجزر القمر ممثلة للاتحاد الإفريقي، وهناك تفاوت كبير بين مواقف معظم الدول المدعوة مع الرؤية الأمريكية البريطانية بالخصوص، فالهند ترتبط بعلاقات وثيقة مع روسيا، ولا تبدى أى حماس لتشديد العقوبات على روسيا، وكذلك البرازيل العضو فى البريكس، والساعية إلى علاقات أقوى مع الصين وروسيا بعد تولى دا سيلفا اليسارى مقاليد الحكم فى البرازيل، وإن كان لا يريد مواجهة مع الولايات المتحدة وأوروبا أيضا، وكذلك لا تريد إندونيسيا أن تضع نفسها فى مواجهة مع الصين الجارة، وألا تدفع ثمن معركة لن تجنى من ورائها إلا الخسارة، وحتى فيتنام التى لديها نزاع حدودى مع الصين لا تريد المواجهة، ولهذا جاءت قمة هيروشيما لتفجر الخلافات، وتكشف عن تباعد الرؤى والمصالح، بينما ترى الولايات المتحدة وحلفاؤها أن المواجهة مع الصين وروسيا لن يمكن ربحها إلا بحشد دولى واسع، وكسب دول الجنوب فى آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، وهو أمر ليس يسيرا لأن الصين رسخت وجودا قويا فى الجنوب، وأصبحت الشريك التجارى الأول فى كل تلك القارات، بينما انحسر النفوذ الأمريكى فى مناطق عدة، لكن لا مفر من المواجهة مع بكين من وجهة النظر الأمريكية لسببين، الأول أنه لا يمكن هزيمة روسيا إلا بالضغط على الصين لتتمكن مع حلفائها الأوروبيين من فرض حصار مؤثر على روسيا، والثانى أن الصين هى الخطر الأكبر على النفوذ الأمريكي، لما تتمتع به من قوة اقتصادية متنامية يصعب إيقافها بالمنافسة التقليدية، وتأجيل المواجهة ليست فى صالح واشنطن التى تتراجع قوتها، ولهذا عليها ألا تنتظر حدوث المزيد من التآكل فى قوتها، خصوصا فى المجال العسكرى الذى بدأت الصين فى تعزيزه، ولن يمر وقت طويل حتى تصبح القوة العسكرية الأولى. وجاء تباعد الرؤية الأمريكية عن باقى الحلفاء فى أوروبا وشرق آسيا والدول الثمانى المدعوة ليكشف عن صعوبة تشكيل جبهة عالمية موحدة تصطدم بكل من روسيا والصين، لكن بدون هذه الجبهة الواسعة لن يمكنها تحقيق كسب مؤثر فى معركتيها مع روسيا والصين، ولهذا ستستمر المنافسة على كسب الجنوب، ولن تقتصر المواجهة على ضفة المحيط الهادئ الذى أصبح أقل هدوءا، بل المرشح لمجابهة عسكرية ستكون أعنف بما لا يقاس مع الحرب الأوكرانية إذا أشتعل فتيلها، ولعل هذا التباين فى المواقف والرؤى فى قمة هيروشيما تهدئ من الاندفاع نحو مجابهة ستزيد من آلام العالم، وربما تذكرهم مأساة مدينة هيروشيما بعواقب الحرب، خاصة أن الصدام سيكون بين دول تمتلك آلاف الرءوس النووية أكثر فتكا بآلاف المرات من القنبلة التى دمرت هيروشيما.

 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية