تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > مصطفى السعيد > إفريقيا على أعتاب تغيرات واسعة

إفريقيا على أعتاب تغيرات واسعة

بينما كانت فرنسا تستعد للتدخل العسكرى فى النيجر، وترفض سحب سفيرها، لعدم اعترافها بسلطات الانقلاب العسكري، جاءت الضربة الجديدة الاطاحة بأهم حلفائها فى القارة السمراء، وهو على بونجو رئيس الجابون، الدولة العامرة بالثروات، من غاز ونفط ومعادن وغابات واسعة، وعدد سكانها لا يزيد على ثلاثة ملايين نسمة، وتستحق أن يكون شعبها أغنى الشعوب الإفريقية، لكن أكثر من ثلثهم يقبع تحت خط الفقر، مع تفشى البطالة. ورغم فقدان فرنسا هذا المعقل المهم، حيث تعمل بها 80 شركة فرنسية، وأهم وجهة للصادرات الفرنسية، وقال عنها الرئيس السابق عمر بونجو إن الجابون دون فرنسا مثل سيارة بلا سائق، وأن فرنسا بلا الجابون مثل سيارة بلا وقود. لكن الموقف من الانقلاب العسكرى فى الجابون لم يكن بنفس حدة الموقف من انقلاب النيجر، ربما لأن تجربة التهديدات ضد النيجر لم تحقق أى أهداف، ولهذا تغيرت طريقة التعامل من التهديد إلى محاولة الاحتواء، وعدم إظهار عداء شديد ضد القادة الجدد حتى لا يفقد الغرب كل الأوراق.

 

التساؤل الأكثر إلحاحا يدور حول تأثير انقلاب الجابون على أزمة النيجر، ويبدو أن فرص التدخل العسكرى بالنيجر تراجعت كثيرا، والمخاوف تزداد من أن أى عمل عسكرى سيزيد الأوضاع تعقيدا، ولا تملك فرنسا القدرة على دخول حرب واسعة وطويلة وفى بيئة أصبحت معادية لها فى غرب ووسط إفريقيا، ومن الواضح أن إفريقيا تفتح صفحة جديدة فى تاريخها، وتطمح إلى طى سياسات الهيمنة الاستعمارية غير المباشرة التى خضعت لها منذ الاستقلال، غير أن جوهرها ظل كما هو، حيث نهبت الشركات الغربية، خاصة الفرنسية خيراتها، وتحقق أرباحا ضخمة، بينما تعيش شعوبها فى فقر شديد، ولهذا من المرجح ألا تطالب فرنسا بعودة رئيس الجابون المخلوع، بعكس ما فعلت فى النيجر، وأن تسعى لاسترضاء السلطات الجديدة، لحماية شركاتها ومصالحها والإبقاء على القاعدة العسكرية فيها، وامتنعت السلطات الجديدة عن التصريح بنياتها واتجاهاتها، ولم تعلن إلا أنها تنوى القضاء على فساد عائلة بونجو، التى سيطرت على الحكم لأكثر من نصف قرن برعاية فرنسية.

ما حدث فى غينيا كوناكرى ومالى وبوركينا فاسو والنيجر والجابون يثير المخاوف الغربية، وعدد من القادة الأفارقة من أن تتواصل الانقلابات فى تلك المناطق الهشة، المليئة بالنزاعات، بما قد يقلب موازين القوى والنفوذ فى قلب القارة السمراء، وأن يتوسع النفوذ الصينى والروسى فى تلك المناطق الحيوية،لأن البيئة مهيأة لتغييرات واسعة، وأن الأفارقة يفضلون التعامل مع الصين التى لا تتدخل فى شئونهم الداخلية، وتقيم المشروعات الكبيرة، وتدفع باستثمارات تفوق ما يقدمه الغرب، وبشروط أفضل، وتلقى روسيا أيضا قبولا، يدعمها تاريخ دعمها لحركات التحرر الوطني، وتعلن احترامها لسيادة الدول وثقافتها، ولا تتدخل فيها، لهذا كانت المظاهرات المؤيدة للانقلابات تحمل أعلام روسيا نكاية فى فرنسا والغرب. أما عن مطالبة الغرب بعودة الحكم المدني، فلا يلقى اهتماما من شعوب لم تنصفها الحكومات المدعومة من الغرب. المؤكد أن فرنسا ستخسر كثيرا، خاصة أنها تعانى أزمات اقتصادية مستفحلة، وموجات من التضخم، وغضبا شعبيا متزايدا، بما لن يمكنها من خوض مغامرات عسكرية فى قارة إفريقيا، ولم يعد أمامها سوى تقديم تنازلات، والقبول بالأمر الواقع، وتغيير نهجها المتعالي، وأن تقبل بوجود شركاء جدد وخريطة جديدة لموازين القوى، ستحظى فيها الصين بمكانة متقدمة، بوصفها أكبر شريك تجارى وأكبر مستثمر فى القارة، وكذلك روسيا، كما على باريس أن تقبل بأن تأخذ الولايات المتحدة حصة من النفوذ الفرنسي، وتنشط الدبلوماسية الأمريكية فى وسط وغرب القارة خشية تمدد نفوذ الصين وروسيا، وترى أنه مادامت فرنسا لا تحظى بالقبول، فمن الأفضل أن تحل محلها بدلا من الصين وروسيا، غير عابئة بالغضب الفرنسى الذى لن يغير شيئا من متغيرات الواقع الجديد. إن إفريقيا على أعتاب مرحلة جديدة، يقودها جيل شاب يرفض واقع الفقر ونهب الثروات، ويريد أن يكون شريكا فى القرار وليس الشركات الأجنبية، وأن على الاستثمارات أن تكون مفيدة أولا لتلك الشعوب، وأن تحصل على عائد عادل عن تصدير ثرواتها، وهذا الوعى الجديد رافقه ظهور تكتلات اقتصادية وسياسية جديدة، على رأسها مجموعة »بريكس«، التى أصبحت تضم ثلاث دول إفريقية هى جنوب إفريقيا ومصر وإثيوبيا، وتنظر الجزائر الحصول على العضوية، خاصة أنها من الدول المؤثرة فى الساحل والصحراء، ولهذا فإن إفريقيا على أعتاب تغيرات أوسع.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية