تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

لا تفهمونا غلط

مصر تعانق العالم بافتتاح المتحف الكبير.. والتسويق له يعيدنا إلى خريطة السياحة العالمية

سعدتُ كثيرًا باختيار يوم 3 يوليو 2025 موعدًا للافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير؛ لأنه يحمل دلالاتٍ رمزيةً وسياسيةً عميقةً، تعكسُ أهميةَ الحدث على المستويين الوطني والعالمي. 

وقد علمتُ أن تحديد هذا التاريخ لافتتاح هذا الصرح الثقافي العظيم جاء بناءً على توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث يتزامن مع ذكرى بيان 3 يوليو 2013، وهو اليوم الذي أعلن فيه السيسي — بصفته وزيرَ الدفاع آنذاك — استجابةَ الجيش لإرادة الشعب المصري في إنهاء حكم الرئيس السابق محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين. ويُعتبر هذا اليومُ رمزًا لإرادة الشعب المصري ووحدته الوطنية، مما يجعله خيارًا مناسبًا لتدشين صرحٍ ثقافيٍ وحضاريٍ بحجم المتحف المصري الكبير، الذي يهدف إلى إبراز عراقة مصر وتاريخها العظيم أمام العالم ،

وهذا الاختيار يعكس رغبة الدولة في ربط الحدث بمناسبة وطنية ذات أهمية كبيرة، وانه جزء من مشروع قومي يعكس الاستقرار والتقدم والامن والامان  الذي تشهده مصر، خاصة مع حضور عدد كبير من رؤساء وملوك العالم، فهو حدث عالمي ،

ونكون قد انتهينا من الاستعدادات اللوجستية، مثل تطوير الطرق المحيطة بالمتحف والربط بين المتحف والاهرامات وكذلك يكون تم الانتهاء من مرحلة مترو الانفاق ،بالاضافة الي  تحديث الهوية البصرية، وتكتمل منظومة سهولة الوصول للمتحف ومطار سفنكس الدولي ايضا مستعد لاستقبال الضيوف. كل ما اراه علي ارض الواقع يشير الي اننا امام حدث تاريخي ويعزز صورة مصر كمركز ثقافي وسياحي عالمي. 

وكما قلت واكرر ان افتتاح المتحف المصري الكبير حدث عالمي طال انتظاره يمثل نقطة تحول في تاريخ السياحة الثقافية في مصر هذا الصرح العملاق ليس مجرد مبنى لعرض الآثار بل رسالة حضارية تعكس عظمة الحضارة المصرية القديمة وقدرة مصر الحديثة على حماية تراثها وتقديمه للعالم بصورة تليق بمكانتها التاريخية ،

فهو يعد أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة ، يضم كنوزا أثرية نادرة مثل مجموعة الملك توت عنخ آمون الكاملة والمركب الشمسي إلى جانب آلاف القطع الأثرية التي تعكس براعة المصريين القدماء وغيرها من متاحف ومعابد تؤكد عظمة مصر ،.

فلم يعد يفصلنا عن افتتاح المتحف الكبير غير شهر، وللاسف لم نستثمر التسويق له الذي يتلائم مع هذا الحدث العالمي وتحقيق أقصى استفادة منه في تعزيز السياحة وصورة مصر العالمية.

بالفعل وعلي ارض الواقع تأخر الترويج للمتحف المصري الكبير مقارنة بمشاريع ثقافية عالمية أخرى مثل متحف اللوفر أبوظبي ، ونحن نملك كل المقومات التي تتحدث عن نفسها ،

فلا يجب ان نعتمد علي الجاذبية التلقائية للحدث نفسه وعلي تاريخ وحضارة مصر ، في حين بدأ اللوفر أبوظبي حملاته التسويقية قبل عشر سنوات من افتتاحه في نوفمبر 2017 . ربما التأخير في التسويق قد يكون مقصودا لتكثيف الجهود في اللحظات الأخيرة لكنه قد يعكس أيضا تحديات في إدارة الملف السياحي والثقافي المصري .. 

بالفعل للمتحف المصري الكبير إمكانات هائلة لجذب ملايين السياح من جميع أنحاء العالم فهو لا يقتصر على عرض القطع الأثرية بل يمثل إنجازا هندسيا وثقافيا يضع مصر في صدارة الوجهات الثقافية العالمية لكن الفرص التسويقية التي ضاعت في السنوات السابقة تجعل التحدي الآن أكبر لتعويض هذا التأخير

يتطلب الأمر استراتيجيات مكثفة لضمان وصول صورة المتحف إلى العالم بطريقة تعكس أهميته التاريخية والثقافية وبناء حالة من الترقب العالمي من خلال حملات تسويقية ذكية تستهدف وسائل الإعلام العالمية مثل بي بي سي وناشيونال جيوغرافيك وأطلاق حملات مثل حملة نورت  مصر وغيرها  لدينا التصميم المعماري الفريد للمتحف واثار لا مثيل لها مما يتيح لنا خلق ضجة إعلامية عالمية تجعل المتحف محط أنظار العالم و الجماهير الدولية.

نحتاج خطط استراتيجية تسويقية شاملة تبدأ بحملة إعلامية عالمية ضخمة تستهدف القنوات المتخصصة في السياحة والتاريخ يمكن التعاقد مع شركات إنتاج عالمية لتصوير أفلام وثائقية عن المتحف تبرز كنوزه الأثرية مثل مجموعة توت عنخ آمون الكاملة التي ستعرض لأول مرة والمركب الشمسي الذي يعكس الإبداع الهندسي للمصريين القدماء كما يجب إعداد تقارير صحفية تسلط الضوء على القطع النادرة وتاريخها لجذب اهتمام الجمهور العالمي.

وانني اؤكد أن التواجد على منصات التواصل الاجتماعي ضرورة ملحة ، ويجب إنشاء حسابات رسمية للمتحف على جميع المنصات ونشر محتوى يومي جذاب يشمل فيديوهات قصيرة عن الآثار وطرق عرضها الحديثة استضافة مؤثرين عالميين في مجال السفر والتاريخ لزيارة المتحف ومشاركة تجاربهم مع ملايين المتابعين يمكن أن يعزز من جاذبية المتحف كما يمكن إطلاق هاشتاغ عالمي مثل #GEMOpening "(#افتتاح_المتحف_الكبير) لخلق ضجة رقمية تصل إلى ملايين المستخدمين ، بالاضافة الي التعاون مع شركات السياحة العالمية خطوة أساسية لضمان إدراج المتحف في برامج الجولات السياحية ، وهذه الشركات يمكنها تنظيم باقات سياحية تجمع بين زيارة المتحف والأهرامات والمواقع الأثرية المجاورة مما يعزز فكرة التكامل بين المواقع السياحية ،

وهذا مخطط له علي ارض الواقع فهناك طرق تربط المتحف الكبير بالاهرامات والمزارات السياحية المحيطة والموجودة في القاهرة الكبري، وان تتكامل الرؤي لتشمل  التفاوض مع خطوط الطيران لتقديم عروض خاصة بمناسبة الافتتاح لجذب المزيد من السياح ،

وأن تعمل كل المؤسسات التابعة للدولة من اجل تسويق هذا الحدث الكبير وتنظيم فعاليات عالمية مصاحبة للافتتاح ،على سبيل المثال يمكن عقد مؤتمر دولي لعلماء الآثار والمتاحف ، أو تنظيم معرض افتراضي للآثار المصرية قبل الافتتاح لجذب الانتباه العالمي كما بجانب حفل الافتتاح الضخم الذي سيحضره مشاهير العالم ورؤساء الدول والملوك والأمراء، وأكيد سيكون هناك عرضا ضوئيا وصوتيا يعكس عظمة الحضارة المصرية هذه الفعاليات يمكن أن تخلق شووإعلامي كبير يناسب تاريخ وعظمة مصر وهذا الحدث الذي لن يتكرر مرة اخري،

هناك بالفعل تطوير للبنية التحتية السياحية المحيطة بالمتحف وتم تحسين الطرق المؤدية إلى المتحف وزيادة وسائل النقل السياحي و فنادق ومنتجعات سياحية قريبة لتلبية احتياجات الزوار وهذه مقومات يجب الاشارة اليها بأساليب شيقة تضمن تجربة زيارة سياحية مميزة. 

الرئيس عبد الفتاح السيسي يدعو دائما الي الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة، واتمني ان نعمل علي استثمارها في التسويق للاثار والسياحة المصرية والتي سيكون المتحف الكبير احد روافدها لتحقيق الجذب للمتحف مستخدمين تطبيقات تقنيات الواقع الافتراضي لتقديم تجارب تفاعلية للزوار كما يمكن تصميم تطبيق ذكي للمتحف يحتوي على معلومات مفصلة عن القطع الأثرية ويوفر جولات افتراضية عبر الإنترنت لمن لا يستطيعون الزيارة هذه التقنيات ستجعل المتحف في صدارة المتاحف العالمية من حيث التجربة التفاعلية ، وأظن ان كل هذا موجود ولكن لم يتم الاعلان والتسويق له بالقدر الكافي. 

فنحن نحتاج وضع استراتيجية تسويق طويلة الأمد واجبة التنفيذ، فهي أمر ضروري لضمان استمرار الاهتمام بالمتحف بعد الافتتاح، ولا اعرف هل يمكننا التنسيق بين المتحف الكبير والمتاحف العالمية بعمل عروض افتراضية عن المتحف المصري ..

وكل هذه المتاحف  تمتلك وتعرض اثارا مصرية وتخصص لها قاعات واجزاء كبيرة في متاحفها ؟ وهذا رأيته بنفسي عند زياراتي لهذه المتاحف ، لدينا في مصر مصنع للمستنسخات الاثرية ويمكن تنظيم معارض بها عالميا في المتاحف العالمية مع الإشارة إلى أن القطع الأصلية موجودة في المتحف المصري الكبير كما يمكن إنتاج سلع تذكارية مبتكرة تحمل شعار المتحف وبيعها عالميا إقامة فعاليات سنوية مرتبطة بالمتحف للجذب السياحي.

كما قلت لا بد من أن تعمل كل مؤسسات الدولة معا من اجل الجذب السياحي لمصر بشكل عام وللمتحف الكبير والاثار المصرية بشكل خاص بما في ذلك توظيف البعد السياسي والدبلوماسي مما يعزز من مكانة المتحف ، فيمكن استغلال حضور مشاهير وملوك ورؤساء الدول للافتتاح وعقد اتفاقيات ثقافية تسهل تبادل المعارض والمعلومات الأثرية كما يمكن تنظيم زيارات رسمية للمتحف على هامش المؤتمرات الدولية التي تستضيفها مصر، كما حدث في زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون لمصر.

هناك العديد من الجامعات الدولية علي مستوي العالم فهل لنا ان نقوم بعمل بروتوكولات معها لزيارة مصر بشكل منتظم وباسعار مخفضة تساهم في ذلك شركات الطيران الوطنية وتقديم برامج تثقيفية وافلام وثائقية عن الحضارة المصرية وتقديمها لهذه الجامعات ؟
اتمني !

وهناك تعاون مصري مع منظمات التراث العالمي مثل اليونسكو ، هذا التعاون يجب الاستفادة منه بشتي الطرق وأكيد سيتم إدراج المتحف الكبير ضمن قوائم اليونسكو للمواقع التراثية المهمة كما يمكن التنسيق مع منظمات دولية لعقد ورش عمل وبرامج تدريبية في المتحف،

وهناك لا بد أن نعمل علي تسويق المتحف الكبير مستخدمين القوة الناعمة ، فنحن نحتاج ان نخاطب الشعوب بتقديم صورة جميلة عن مصر وعن الاثار والسياحة المصرية وعن المتحف الكبير وهذا يتم بان نستخدمها ضمن احداث درامية وإنتاج مسلسلات وافلام سينمائية ، تركيا تسوق صورة جميلة عنها من خلال الدراما والسينما ونجحت في هذا وحققت جذبا سياحيا كبيرا ، لابد من توظيف كل ما نملك من مقومات داخل احداث درامية تعبر عن روعة وجمال مصر ، وانتاج أفلام وثائقية بكل لغات العالم وعرضها في وسائل الاعلام واهدائها للجامعات والكلية والمدارس العالمية .. 

أخيرا 

يُمثِّل افتتاح المتحف المصري الكبير فرصةً استثنائيةً لإعادة صياغة الصورة الذهنية لمصر كوجهة سياحية عالمية متكاملة. فبالإضافة إلى كونه صرحاً ثقافياً يُعرض كنوز الحضارة المصرية، هذا الحدث يمكننا تحويله إلى منصةٍ عالميةٍ للترويج لكافة مقومات السياحة - من شواطئ البحر الأحمر الساحرة، إلى المقاصد العلاجية الفريدة، مروراً بالسياحة الدينية والتاريخية.

 فتسويق المتحف بشكل مبتكر، عبر حملات إعلامية مدروسة تستهدف الأسواق السياحية الرئيسية، لن يعزز فقط من أعداد الزائرين للمتحف نفسه، بل سينعكس إيجاباً على القطاع السياحي بأكمله ، ومن المرتقب أن يسهم افتتاحه في دفع عجلة السياحة، وجذب ملايين الزوار عالمياً. كما أن الربط الذكي بين زيارة المتحف وتجارب سياحية أخرى سيسهم في إطالة مدة إقامة السائح وزيادة إنفاقه.  

الاستثمار في هذا الحدث ليس استثماراً مؤقتاً، بل هو رهانٌ على المستقبل؛ فالمتحف سيكون بمثابة القلب النابض للسياحة الثقافية في المنطقة، وقاطرةً لدفع عجلة الاقتصاد القومي. نجاحه سيكون دليلاً عملياً على أن مصر لم تعد فقط حارسةً للتاريخ، بل أيضاً لاعباً رئيسياً في صناعة السياحة العالمية الحديثة.  
هذه هي اللحظة التي يجب أن نقدم فيها للعالم صورة مصر الحقيقية: بلدٌ يجمع بين الأصالة والحداثة، بين التراث الخالد والرؤية المستقبلية. فكما أبهَرت مصر العالم بحضارتها قبل آلاف السنين، ها هي اليوم تُعد العدة لتُبهِره من جديد،
لكن هذه المرة بمتحفٍ يُجسِّد عبقرية الماضي وطموح المستقبل في آنٍ واحد. مصر تعانق العالم بافتتاح المتحف الكبير والتسويق له يعيدنا إلى خريطة السياحة العالمية.

moustafaelbolok@yahoo.com

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية