تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
دكتور أشرف زكي.. الرحيل ليس خيارك.. عُد لتكمل ما بدأته
انتظرت طويلاً أن يعدل الصديق العزيز الدكتور أشرف زكي عن استقالته من نقابة المهن التمثيلية، وظللت أتابع المواقف والتصريحات وردود الأفعال على أمل أن يكون ما أعلنه مجرد لحظة انفعال عابرة أو قرار مؤقت يعاود النظر فيه سريعاً. غير أن مرور الأيام زاد القلق وأكد أن الاستقالة تمثل تحدياً كبيراً للنقابة وللوسط الفني بأكمله، لأنها ببساطة تعني غياب ركن أساسي حمل على عاتقه مسؤولية ثقيلة لأكثر من عشر سنوات متصلة، أثبت خلالها أنه ليس مجرد نقيب، بل ضمير حي وصوت صادق ومدافع عن حقوق المهنة وأبنائها.
عشر سنوات من العطاء لم يعرف فيها التخاذل أو الغياب، كان خلالها أول الحاضرين في الأحزان كما في الأفراح، وفي الأزمات الكبيرة كما في المواقف الشخصية البسيطة. لم يتعامل مع قضايا أعضاء النقابة بوصفها ملفات إدارية جامدة، بل اعتبرها قضايا تخصه هو شخصياً، وحمل همومهم كأنها همومه الخاصة، فكان يواجه مشاكلهم بروح الأب الحامي والأخ الصادق. لم يعرف رفاهية الاكتفاء بالمتابعة من خلف مكتبه، بل نزل إلى أرض الواقع، يتابع الأزمات لحظة بلحظة، يقف إلى جوار زملائه في أشد اللحظات قسوة، ويفرح لنجاحاتهم كأنها نجاحاته هو. لم يتردد في الدفاع عنهم أمام أي مؤسسة أو جهة، وسخّر كل ما يملك من علاقاته ووقته ومكانته لخدمة مصالحهم. وكان دائماً سبّاقاً في تقديم الدعم المادي والمعنوي، حتى صار حضوره في المحن والشدائد بمثابة ضمانة للأمان والطمأنينة. وبفضل حكمته وصبره وقلبه الكبير، تحولت النقابة في عهده إلى بيت حقيقي يضم أبناءها جميعاً، يلجأون إليه لا بوصفه نقيباً فقط، بل باعتباره أباً ورفيقاً وصديقاً يعرف تفاصيلهم الصغيرة قبل قضاياهم الكبرى، ويحيطهم برعاية واهتمام لم ينقطع لحظة واحدة.
اعرف وعن قرب أن السنوات التي قضاها على رأس النقابة لم تكن سهلة، بل واجه خلالها تحديات جساماً، من أزمات اقتصادية عصفت بالمجتمع، إلى مشكلات متكررة تخص عقود العمل وحقوق الفنانين والتأمينات والمعاشات والرعاية الصحية. ومع ذلك، كان قادراً على إيجاد الحلول، والتواصل مع الجهات المعنية، وتحقيق مكتسبات حقيقية لأعضاء النقابة الذين وجدوا فيه الملاذ الآمن في لحظات الشدة. وكان حريصاً على أن يُعامل الجميع بالمساواة، فلا فرق بين نجم مشهور وعضو شاب في بداية الطريق، فالكل عنده أبناء النقابة وأولوياته القصوى.
لقد تحولت النقابة خلال فترة وجوده إلى مؤسسة حقيقية تحمل كياناً مؤثراً في المجتمع، بعد أن كانت في فترات سابقة مجرد هيكل إداري بلا روح. بفضل جهوده، اكتسبت النقابة احترام الرأي العام، وأصبح لها حضور قوي في المحافل الرسمية والإعلامية، باعتبارها كياناً قادراً على التعبير عن أعضائه والدفاع عنهم. ولا يمكن إنكار دوره في إعادة الاعتبار للمهنة نفسها، إذ كان صوته مسموعاً حين يتعلق الأمر بكرامة الفنان أو صورة الفن في المجتمع، مدافعاً بلا تردد عن قيمة الفن كرسالة وطنية وثقافية.
إن استقالته اليوم لا يمكن النظر إليها كخيار شخصي بقدر ما هي قضية عامة تمس جميع الأعضاء وتمس كيان النقابة ذاته. فالاستمرار في موقع القيادة ليس ترفاً، بل ضرورة ملحة، لأن غيابه سيترك فراغاً هائلاً لا يمكن تعويضه بسهولة. النقابة تحتاجه أكثر من أي وقت مضى، وسط تحديات متزايدة في سوق العمل الفني، وتغيرات متسارعة تفرض على النقابة أن تكون قوية وموحدة ولها قائد يعرف دهاليزها ويمتلك خبرة طويلة في إدارتها.
لقد أثبتت ردود الأفعال أن قرار الاستقالة لم يلقَ قبولاً، وأن التمسك باستمراره كان الموقف الأبرز من زملائه ومن أعضاء النقابة الذين يدركون جيداً حجم المسؤولية التي يتحملها وحجم الخسارة التي قد تلحق بهم إذا أصر على الابتعاد. وهذا وحده دليل على أن وجوده في موقعه ليس مجرد تكليف إداري، بل ثقة جماعية وحاجة ملحة لمنظومة كاملة.
لذلك، فإن الدعوة الصادقة التي أوجهها له اليوم هي أن يعيد النظر في قراره، وأن يضع مصلحة النقابة وأعضائها فوق أي اعتبار شخصي أو حساسيات عابرة. العدول عن الاستقالة لن ينتقص من مكانته بل سيزيده احتراماً وتقديراً، لأنه سيكون استجابة لصوت الجماعة التي وقفت إلى جواره طوال سنوات وراهنت عليه ووجدت فيه القائد والأب والسند. إن أعظم ما يميز القادة الحقيقيين هو قدرتهم على تجاوز الضغوط والاستمرار حين يظن الآخرون أن الرحيل هو الحل الأسهل.
التاريخ سيذكر أن السنوات العشر الماضية لم تكن مجرد فترة نقابية عابرة، بل مرحلة فارقة أعادت للنقابة روحها ودورها وكرامتها. ومن غير المقبول أن تنقطع هذه المسيرة فجأة بقرار استقالة يمكن التراجع عنه بإرادة صلبة ووعي بحجم المسؤولية. إن الفنانين الذين التفوا حول نقابتهم في عهده لن يقبلوا بغيره قائداً، والجمهور الذي تابع مسيرته يعرف جيداً أنه لم يخذل أحداً ولن يفعل.
وأدرك أنه رغم ما حققه من إنجازات وما بذله من جهد استثنائي، لم يكن طريق أشرف زكي خالياً من الإحباطات والضغوط التي نالت من صحته وأرهقته نفسياً وجسدياً. فقد حمل على عاتقه هموم النقابة وأعضائها بلا كلل، وسعى دائماً إلى ما فيه صالح المهنة، حتى صار وجوده مرتبطاً بحياة كل فنان يشعر أن له سنداً يحميه ويدافع عنه. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، يحتاج هذا الرجل إلى الدعم الحقيقي من أبناء المهنة الذين يعرفون حجم تضحياته، وإلى إسناد صادق من الدولة التي تدرك جيداً قيمة ما قدمه للفن والفنانين، وما بذله من أجل أن يبقى الفن المصري في مكانته اللائقة. إن الاستمرار في حمل هذه المسؤولية لا يجب أن يظل عبئاً فردياً على كتفيه، بل مسؤولية جماعية تلتف حوله وتشد من أزره، ليواصل مسيرته وهو محاط بما يستحقه من تقدير ورعاية ..
اليوم، ومع كل هذا الإرث الكبير من العطاء، يصبح الرجوع عن الاستقالة واجباً وطنياً ونقابياً وأخلاقياً، ليس من أجل شخصه، بل من أجل الكيان الذي أصبح جزءاً من كيانه، ومن أجل الأعضاء الذين اعتادوا أن يجدوا فيه سندهم وملاذهم. وأنا على يقين أن الاستجابة لهذه الدعوة ستكتب صفحة جديدة من الوفاء والعطاء، تؤكد أن القيادة الحقيقية لا تتخلى عن موقعها حين يشتد الخطب، بل تزداد إصراراً على الاستمرار حتى النهاية.
وأخيرا
ولهذا فإنني أرفض هذه الاستقالة جملة وتفصيلاً، وأتمنى أن يعود النقيب إلى موقعه كما عهدناه، حاملاً على عاتقه هموم المهنة وأحلام أبنائها، لتظل النقابة بيتاً آمناً، وليظل هو كما كان دوماً درعاً واقياً وحامياً للفن وأهله.
وأقول دكتور اشرف زكي الرحيل ليس خيارك.. عُد لتكمل ما بدأته .
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية