تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
برامج تريند الفضائح.. انهيار القيم وغياب الضمير الإعلامي
شعرت بإساءة كبيرة وأنا أشاهد أحد البرامج التلفزيونية التي تتصدر قوائم التريند، حيث باتت هذه البرامج منصة لنشر الفضائح وتجاوز حدود الأخلاق والقيم. لقد أثار استهتارها بالمبادئ الإنسانية وغياب الرقابة والضمير الإعلامي تساؤلات حول دور الإعلام في تشكيل المجتمع وتأثيره على الأفراد، مما دفعني لمناقشة هذه الظاهرة وأبعادها السلبية.
في عصر الإعلام الرقمي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت برامج التريند واحدة من أبرز الظواهر التي تشغل اهتمام الجمهور. هذه البرامج التي تتصدر منصات البث والقنوات التلفزيونية غالبا ما تروج لمحتوى يعتمد على جذب الانتباه بأي وسيلة ممكنة حتى لو كان ذلك على حساب القيم والمبادئ والأخلاق. باتت هذه البرامج في كثير من الأحيان منصة لنشر الفضائح وتسليط الضوء على التفاصيل الشخصية للأفراد دون مراعاة للخصوصية أو تأثير ذلك على المجتمع.
يتساءل الكثيرون عن دور الرقابة على هذه البرامج وعن غياب ميثاق الشرف الإعلامي الذي من المفترض أن ينظم عمل الإعلاميين ويضمن تقديم محتوى يحترم الذوق العام ويعزز القيم الإنسانية.
هذه الظاهرة، بأسبابها وتداعياتها السلبية على المجتمع، تتفاقم في ظل غياب الضمير الإعلامي، مما يبرز الحاجة الملحة لاستعادة التوازن في المحتوى الإعلامي. وقد دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تعزيز الإعلام الإيجابي البناء، مؤكداً على ضرورة ترسيخ القيم والأخلاق المصرية الأصيلة في تنشئة الأجيال، ومشيراً إلى الدور الحيوي للإعلام المصري في بناء مجتمع متماسك ومواطن متمسك بثوابت وقيم المجتمع.
فكرة نشر الغسيل القذر ليس اعلاما ، واقتحام اسرار الاسر المصرية ليس اعلاما والتريند المبني علي العبث بحياة البشر وجعلها مشاعا يلوكه رواد السوشيال ميديا ليس اعلاما ، فللاسف تتميز برامج التريند واقصد هنا البرامج التليفزيونية التي تستهدف تحقيق التريند بقدرتها على جذب المشاهدين من خلال تقديم محتوى يثير الفضول ويحفز المشاعر سواء كانت هذه المشاعر إيجابية أو سلبية. غالبًا ما تعتمد هذه البرامج على القصص المثيرة للجدل والفضائح التي تتعلق بحياة المشاهير أو الأفراد العاديين الذين يجدون أنفسهم فجأة في دائرة الضوء وفي بؤرة القيل والقال . هذا النوع من المحتوى يعتمد على استغلال الفضول البشري لمعرفة تفاصيل حياة الآخرين مما يؤدي إلى انتشار ثقافة التطفل وانتهاك الخصوصية ، فما اراه من بعض اعلامي التريند ما هو الا نميمة وهي من الكبائر في الدين الإسلامي، وهي نقل الكلام بين الناس بغرض إفساد العلاقة بينهما، أو إيذاء أحدهما، أو إثارة الفتنة .
فعلي الشاشات لدينا الكثير والكثير من هذه البرامج . فعلى سبيل المثال هناك برامج أصبحت شائعة في السنوات الأخيرة غالبًا ما تعتمد على تناول حياة المشاهير واخراج ما بها من اسرار ووضعهم في مواقف محرجة أو صادمة دون موافقتهم المسبقة ، أو بموافقتهم مما يثير تساؤلات حول الأخلاقيات التي تحكم هذه البرامج. هذا النوع من المحتوى لا يقتصر على التسلية بل يتجاوز ذلك إلى إلحاق الأذى النفسي بالأفراد المستهدفين وبالمشاهدين وإثارة مشاعر الغضب أو الإحباط لدى المشاهدين بل يصيب القيم والمبادئ والاخلاق بمقتل لدي المشاهد .
إن ما يجعل هذه البرامج أكثر خطورة هو غياب الرقابة الفعالة التي من المفترض أن تضمن التزامها بالحدود الأخلاقية والقانونية. وعدم وجود عمل ملموس للجهات الرقابية وتكون صارمة تشرف على المحتوى الإعلامي بشكل دقيق مما يسمح لهذه البرامج بالعمل بحرية دون التقيد بمعايير محددة ويجعلنا في غابة هدفها الوحيد التريند . هذا الغياب يؤدي إلى تقديم محتوى لا اخلاقي يشجع على السلوكيات السلبية. فعلى سبيل المثال بعض البرامج التي تناقش قضايا اجتماعية حساسة مثل الطلاق أو الخيانة تتناول هذه المواضيع بطريقة سطحية واستفزازية تهدف إلى زيادة نسبة المشاهدة بدلاً من تقديم حلول بناءة أو نقاش هادف. هذا النهج لا يسهم في نشر الوعي بل على العكس يعزز الصور النمطية ويزيد من الانقسامات الاجتماعية .
من جانب آخر يبرز غياب ميثاق الشرف الإعلامي كعامل رئيسي في تفاقم هذه المشكلة. ميثاق الشرف الإعلامي هو مجموعة من المبادئ التي يفترض أن يلتزم بها العاملون في مجال الإعلام لضمان تقديم محتوى يحترم القيم الإنسانية ويحافظ على كرامة الأفراد. لكن في ظل السعي وراء الربح السريع وزيادة نسب المشاهدة يتجاهل العديد من الإعلاميين هذه المبادئ. على سبيل المثال برامج التريند التي تعتمد على نشر الفضائح غالباً ما تتجاهل حق الأفراد في الخصوصية وتستخدم معلومات شخصية دون التحقق من صحتها مما يؤدي إلى تشويه سمعة الأفراد أو إلحاق الضرر بهم. هذا النوع من السلوك الإعلامي يعكس غياب الضمير الإعلامي الذي يفترض أن يكون المحرك الأساسي لعمل أي إعلامي يسعى لخدمة المجتمع.
إن تأثير هذه البرامج على المجتمع يتجاوز مجرد التسلية أو الترفيه إلى التأثير على القيم والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع. الأطفال والشباب على وجه الخصوص هم الأكثرعرضة للتأثر بهذا النوع من المحتوى. عندما يشاهد الشباب برامج تعزز القيم السلبية مثل التنمر أو السخرية أو استغلال الآخرين فإنهم قد يتبنون هذه السلوكيات ظناً منهم أنها مقبولة اجتماعياً. هذا النوع من المحتوى يسهم في تآكل القيم الأخلاقية ويزرع بذور الانحراف في أذهان الجيل الجديد. علاوة على ذلك فإن هذه البرامج قد تؤثر على العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة والمجتمع حيث إن التركيز على الفضائح والمشاكل الشخصية يعزز من ثقافة اللوم والإدانة بدلاً من تعزيز التفاهم والتعاون.
من الجدير بالذكر أن هذه البرامج لا تعكس بالضرورة واقع المجتمع بل غالباً ما تقدم صورة مشوهة تهدف إلى جذب الانتباه. على سبيل المثال قد تسلط الضوء على حالات فردية نادرة وتعممها لإعطاء انطباع بأن المشكلة واسعة الانتشار مما يؤدي إلى تشويه صورة المجتمع وصورة مصر، وبشكل عام وخاص نشر اليأس بين أفراده. هذا النوع من التشويه يؤثر على الثقة بين أفراد المجتمع ويقلل من الشعور بالانتماء والتماسك الاجتماعي. إن غياب الرقابة وميثاق الشرف الإعلامي يجعل من السهل على هذه البرامج أن تستمر في تقديم مثل هذا المحتوى دون محاسبة ولهذا لابد من قيام الهيئات الاعلامية بدورها.
للتصدي لهذه الظاهرة هناك حاجة ماسة إلى تعزيز دور الرقابة الإعلامية ووضع قوانين صارمة تحدد المعايير التي يجب أن تلتزم بها البرامج الإعلامية. يجب أن تكون هذه القوانين شاملة وواضحة وتتضمن عقوبات رادعة لمن يخالفها. كما يجب العمل على تعزيز الوعي بأهمية ميثاق الشرف الإعلامي وتشجيع الإعلاميين على الالتزام به. يمكن تحقيق ذلك من خلال تدريب العاملين في مجال الإعلام على الأخلاقيات المهنية وتذكيرهم بمسؤوليتهم تجاه المجتمع. بالإضافة إلى ذلك يمكن للمجتمع أن يلعب دوراً مهماً في الحد من انتشار هذه البرامج من خلال مقاطعتها وعدم دعمها بالمشاهدة. إن الجمهور هو العامل الأساسي في نجاح هذه البرامج وبالتالي فإن تغيير سلوك المشاهدين يمكن أن يدفع المنتجين إلى إعادة النظر في نوعية المحتوى الذي يقدمونه.
من ناحية أخرى هناك حاجة إلى تشجيع إنتاج برامج إعلامية بديلة تركز على تعزيز القيم الإيجابية ونشر الوعي. مع الاستفادة من عودة تلفزيون الدولة وماسبيرو لتعزيز هذا الدور، حيث يمكن لهذه البرامج أن تقدم محتوى تثقيفي وترفيهي في الوقت ذاته دون الحاجة إلى اللجوء إلى الفضائح أو المحتوى المثير للجدل. على سبيل المثال برامج تناقش قصص النجاح أو تسلط الضوء على المبادرات الاجتماعية الإيجابية يمكن أن تكون بديلاً فعالاً يساهم في بناء مجتمع أكثر وعياً وتماسكاً. كما يمكن للإعلاميين أن يأخذوا على عاتقهم مسؤولية إعادة الضمير الإعلامي إلى الواجهة من خلال تقديم محتوى يعكس قيمهم الأخلاقية ويحترم مشاعر الجمهور.
أخيرا
يمكن القول إن البرامج التليفزيونية التي تسعي خلف التريند التي تسيء إلى القيم والمبادئ والأخلاق تمثل تحدياً كبيراً للمجتمع. إن غياب الرقابة وميثاق الشرف الإعلامي والضمير الإعلامي يجعل من السهل على هذه البرامج أن تنتشر وتؤثر سلباً على أفراد المجتمع. لكن من خلال تعزيز الرقابة وتفعيل ميثاق الشرف الإعلامي وتشجيع الجمهور على دعم المحتوى الإيجابي يمكن الحد من هذه الظاهرة واستعادة دور الإعلام كأداة لبناء المجتمع بدلاً من هدمه. إن استعادة التوازن في المحتوى الإعلامي ليست مسؤولية الإعلاميين وحدهم بل هي مسؤولية مشتركة تشمل الجمهور والجهات الرقابية على حد سواء ، واناشد الصديق العزيز طارق سعدة نقيب الاعلاميين والمهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الاعلي لتنظيم الاعلام محاسبة مثل هذه البرامج بما يتلائم مع الضرر الذي تسببه فبرامج تريند الفضائح: انهيار القيم وغياب الضمير الإعلامي.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية