تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الدراما بين الفن والتشريع وتغيير وجه المجتمع
كل عام ومصر بخير بمناسبة احتفالنا بعيد الفطر المبارك مع انتهاء موسم درامي استثنائي في رمضان 2025، شهدنا تحولًا نوعيًا غير مسبوق في مسار الدراما المصرية، حيث تجاوزت أعمال هذا الموسم الحدود التقليدية للترفيه، لتصبح قوة دافعة للتغيير الاجتماعي ومحركًا رئيسيًا لإثارة النقاشات المجتمعية الجادة.
فقد أثارت العديد من المسلسلات، مثل لام شمسية وحسبة عمري وولاد الشمس، جدلًا واسعًا أحدث زلزالًا مجتمعيًا، وطرح تساؤلًا جوهريًا: هل تستطيع الدراما تغيير التشريعات وإعادة تشكيل ملامح المجتمع؟
لقد أثبتت هذه الاعمال الدرامية أنها قادرة على اختراق الحواجز الاجتماعية وكسر التابوهات، حيث تناولت قضايا كانت حتى الأمس القريب من المحرمات التي لا يُجْهَرُ بالحديث عنها. هذا التحول الجذري في الخطاب الدرامي يضعنا أمام مرحلة جديدة من التفاعل بين الفن والمجتمع، حيث تتحول الشاشة من مجرد مرآة تعكس الواقع إلى منصة لتغييره.
لا ننكر ان الدراما فعلت هذا من قبل حيث ساهم مسلسلي "فاتن أمل حربي" للفنانة نيللي كريم ، و "تحت الوصاية" للفنانة منى زكي، في تسليط الضوء على قانوني الأحوال الشخصية المتعلق بحضانة الأطفال بعد طلاق الزوجين في العمل الأول، والوصاية على الأطفال بعد وفاة الأب في الثاني، بالنظر إلى التأثير المجتمعي الكبير الذي أحدثه كلا العملين الدراميين، في رمضان من عام 2022، وفي الموسم الدرامي ذاته من عام 2023.
هذا الموسم كسرت الدراما المصرية حاجز المحظورات وواجهت بجرأة غير مسبوقة قضايا شائكة تُطرح لأول مرة على الشاشة الصغيرة حيث خرجت المسلسلات من إطار المواضيع التقليدية لتقدم طرحًا جريئًا ومعالجة درامية تعكس تطور المجتمع المصري والعربي وقد أثبتت هذه الأعمال بعد نجاحها النقدي والجماهيري الواسع أن الدراما لم تعد مجرد وسيلة ترفيه بل أصبحت قوة مؤثرة في تشكيل الوعي وكشف الحقائق المسكوت عنها فتناولت قضايا طالما ظلت في الظل مثل التحرش والتنمر والعنف ضد المرأة والظلم الاجتماعي إلى جانب فضح الفساد والانتهاكات في دور رعاية الأيتام واستغلال الأطفال وغيرها من التجاوزات التي سلطت عليها الدراما الضوء بجرأة غير مسبوقة .
لقد قدمت هذه المسلسلات صورة أكثر واقعية وتنوعًا عن التحديات التي يواجهها المجتمع ، ما يجعلها خطوة مهمة نحو دراما أكثر جرأة وتأثيرًا.
وبعد عرض دراما رمضان 2025 ورصد ردود الأفعال والتأثير الذي أحدثته لدى مشاهديها، يبرز تساؤل جوهري: هل الدراما مجرد وسيلة ترفيه أم أداة للتغيير الاجتماعي؟
موسم رمضان 2025 قدّم إجابة واضحة على هذا التساؤل من خلال أعمال مثل لام شمسية، أولاد الشمس، حسبة عمري وغيرها، والتي لم تكتفِ بسرد القصص، بل أحدثت ضجة مجتمعية حقيقية، مؤكدةً أن الدراما لم تعد مجرد مرآة تعكس الواقع، بل أصبحت قوة دافعة لتغييره.
فهناك أدلة على قدرة الدراما على التغيير فمسلسل حسبة عمري بطولة الفنانة روجينا طرح قضية مهمة جدا هي الكد والسعاية للمرأة المطلقة فبعد عرضه، تعالت الاصوات ومنهمن نائبات في المجالس النيابية واحزاب يطالبن بتعديل القانون، وطرح الموضوع علي البرلمان لمناقشته وينتقل موضوع المسلسل من الشاشة إلى البرلمان، وقد تنجح حسبة عمري في تغيير القوانين والسياسات
ولابد أن ندرك أن حق المرأة في الكد والسعاية فتوى تراثية، يرجع أصلها الفقهي إلى أدلة الشريعة الإسلامية الواردة في حفظ الحقوق، والمقررة لاستقلالية ذمة المرأة المالية، والتي منها قول الحق سبحانه: {للرجال نصيب مما اكتسبوا ۖ وللنساء نصيب مما اكتسبن} "النساء: 32" ، إضافة إلى قضاء الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحق زوجة في مال زوجها الذي نمياه معا قبل تقسيم تركته، ثم قضى بمثله كثير من القضاة والفقهاء عبر العصور؛ و فقهاء المذهب المالكي. والدراما اعادت الحديث عنها .
مسلسل "ولاد الشمس" قام بفضح المستور وكشف النقاب عن فظائع صادمة داخل دور الأيتام، حيث سلط الضوء على إهمال مؤسسي منهجي وتعذيب نفسي ممنهج يتعرض له الأطفال. لم يكتفِ العمل بتسليط الضوء على هذه الانتهاكات، بل كشف أيضاً عن شبكات إجرامية تقوم بالاتجار بالأطفال وتوريطهم في أعمال غير قانونية كتجارة المخدرات، مما يشكل خيانة صارخة لرسالة هذه المؤسسات."من خلال سرده القوي، نجح المسلسل في كسر حاجز الصمت حول معاناة هؤلاء الأطفال،
حيث قدم صورة واقعية مؤلمة عن حياتهم داخل دور الرعاية وتحدياتهم في مواجهة المجتمع، كما أثار العمل نقاشاً مجتمعياً واسعاً حول ضرورة إصلاح نظام الرعاية البديلة، مما أسفر عن إضافة حقوق جديدة تكفل حماية أفضل للأطفال وتضمن لهم حياة كريمة لتنشئتهم التنشئة الصحيحة، من كل النواحي في إطار من الحرية والكرامة الإنسانية
ولم يكتفِ العمل بعرض هذه المآسي، بل حفّز الجمهور على التفكير في أهمية تحسين أوضاع دور الأيتام، وضمان حماية الأطفال من الاستغلال والتعذيب. كما قدم رسالة قوية حول حقوق الطفل وضرورة حمايته من أي نوع من الأذى، مما جعله عملا يحمل بُعدا إنسانيا عميقا ، فهل يغير "ولاد الشمس" قوانين دور رعاية الأيتام في مصر؟ بعدما اشادت به وزيرة التضامن وساهم في تعريف المجتمع بقضية هامة في المجتمع، هي مشاكل حقيقية للأبناء في دور الرعايا من خلال مواقف واقعية تم مراجعتها من خلال التنسيق بين صناع العمل والوزارة ،وتبع عرض المسلسل ردود فعل مؤسسية منها تشكيل لجان تفتيشية مفاجئة وزيادة التبرعات لدور الرعاية بنسبة 300% عبر حملة ابن الشمس..
ثم يأتي مسلسل "لام شمسية" ليطلق صرخة: احذروا التحرش ضد الأطفال الذي فجر منذ الحلقات الأولى أزمة التحرش خصوصاً بالأطفال أو ما يسمى علمياً باضطراب الـ"بيدوفيليا" ، فالتحرش من أكثر القضايا الحساسة التي تثير الحرج للجاني والمجني عليه ويتجنب المجتمع الحديث عنها في معظم الوقت لتدخل ضمن أكثر الملفات المسكوت عنها ، وفي هذا العمل تمت مناقشة كثير من القضايا المهمة التي تثير الجدل وتوجه الرأي العام وتكشف عن خبايا جديدة في قضايا حساسة ، مناقشة جريئة وجدل حول أسباب وآثاره النفسية على كل الأطراف وخوف العائلات من الكشف عن وقوع حالات حقيقية تجنباً للقيل والقال والإساءة للضحية وخوفاً من مواجهة آراء الناس وانقسام ردود أفعالهم وايضا كشف العمل عن جهل المجتمع وعدم قدرته على التعامل بطريقة صحيحة مع هذه الحالات،
وفي معظم الأحيان يكون الطفل عرضة للتنمر والازدراء المجتمعي وتعاني عائلته النبذ والإهانة كما ظهر ضمن احداث لام سمشية ، كما فتح المسلسل العديد من القضايا منها التحرش ضد الاطفال خاصة البنات وأثره عليهم بعد أن صاروا نساء وامهات.
ولابد أن نوضح ان مسلسل "لام شمسية" تم اختيار الاسم بعناية والبوستر، فسمي هذا الاسم لأن حرف "لام" يكتب ولا ينطق كإشارة من أسرة المسلسل إلى أن هناك مواضيع وقضايا موجودة ومعترف بها لكن لا يمكن التحدث عنها أو النطق بها لظروف مختلفة.
والمسلسل جعلنا نتعرف علي الاسم العلمي للتحرش بالاطفال علمياً باسم "بيدوفيليا"، وهو أحد الاضطرابات النفسية الذي يتسبب في أن يصبح لدى الفرد البالغ اهتمام جنسي تجاه الأطفال الذين لم يصلوا إلى سن البلوغ، ومن الممكن أن يتضمن هذا الاهتمام الاعتداء الجنسي، إضافة إلى القيام بعدد من الممارسات أو السلوكيات الجنسية غير الطبيعية مع الأطفال وتغيير السلوكيات المجتمعية
وهناك توصيات مباشرة مستوحاة من "لام شمسية"منها تعزيز الدعم النفسي للأطفال وتدريب الأخصائيين على "لعبة المشاعر" أداة ظهرت في المسلسل لمساعدة الأطفال على التعبير عن تعرضهم للعنف " وعمل وحدات الدعم النفسي في المدارس من خلال متخصصين بعد زيادة البلاغات عن حالات اعتداء ،
وقد يصل الامر لمراجعة التشريعات و مناقشة تعديل قانون العقوبات لتشديدها على جرائم العنف ضد الأطفال (كما طالبت أحداث المسلسل).. وهذا يؤكد مدي اتساع الفجوة بين الوعي والتطبيق فرغم زيادة البلاغات عن العنف بعد عرض لام شمسية ، إلا أن العقوبات على الجناة ما زالت ضعيفة وسنري قريبا تعديل هذه العقوبات لتكون رادعة وستتسع عمل لجنة حماية حقوق الطفل ومناهضة العنف ضد الأطفال (مثل التحرش الجنسي والإيذاء النفسي الذي كشفه المسلسل) ومراجعة المحتوى الإعلامي الموجه للأطفال لمنع ترسيخ العنف أو التغاضي عنه أصبح ضرورةً ملحةً لبناء جيلٍ واعٍ متزنٍ "كما حدث في مشاهد المسلسل الصادمة" ، وتوسيع نطاق الخدمات لحماية الطفل في المناطق النائية، حيث تزداد حالات الإساءة بعيدًا عن الرقابة وكل هذا طرح في اجتماع المجلس القومي للطفولة في اجتماعه الدوري لمراجعة خطط ومستهدفات العمل برئاسة الدكتورة سحر السنباطي، رئيسة المجلس، وجميع أعضائه وعضواته،
وهناك اعمالا اخري كثيرة اثارت الكثير من القضايا الهامة والتي فتحت الباب امام المشاهد للتعرف عليها وبدات مؤسسات الدولة في مناقشتها واصدار بيانات توضيحية مثل البيان الذي صدر عن الازهر يوضح فيه موقف الشرع من ظاهرة المحلل.
وهذا يدل علي ان الدراما كان لها تاثيرا كبير وانها اخترقت الوعي المجتمعي الجمعي باثارة العواطف وهذا كان واضحا في التعاطف الكبير مع الطفل بداية من مشهد رؤية نيللي وسام وهو يتحرش بيوسف في مشهد ضبابي خلف زجاج باب الغرفة في لام سمشية وغيرها من احداث ومفاجئات قدمها العمل علي مدار 15 حلقة وتاثير ذلك علي المجتمع والدولة ومؤسساتها ، وراينا ايضا التوثيق الدرامي والذي راجعته وزارة التضامن التي تعاونت مع صناع العمل لتكون الاحداث حقيقية موثقة وتقديم ادلة مرئية لتحقيق المصداقية لدي المشاهد واحداث حالة من الاثارة والجدل وكشف المستور في دور رعاية الايتام ،
وراينا حلول عملية قامت بها مؤسسات الدولة التي ترعي هذه الدور وتهتم بقضايا التحرش وايذاء الاطفال بظهور ارقام خط نجدة الطفل ورأينا ايضا عدد من المؤسسات تعلن عن توسيع خطط العمل بها.
أخيرا
لقد أثبتت دراما رمضان 2025 بما لا يدع مجالاً للشك أنها قادرة على تجاوز دورها الترفيهي لتتحول إلى منصة للتغيير الاجتماعي الحقيقي. تلك الأعمال التي تجرأت على كسر التابوهات لم تكن مجرد حكايات تُروى، بل أصبحت محفزات قوية لإعادة تشكيل الوعي المجتمعي ومراجعة السياسات العامة والقوانين .
واكدت ايضا إن التعاون الوثيق بين صناع الدراما والمؤسسات الرسمية - كما رأينا في تجربة "ولاد الشمس" مع وزارة التضامن، و"لام شمسية" مع المجلس القومي للطفولة - يقدم نموذجاً ناجحاً يجب تعميمه. هذا التحالف الإبداعي-التنفيذي هو الضمانة لتحويل القصص الدرامية إلى حلول عملية، ومتابعة تطبيق التوصيات التي أفرزتها هذه الأعمال والغضب الجماهيري إلى تشريعات رادعة وتحويل ما رصدته الدراما من قضايا وما دار من جدل ونقاشات عامة عبر السوشيال ميديا وعبر وسائل الاعلام إلى تعديلات قانونية ملموسة تخدم المجتمع بالاضافة الي استمرار التعاون بين القطاع الفني والمؤسسات التنفيذية بالدولة لتكون لدينا اعمالا درامية تساهم في بناء الانسان والمجتمع ،
فالدراما الهادفة ليست ترفاً فكرياً، بل أصبحت ضرورة مجتمعية كما اشار الي ذلك السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي اكد إن دور الفن والإعلام مهم جدا في تشكيل الشخصية المصرية والذوق العام وطالب الدولة بمراجعة لصناعة الدراما بفعل الواقع بعدما تحولت إلى تجارة وطالب الدولة العودة للانتاج وان يتم الاعتماد علي المتخصصين في الإعلام وعلم النفس وعلم الاجتماع وهذا تحقق هذا العام ، خاصة تخوف الرئيس نت تاثير الدراما السيئة على الذوق العام.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن ليس عن قدرة الدراما على التغيير - فقد أجابت أعمال هذا الموسم على ذلك - بل عن إرادتنا الجماعية في تحويل هذا الزخم إلى حركة إصلاح دائمة نادي بها السيد الرئيس خلال الاسابيع الماضية وطالب بتغيير حقيقي شكلا ومضمونا على أرض الواقع.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية