تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

أنا البحر فى أحشائه الدر كامن، فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي؟
من منا لا يحمل فى ذاكرته هذه الأبيات لشاعر النيل حافظ إبراهيم بصوت المذيعة الراحلة تماضر توفيق الرخيم، وهى تلقيها عبر أثير الإذاعة المصرية كل مساء كمقدمة لبرنامج «لغتنا الجميلة» للشاعر الراحل فاروق شوشة، لتخطف قلوب قبل عقول أبناء جيل الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وتشكل رابطا خفيا بينهم وبين اللغة العربية.

لم أكن فى صغرى من هواة اللغة العربية، فالقواعد النحوية كانت معقدة وصعبة مقارنة بنظيرتها الإنجليزية. ولكن كانت تأسرنى مخارج الألفاظ وقوتها وصوت الشاعر الراحل، وهو يقدم معلومات مبسطة عن اللغة والأدب تذكرتها فيما بعد عن غير قصد.

فى الثمانينيات، ظهرت سلسلة روايات مصرية للجيب رجل المستحيل، وملف المستقبل، ومن بعدها ماوراء الطبيعة..وغيرها الكثير. مجموعة من الروايات الأدبية التى اجتذبت مراهقى وشباب ذلك العصر بلغتها الفصحى البسيطة وإيقاعها السريع وخفة ظلها وأسلوب الكتابة التشويقى المبدع. انتقدها البعض، واتهموها بأنها ليست عملا أدبيا روائيا راقيا. ولكنها فى الحقيقة لعبت دورا أساسيا فى تعليم هذا الجيل القراءة والكتابة العربية الصحيحة وربطته بلغته الأم بل وبلاده وهويته الشرقية أيضا. مرت السنون، واختفى شوشة وخفت صوت الإذاعة، وتوقف رجل المستحيل أدهم صبرى عن مغامراته المخابراتية البطولية، وفقد جيل الألفينيات وما بعدها علاقته شيئا فشيئا باللغة العربية.

وبدلا من استهجان الأخطاء الإملائية، تحولت إلى أمر معتاد فى لافتات الشوارع وتترات المسلسلات والتقارير الصحفية، بل حتى الشعر والأعمال الأدبية لم تخل من الأخطاء، حتى إن أحدا لم يعد يخجل من النطق الركيك أو الكتابة الخاطئة. فما بين خريجى المدارس الأجنبية، وبين مدعى إتقان اللغات الأجنبية، وقعت اللغة العربية فريسة للاتهام بأنها صعبة وقديمة وغير مستخدمة. وحلت الكلمات العامية والغربية محل نظيرتها العربية ببساطة لأنها الأكثر تداولا، وفى بعض الأحيان لعوامل اجتماعية. فقد الأطفال والشباب ارتباطهم النفسى بلغتهم الأم أو حتى الإحساس العام بها، وفقدوا معه هويتهم. فالذوق العام، أصبح غربيا بالأساس وربما كوريا أو حتى صينيا لكنه ليس عربيا. القراءة الحرة تحولت إلى موضة قديمة، فلم تعد مصدرا للمعلومات. أما القراءة بالعربية، فربما تقتصر فقط على المناهج الدراسية.

ما لا يدركه البعض أن اللغة العربية ليست مجرد نحو وصرف وقواعد معقدة، ولكنها هوية عربية متكاملة. تحمل فى طياتها عادات وتقاليد وأخلاقيات نعانى اليوم وهى تتهاوى وتختفي. ونحن ننعى ما نفقده، ألم يئن الأوان لنأخذ بنصيحة المتنبى فأعيدوا يا بنيها نهضة تحيى رجاها، لم يمت شعب تفانى فى هواها واصطفاها .

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية