تظل وقفة عرفات رمزا للخشوع وميدانا للتجرد من الدنيا، وفرصة نادرة لملاقاة الله بقلب نقى وروح طاهرة

بينما يغرق العالم فى ضجيجه اليومى يسود صعيد عرفات سكوناً وكأن الأرض قد توقفت احتراماً للجموع الواقفة على ترابها.. ملايين الحجاج من جميع أنحاء العالم قد تجمعوا هناك منذ الساعات الأولى من صباح هذا اليوم فى مشهد يكاد لا يوصف بالكلمات..

رحلة العمر وأغلى ذكرى لا تمحوها السنين مهما مرّت.. على جبل عرفات تنتهى التيجان والعروش، لا تعرف الفقير من الغنى، ولا الأمير من الغفير اختفت الجنسيات واللغات واختفت كل الفروق وصار الكل بزىّ واحد يلهج بلسان واحد «لبيك اللهم لبيك»، حتى الذين لا يعرفون العربية تراهم وقد التفوا حول مطوفهم يرددون وراءه التلبية بقلوب تبكى خشوعاً وابتهالاً.. تجمعوا منذ الساعات الأولى من صباح اليوم فى مشهد يكاد لا يوصف بالكلمات، حيث تهفو الأرواح إلى السماء وترتفع الأكف بالدعاء،

فى عرفات تجد على امتداد البصر الرجال والنساء والشيوخ والشباب، كلهم فى زى الإحرام الأبيض يسيرون بخطى واحدة نحو غاية واحدة وهى طلب المغفرة من الله.. كم خفقت قلوبهم شوقاً لهذه اللحظة فتغمر السكينة المكان، وتشعر الأرواح بخفة ونقاء وكأنها قد تطهرت من أدران الدنيا، لا يوجد شعور يضاهى لحظة الوقوف على عرفات،

إن وقفة عرفات ليست مجرد شعيرة من شعائر الحج، بل هى محطة روحانية عميقة، تتطهر فيها النفوس، وتصفو فيها القلوب، وتتجدد فيها الصلة بالخالق جل جلاله، وقفة عرفات هى يوم للتأمل والتوبة، ولتجديد العهد مع الله، يوم تتفتح فيه أبواب السماء وتتنزل فيه رحمات الإله، ويُرجى فيه القبول والمغفرة مثلما وعد الله عباده بالغيب.. هكذا تظل وقفة عرفات رمزا للخشوع وميدانا للتجرد من الدنيا، وفرصة نادرة لملاقاة الله بقلب نقى وروح طاهرة..

وبالمناسبة فلا زلت أذكر للمرحوم الدكتور مصطفى محمود قوله فى أحد اللقاءات التليفزيونية وهو يتحدث عن بقية شعائر الحج من الطواف والسعى والرجم بأن المحبوب لا يكتفى من حبيبه بالحب العذرى الأفلاطونى وإنما يريد أن يكون التعبير بالفعل أيضا.. فلابد أن تسعى على قدميك وتتوحد روحا وجسدا بأفعالك وكلماتك.. إلى عرفات الله يا خير زائر سلام الله عليك فى عرفات..
...

من أجمل ما قرأت أن اسم الله الأعظم هو «الله» الذى ينفرد به جلّ فى علاه، جعله أول أسمائه وكل ما يأتى بعده فهو صفة له، إن الله اسم لموجود منفرد بالوجود وهو بذاته واجد الوجود، إن الله هو الاسم الذى سمّى به نفسه سبحانه وهو أخص أسمائه إليه لقوله عز وجل «إنى أنا الله رب العالمين».. وهو الاسم الذى لا يشاركه فيه أحد سواء فى حروفه أو فى معناه، فإذا حذفت الألف من اسم الله بقى منه «لله» وهو مختص به أيضا لقوله سبحانه «لله ما فى السموات والأرض»، وإذا حذفت الألف واللام الأولى بقيت «له» كما فى قوله سبحانه «له الملك وله الحمد»، وإذا حذفت الألف واللام الأولى والثانية بقى حرف الهاء وبالضمّة ينطق «هو» الذى يشير إليه ويدل عليه فى قوله سبحانه «هو الله الذى لا إله إلا هو»..

...

اللهم أنت ربى خلقتنى وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علىّ وأبوء بذنبى فاغفر لى فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت تباركت ربنا وتعاليت فلك الحمد على ما قضيت ولك الشكر على ما أنعمت..

ما قل ودل:

لو هتقول لى «لا كبيرة مع الاستغفار» هاقول لك «ولا صغيرة مع الإصرار.. لو هتاخد الأولى يبقى تاخد التانية معاها.