تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > محمود عبد الشكور > ما فعله السيناريو في "آل شنب" !

ما فعله السيناريو في "آل شنب" !

وهذا فيلم آخر أشعرني بالأسف والغضب الشديد، لأنه كان يمتلك فرصة كبيرة، لكي يكون عملا مهما ومميزا، بتطوير شخصياته، وبالبحث عن معني ودلالة إجتماعية لأحداثه، وبتعميق خطوطه وأفكاره، ولكن فيلم آل شنب ، الذي أخرجته أيتن أمين، وشاركت أيضا في كتابته مع أحمد رؤوف وإسلام حسام، يفتقد كل ذلك، ويتوه مع شخصياته الكثيرة،

لأنه لم يستطع أن يعالجها بشكل جيد، وفي اتجاه معني وفكرة، تتجاوز تفصيلات الحياة اليومية، بل إن الفيلم افتقد بشكل جدي معني الصراع، وفشل في تحقيق التماسك، رغم وجود الكثير من المواقف الظريفة والضاحكة، وفشل أيضا في المزج بين حكاية أسرة شنب، وحكاية جانبية، يبدأ وينتهي بها الفيلم، وهي حكاية ليلي ( أسماء جلال )، وهي واحدة من أفراد الأسرة، لا نعرف بالضبط لماذا اختصها السيناريو بهذه المساحة؟ وما علاقة موت خالها حسين شنب ( بيومي فؤاد في أداء صوتي فقط)، بقرار ليلي أن تسافر الي اليابان، وما علاقة كل ذلك باجتماع آل شنب في عزاء حسين شنب ؟!!

لفتت أيتن أمين اهتمامي الي أعمالها منذ شاهدت فيلمها الروائي القصير الأول "راجلها"، وكان عملا جريئا للغاية، وينبئ بوجود مخرجة واعدة جدا، وفيلم "آل شنب" هو فيلمها الروائي الطويل الثالث بمفردها، بعد فيلمين حققا أصداء جيدة هما: " فيلا 69" و"سعاد"،

وكان لافتا أيضا أنها مهتمة بشكل خاص بالتناقضات الاجتماعية المصرية، وما أكثرها، كما أن العلاقة بين الفرد والعائلة حاضرة ومؤثرة لديها، وكذلك علاقة الفرد بالمجتمع كله، وتوترات هذه العلاقة. وربما يمكن أن نضع "آل شنب" في إطار هذا الاهتمام عند أيتن، ولكنه جاء هنا بدرجة عالية من السطحية والتبسيط، ورغم وجود تفصيلات كثيرة عن الشخصيات، إلا أن كثرتها، والوقوع في أسر المشهد في ذاته، دون تطوير للشخصيات، والبناء عليها، وضبط الخطوط الدرامية بشكل عميق ومتوازن، وهي عناصر من "بديهيات" الكتابة الدرامية، كل ذلك جعلنا أمام تجربة ينقصها الكثير من النضج والرؤية، وكأن آيتن وجدت شخصيات جذابة، وصنعت مشاهد ظريفة، ولكنها لم تعرف ماذا تفعل بها!!

يعيدنا ذلك الي تكرار ما ذكرناه من قبل عن أسطوات السيناريو، الذين كانوا يفطنون إلي أهمية تطوير الفكرة والشخصية، وليس اكتشافها فقط، بل إن تطوير الفكرة والشخصية أهم من العثور عليها.

التقاء أفراد عائلة، واكتشافهم لأنفسهم، ومواجهتهم لبعضهم البعض، في مناسبة فقدان أحد أبناء الأسرة، حيلة درامية متواترة في أفلام كثيرة، منها مثل فيلم المخرجة المغربية ليلي المراكشي المعروف "روك القصبة"، وهو آخر فيلم اشترك فيه عمر الشريف،

ولكن السؤال هو : كيف ستكتب شخصياتك؟ وكيف ستطور تفاعلهم في إطار معني ما؟ وكيف ستسير الحكايات معا بشكل متداخل في إطار تيمة محددة؟

مع الأسف، ليس في "آل شنب" شيء من هذا، بل إن الفيلم الذي يبدأ بشكل جيد، باختراق دردشات آل شنب، مع حسين شنب، في جروب العائلة، سرعان ما يأخذنا الي حكاية ليلي موظفة البنك، في علاقتها العاطفية مع زميها عمر، المتزوج فعلا، وتشغل هذا العلاقة مساحة معتبرة من بداية الفيلم، بدلا من تقديم شقيقات حسين بشكل أعمق وأفضل، وهن : نيللي ( ليلي علوي )، وهي والدة ليلي، التي تتدخل في حياة ابنتها، وفي كل شأن عائلي، وندي ( هيدي كرم )، التي تعاني من عدم إخلاص زوجها محمد (خالد سرحان) ، وزواجه عليها، ونهي ( لبلبة )، الأخت الكبري، التي تبدو ثرثارة وحشرية أيضا، ونبيلة (سوسن بدر)، المتدينة، والتي تحفظ القرآن، ودمتم !

يُفترض أن هذه الشخصيات الأربع، في علاقتها مع حسين شنب، الذي يموت فجأة، هي أعمدة الدراما، ولكنها لا تكتمل ولا تتطور، ولا تفعل شيئا سوي الثرثرة في الجنازة، ثم يظهر في بيت الإسكندرية حشد من الشخصيات، من الأبناء والأحفاد، والذين يتزاحمون أيضا، من دون تطوير، وفي خطوط درامية مبتورة. وإذا كانت الشخصيات المحورية في الفيلم بمثل هذه المعالم الباهتة، فليس غريبا أن تكون الشخصيات المساعدة باهتة أيضا، مثل زياد (حسن مالك)، ابن ندي، الذي تقبّله هنا حفيدة نهي !، ومثل عبد الرحمن، وأعتقد أنه شقيق زياد، والذي يبدو عبيطا ومفجوعا في الأكل، ومثل طارق المحامي (محمود البزاوي)، الذي يقوم بمتابعة إعلام الوراثة، والذي يتواصل مع ليلي، دون أن يقود ذلك الي تطوير من أي نوع.

يجيد السيناريو تقديم مواقف ظريفة، ويلمس بشكل متكرر وسطحي مسألة التدين الشكلي، والبيئة المحافظة، وفي اسكتشات منفصلة لا تحرك صراعا حقيقيا، باستثناء بذرة صراع لم يتحقق، عندما ترفض نيللي بيع بيت والدها، بينما تظهر بوادر استعداد لدي بعض الأخوات للبيع، ولكن السيناريو ينهي مشاهد الإسكندرية بمبارة في كرة القدم بين آل شنب!

قد تتوهم أنها نهاية فيلم لم تفلح المعالجة في تعميقه أو تطوير خطوطه، ولكن الفيلم يعود من جديد الي حكاية ليلي مع عمر، حيث تتركه، وتترك البنك، وتقرر السفر الي اليابان، بعد وداع مع أمها نيللي، وبعد أن تلتقي في الطائرة من شخص عرفته بالصدفة في جنازة حسين شنب، ولن تعرف أبدا علاقة حكاية ليلي وعمر، والسفر إلي اليابان، مع عائلة آل شنب، وجنازة حسين شنب، خاصة أن رسائل حسين شنب الصوتية إلي ليلي قديمة، وكان يمكن تغيرها قبل وفاته، ولم يفلح الفيلم عموما في استغلال تلك الرسائل الصوتية مع بقية الشخصيات، بمثل ما فعل مع ليلي وزياد.

هنا ضعف خطير في حرفة الكتابة الدرامية، رغم إنجاز الخطوة الأولي، بوجود شخصيات، وحدث واحد كبير هو وفاة حسين شنب، ولكنه النفس القصير، والاستسلام لبريق الموقف والتناقضات والتفصيلات اليومية،

كل ذلك جعلنا أمام فيلم معلّق في الفراغ، لا يمكن الجملة حتي نهايته، وربما لو اقتصر علي عدد أقل من الشخصيات، ومن الخطوط، ولو عرف النماذج الأكثر محورية، والنماذج الهامشية، لكانت النتيجة أفضل وأنضج.

بشكل عام نجحت أيتن أمين في خلق جو عام جيد، وفي اختيار ممثليها في أدوارهم المناسبة، وإن كانت هيدي كرم الأكثر تميزا، ربما لأن حكايتها مع زوجها من الخطوط القليلة المكتملة بداية ووسطا ونهاية، وأعجبني كذلك استخدام أيتن لعدسة الزوم، وتأثيراتها اقترابا وابتعادا، وذلك في مواقف كثيرة، هذه العدسة نادرة الاستخدام الآن، وكانت تستخدم بشكل مزعج في أفلام السبعينيات، ولكن المخرجة قدمت توظيفا جيدا لها، كما تميز الفيلم بعناصر أخري جيدة، مثل تصوير جلال الزكي ، ومونتاج خالد معيط، وموسيقي خالد حماد.

خسارة فعلا ما حدث مع "آل شنب"، كان يمكن أن يكونوا عنوانا علي حكاية جميلة لا تنسي، ومدخلا لأفكار كثيرة، بخلاف جلسات الثرثرة والنميمة، وبخلاف رصد حالات الدروشة والتدين الظاهري، التي سرعان ما استهلكت نفسها في مشاهد متكررة، لا تستطيع أن تتجاوز نفسها، ولا تحاول أن تري ما هو أبعد وأعمق.

وكانت النتيجة أن "آل شنب" دخلوا نهائيا في مصيدة ودائرة مفرغة، ولم يخرجوا منها علي الإطلاق.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية