تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > محمود عبد الشكور > «أحمد وأحمد».. حلقات مفقودة في لعبة عبثية

«أحمد وأحمد».. حلقات مفقودة في لعبة عبثية

عاد أحمد السقا الى السينما بفيلم الصيف «أحمد وأحمد»، سيناريو وحوار أحمد درويش ومحمد عبد الله سامي، وإشراف على الكتابة كريم سامى وأحمد عبدالوهاب، وإخراج أحمد نادر جلال، وشارك السقا فى البطولة أحمد فهمي، الذى قطع بمفرده خطوات النجاح فى بطولة أفلام ومسلسلات بمفرده،

والفيلم من نوعية الأكشن كوميدي، وهى نوعية يجيدها السقا بشكل معقول، ولكن الفيلم ظل فى منطقة رمادية باهتة، ولأن هناك حلقات مفقودة حرمته من أن يكون فى مستوى أفضل، لأن العمل يفتقد البريق والتميز، رغم ضخامة الإنتاج.

بدا لى أن هذه الحلقات المفقودة ترتبط بأسباب كثيرة، منها أحمد السقا نفسه، الذى لم يكن فى أفضل حالاته، بالذات فى المشاهد الكوميدية، حيث حلّت الصنعة محل تلقائية محببة قديمة، ورغم أنه قدم مشاهد الحركة بشكل جيد، إلا أن المشكلة هنا لم تكن فى اجتهاد السقا ولياقته البدنية، وإنما فى صعوبة تصديق ذلك دراميا، لأن الشخصية التى يلعبها تعرضت لحادث سيارة مدمر، ولا يعقل أن تؤدى هذه المهارات الحركية التى شاهدناها طوال الفيلم، وفى لقطات طويلة للغاية.

الحلقة المفقودة أيضا فى الكتابة، والتى تقدم مجرد ألعاب ومطاردات، والتى تنطلق من بذرة مفارقة ظريفة جدا ، إذ يكتشف مهندس ديكور يدعى أحمد ( أحمد فهمي)، أن خاله المدرس أحمد ( أحمد السقا)، والذى فقد ذاكرته إثر مطاردة من رجال غامضين، ليس إلا لص سارق لإحدى لوحات بيكاسو، وأنه مهدد بالقتل، لو لم يعد اللوحة التى هرب بها، الى الشخص الذى طلب منه سرقتها (طارق لطفي).

أتاحت هذه المفارقة طوفانا من مشاهد الحركة، أو المشاهد الكوميدية، بعضها جيد ومضحك، ولكن ما معنى الرحلة أصلا ؟ وهل يعقل أن يتحول لص منحرف ورئيس عصابة الى مدرس للكيمياء؟!!

وما هو حصاد تلك المغامرة الطويلة التى يفترض أن تغير أحمد الشاب وأحمد اللص فاقد الذاكرة ؟ وكيف ولماذا تقبل ضحى (جيهان الشماشرجي) أن تخوض تلك المطاردة رغم معرفتها أنها مهددة بالقتل مع أحمد خطيبها، وأحمد خال خطيبها؟

هنا مشكلات بالجملة تؤكد أن إتقان بناء حبكة اللوحة المسروقة، و ظهور شخصيات تزيد من تعقيد تلك الحبكة، مثل صاحب الجاليرى ( رشدى الشامي)، الذى يطارد الخال أحمد، لأنه سرق اللوحة من معرضه، ثم ظهور خونة للخال أحمد من داخل عصابته، مثل تيمور (على صبحى)، وزميله (أحمد الرافعى)، كل هذه التفاصيل لم تتأسس على فكرة أو معنى، وإنما على ثغرات واسعة تشير الى أن الهدف هو اللعب على طريقة سلسلة «المهمة المستحيلة»، أو «عصابة أوشن»، وهى الأفلام صاحبة التأثير الأكبر على نوعية أفلام العصابات المصرية، التى تكاثرت بشدة بعد نجاح هذه الأعمال الأمريكية الشهيرة.

ما أقصده أن الكتابة صنعت اللعبة، ولكنها لم تصنع معنى للعبة، ورغم مشاهد حركة كثيرة وطويلة، ربما أكثر من اللازم، ورغم مشاهد ضاحكة، أجملها على الإطلاق مشهد ذهاب أحمد الشاب مع خاله المجرم أحمد لخطبة ضحى، وأثقلها ظلا مشاهد كباريه مولان روج، الذى ظهرت فيه غادة عبد الرازق كزوجة لأحمد اللص، رغم كل ذلك، فإن الحكاية ظلت معلقة فى الفراغ، بل إن شخصية أحمد الشاب، وأحمد اللص، ظلا مجرد شخصيات كارتونية، لا نعرف حكايتهما، ولا دوافعهما، ولا كيف وصلا الى هذا التورط؟ ولن نفهم مثلا لماذا اندمج أحمد الشاب على هذا النحو فى اللعبة؟ ولن نفهم لماذا نسى أحمد اللص كل شيء عن ماضيه ولم ينس ابن شقيقته أيضا؟ ولماذا لم يستخدم أحمد اللص ذكاءه ومهارته الحركية فى تصحيح أخطائه وليس فى استكمالها من جديد؟

كلها أسئلة لا تريد فرض تأليف جديد للفيلم، ولكنها تثبت أن رسم معالم الشخصيتين هو آخر ما فكّر فيه صناع الفيلم، إذ جذبتهما المفارقة وحدها، ووجداها مناسبة للحركة والإضحاك والسلام، فلما انتهت المغامرة، لم نر سوى انضمام أحمد الشاب، وبالتأكيد ضحى زوجته، الى عالم أحمد اللص فاقد الذاكرة، بدون أى فكرة أو هدف، وربما تمهيدا لأجزاء قادمة من سلسلة "أحمد وأحمد" .

أحب أحمد السقا، وقد كتبت كثيرا عن الدور الهام الذى لعبه فى مجال أفلام الحركة بالذات، رغم أنه، بالمناسبة، لم يكن فى ضخامة أبطال الحركة القدامى، ولكن اجتهد كثيرا فى هذه النوعية، وليس صحيحا ما يقال إنه ممثل رديء، ولكنه يصلح لنوعيات من الأفلام، ويقل كثيرا فى نوعيات أخرى، وقد أدى مشاهد الحركة فى "أحمد واحمد" بشكل جيد ومقبول، ولكنه كان أقل بكثير فى أداء المشاهد الضاحكة، وكثير منها مكتوب بشكل جيد، وكانت تحتاج الى البساطة وعدم الانفعال، بينما كان أحمد فهمى أفضل فى مشاهد الكوميديا، ولكن الشخصية نفسها حضورها الدرامى باهت، لأنها تابعة، ولا تمثل طرفا قويا فى اللعبة أو الصراع، باستثناء دورها فى استعادة اللوحة فى نهاية الفيلم!

ونفس الأمر مع شخصية ضحى، التى لا نفهم دوافعها فى خوض هذا الجنون، ولا سبب انضمامها الى هذه اللعبة العبثية الخطيرة، بل وتحولها فى النهاية الى شريك فى مغامرة استرداد اللوحة، ولو كانت الشخصية خيالية مثلا، تحب المغامرات وتبحث عنها، لكان ذلك مقبولا، ولكن لا يوجد أصلا تأسيس للشخصيات كما ذكرت، فالمهم عندهم هو ما تفعله الشخصية، وليس دوافع أو أسباب أو مبررات هذه الأفعال.

لم ينقذ الأمر، ولم يحسّن الصورة، هذا الحشد من ضيوف الشرف، ولا حركات المخرج أحمد نادر جلال الإستعراضية فى مشاهد الأكشن، مثل تثبيت الكادر أحيانا، واستخدام الحركة البطيئة، وكلها حركات قديمة لا تنقذ الدراما، والحقيقة أن مشاهد الحركة طويلة بشكل مفرط، رغم براعة مونتاجها، ورغم دور موسيقى عمرو اسماعيل الجيد فى مصاحبتها، وتكثيف تأثيرها.

"أحمد وأحمد" حكاية عن لعبة بلا معنى يقودها رجل وابن شقيقته، يمتلكان أسنانا بيضاء، وابتسامة هوليوود، ويسرقان لوحة بيكاسو مرتين، مرة من جاليري، ومرة من مزاد، وبينما انهمك صناع الفيلم فى البحث عن اللوحة، انشغلت بالبحث عن طوفان من الحلقات المفقودة فى الكتابة والأداء، وضاع الكثير من الوقت والجهد فى لعبة استعادة الذاكرة العبثية.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية