تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > محمود بسيوني > لحظة تاريخية.. مصر تشارك فى تأسيس نظام عالمى جديد

لحظة تاريخية.. مصر تشارك فى تأسيس نظام عالمى جديد

التكتل ليس معارضًا للغرب ويسعى لبناء نظام موازٍ يصحح المسار 

دول المجموعة تشكر مصر على جهود الوساطة وتدعم دعوتها للتهدئة فى الشرق الأوسط

 موقع جغرافى وبرنامج اقتصادى طموح وفرص استثمارية واعدة.. مكاسب بريكس من انضمام مصر

 الإعلام الروسى يبرز حديث الرئيس السيسى عما وصل إليه النظام الدولى من ازدواجية المعايير وغياب العدالة

لا مقارنة بين هدوء شوارع وميادين مدينة قازان الروسية الجميلة وبين صخب اجتماعات قمة البريكس 2024، صخب وسخط قادم من دول الجنوب الغاضبة من نظام دولى غير عادل، يفرض على الدول الراغبة فى النمو مسارات بعينها لا تفضى إلا إلى الغضب والألم، تتساوى هذه المسارات، سواءً كانت سياسية أو اقتصادية، فلا ذلك النظام حقق الرخاء ولا أعاد الحقوق إلى أصحابها، بل تعامل بتعالٍ شديد مع مطالبات الدول النامية بعدم تحميلها فواتير الصراعات الدولية الساخنة وتجنيبها الآثار السلبية لصراعات إقليمية فشل ذلك النظام نفسه فى حلها، حتى وصلت الأوضاع الاقتصادية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والحرب الفلسطينية الإسرائيلية إلى نقطة الانفجار فى العالم كله. 
 

النقاشات الجانبية قبل انطلاق القمة تحدثت عن إرهاصات لرسم نظام عالمى جديد يقوم على مفهوم التعددية والعدالة، وإنهاء الهيمنة، وتقوية العملات الوطنية لدول البريكس.

ومع انطلاق أعماله أصبحنا أمام حديث رسمى عن تحول التجمع المكون من 5 أعضاء إلى تكتل مكون من ١٠ دول لها ثقلها الإقليمى والدولى والاقتصادى والسكانى، حتى إن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين خلال اجتماعه الثنائى بالرئيس عبدالفتاح السيسى وصف انضمام مصر للتجمع بأنه إضافة لمسارات عمله، ويساهم فى تعزيز دوره كمنصة لتعزيز التعاون متعدد الأطراف بين الدول النامية.
وصف الرئيس بوتين تأثير انضمام مصر للتجمع بأنه إشارة بالغة الدلالة على استفادة البريكس من الحضور المصرى وقدرته على النفاذ والتأثير فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية وأفريقيا، لما تمتلكه من فرص اقتصادية واعدة على أهم مجرى ملاحى فى العالم وهو قناة السويس، وترجمتها إلى واقع دعوة الرئيس السيسى لدول البريكس من أجل الاستثمار والعمل فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وذلك بجوار المنطقتين الروسية والصينية، والاستفادة من الإصلاحات الاقتصادية والتسهيلات الممنوحة للقطاع الخاص بما يضمن نتيجة إيجابية محققة، إلى جانب قدرة مصر على فتح أسواق إفريقيا أمام حركة التجارة القادمة من كل دول البريكس، كما جاءت إشارة إعلان قازان الختامى بدعم جهود مصر الساعية لوقف إطلاق النار ووقف التصعيد فى المنطقة لتحمل تقدير دول المجموعة للجهد المصرى من أجل التهدئة ووقف إطلاق النار والعمل على منع انزلاق المنطقة إلى الحرب الشاملة.
 

بصدور إعلان قازان وما تضمنه من نقاط ومحاور سياسية واقتصادية وثقافية وكذلك اجتماعات بريكس بلس للدول الراغبة فى الانضمام إلى المجموعة والمهتمة بالتعاون وحجم الاهتمام العالمى الكبير بالقمة نجد أننا أمام لحظة تاريخية بالفعل، وإصرار من دول مؤثرة فى العالم على إقامة نظام عالمى جديد، ليس المقصود منه أن يكون معارضا للغرب، ولكن يكون موازيا له، يستجيب لحاجة العالم لنظام دولى عادل ومتكافئ، بعدما شهد النظام الحالى تهديدا خطيرا لمصداقيته، خاصة فى التعامل مع الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، بعدما تغلبت عليه السياسات أحادية الجانب بالانحياز السافر لإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية.

كان الرئيس عبدالفتاح السيسى واضحا وحاسما فى كلماته خلال مشاركته بالقمة، وأبدى إصراره على وضع القضية الفلسطينية ومحاولات تصفيتها وحصار الشعب الفلسطينى وما يتعرض له من قتل وترويع وامتداد تلك الجرائم إلى الشعب اللبنانى على رأس النقاش خلال الاجتماعات، وقدم عرضا شاملا لما تتعرض له المنطقة من تحديات سياسية واقتصادية على مائدة الاجتماع، وعبر بالفعل عن الصعوبات التى تواجهها دول الجنوب العالمى.

ولاحظ الجميع أن النقاش تحول من ساحة الاقتصاد رغم أهميته إلى ساحة السياسة، وأفردت المواقع والقنوات الإخبارية الروسية مساحات واسعة لتغطية حديث الرئيس السيسى عما وصل إليه العالم والنظام الدولى من تفريغ للمبادئ وازدواجية للمعايير وغياب المحاسبة والعدالة تجاه الانتهاكات التى ترتكب فى حق المواثيق الدولية وقواعد القانون الدولى الإنسانى.

وصف الرئيس بشكل دقيق حال النظام الدولى بعد أحداث الشرق الأوسط وحالة الانكشاف الكامل لدول تدعى الدفاع عن حقوق الإنسان وتغض الطرف تماما عن قتل المدنيين ومحاصرتهم وتجويعهم فى قطاع غزة، بينما تقف الآليات الأممية ومحكمة العدل والجنائية الدولية فى موقف العاجز قليل الحيلة تجاه الجرائم الإسرائيلية. 

ونجحت مصر فى دفع دول تجمع بريكس إلى الوقوف معها ضد المحاولات الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، بالدعوة لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية كحل وحيد لإنهاء الصراع، ومطالبة الأمم المتحدة بإعطاء فلسطين العضوية الكاملة، وذلك انتصار مهم للقضية الفلسطينية بأن تبقى على الساحة الدولية وأن تتصدى مجموعة بريكس لمحاولات إسرائيل فرض الأمر الواقع واحتلال مزيد من الأراضى بالمخالفة للقانون الدولى. 

وهنا يثور السؤال.. هل يمكن أن يكون لمجموعة بريكس تأثير على الأوضاع ودفع إسرائيل نحو التهدئة والتراجع عن مخططات احتلال الأراضى الجديدة فى غزة ولبنان؟ 

بالتأكيد يمكن الرهان على وجود دول بحجم وثقل الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا ومصر والإمارات فى الضغط الدبلوماسى على الحكومة الإسرائيلية، بل هناك اتفاق على نفس مطلب التهدئة مع الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية حول دفع إسرائيل للالتزام به ومنع نشوب حرب إقليمية أصبحت قاب قوسين أو أدنى، بمعنى أدق أصبحت الحكومة الإسرائيلية خطرا على نفسها والعالم.

العالم الآن يحذر من التصعيد، و«بريكس» يعبر عن طيف واسع من الدول المنتشرة فى كل قارات العالم، ويسعى لإقامة نظام عالمى جديد، وتعد فلسطين اختبارا حقيقيا لقدرته على وقف سياسات الهيمنة، ولعب الدور المطلوب لإرساء العدالة والدفع نحو عالم متعدد الأقطاب.

بل هناك أفكار تقول إنه فى حالة استمرار العدوان الإسرائيلى يمكن أن تطبق المجموعة عقوبات تجارية على إسرائيل، ويمكن الاتفاق عليها مع دول أخرى من خارج «بريكس»، لتشكل ضغطا قويا على الحكومة الإسرائيلية من أجل وقف الجرائم وتجنب الحرب الإقليمية.  

التصدى للمخطط الإسرائيلى لجر المنطقة لحرب شاملة يحتاج إلى توحيد الجهود العربية والدولية ودخول أطراف متعددة تملك أدوات ضغط، ولذلك دخول «بريكس» على خط الأزمة مهم وحيوى، خاصة أن المسارات مترابطة بين السياسة والاقتصاد، فما تسعى إليه المجموعة من تنمية لاقتصادات دول البريكس لن يتحقق فى الجزء العربى لتأثر الاقتصاد المصرى بالصراع الممتد، فطرق التجارة معطلة، وحركة الملاحة بخليج عدن والبحر الأحمر تأثرت سلبا، وهو ما أثر بدوره على حركة سلاسل الإمداد العالمية، ولذلك فإن توقف الصراع وحل الأزمة يحقق مصلحة جماعية لدول البريكس.

إن التصدى بشكل جماعى لمحاولات فرض سياسة أحادية ومنفردة - كما وصفها الرئيس السيسى- سيجعل «بريكس» أقوى وأكثر فاعلية على الساحة الدولية، وسيدفع المزيد من الدول إلى الانضمام وتوسيع دائرة المشاركة، بما يعالج الخلل الموجود فى النظام العالمى، ويمكن استثماره بعد ذلك فى تقوية دور الأمم المتحدة، بعدما أنهكتها صراعات القوى الكبرى.

الرسالة وصلت أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، فكانت كلمته أمام  قمة «بريكس» إيجابية، حيث رحب بتوجه المجموعة، ووصفها بأنها تمثل نصف سكان العالم، فيما يمثل اعترافا ضمنيا من الأمم المتحدة بأن «بريكس» تحولت إلى قوة مؤثرة دولية، معربا عن ترحيبه بتمسك المجموعة بالقيم ودعمها لحل القضايا الدولية، وذلك عبر الحوار والطرق الدبلوماسية.

انتهت قمة قازان بصيغة الكل رابح، روسيا كسرت عزلتها الدولية، وتحركت مع الهند والصين لتشكيل أقطاب مؤثرة فى القرار الدولى، عبر اتفاق يرفض هيمنة أية قوى على الساحة الدولية، فيما ربحت المجموعة العربية حشد دول الجنوب ضد المخططات الإسرائيلية، ودخول أطراف جديدة على خط أزمة الشرق الأوسط على أمل خفض التصعيد.. وأقول بحذر إن الأمل  فى ظل سيطرة المتطرفين على الحكومة الإسرائيلية أمر مستبعد.. والسلام لا يزال بعيدًا.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية