تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
صراحة الحوار الوطنى
استمر الحوار من العاشرة صباحا وحتى الثانية عشرة من صباح اليوم التالى، وكان هناك حرص شديد على الاستماع لكل الآراء والحصول على الاقتراحات المكتوبة، سواء لتعديلات قوانين أو لاقتراحات ببدائل للحبس الاحتياطى، وتابعت بإعجاب حقيقى إدارة الحوار الحازمة للصديق ضياء رشوان المنسق العام للحوار الوطنى، والملاحظات الفنية القانونية للمستشار محمود فوزى وزير الشئون النيابية والقانونية ورئيس الأمانة الفنية، وقدرتهما على احتواء الجميع والمحافظة على دفة الحوار باتجاه الهدف المطلوب، ولمست منهما احتراما حقيقيا للرأى والرأى الآخر، وتحمل الانتقادات بهدوء وسعة صدر.
أما الملاحظة الأهم هى مهنية وحرفية الأمانة الفنية للحوار، وكل أعضائها من خريجى البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب على القيادة، وقد رصدت جهدهم فى متابعة أدق التفاصيل، وتوفير الإجابة على أى استفسار، وتسهيل وتيسير عمل الجلسات، رغم إرهاق ومشقة الجلسات الطويلة والممتدة .
لاشك أن ذلك النوع من الصراحة والشفافية أضحى عنصرا ملازما للحوار الوطنى، منذ دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى ذلك الحوار، الذى يضم كل ألوان الطيف السياسى المصرى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ويدور فيه النقاش بدون خطوط حمراء، وهو أمر مبشر فى ظل التحول السياسى والانفتاح على علاج التحديات الحقوقية، وصدور الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ووضع الدولة جدولا زمنيا لتحقيق تقدم فى ملفات كانت تعتبر من تابوهات العمل السياسى المصرى على مر العصور، مثل علاج الحبس الاحتياطى وصدور قانون لتداول المعلومات وتعديل قانون الإجراءات الجنائية .
وكانت الإرادة السياسية حاضرة منذ اليوم الأول بصدور قرارات العفو الرئاسى، وتعاون مؤسسات الدولة المعنية مع لجنة العفو الرئاسى فى دراسة أوراق المفرج عنهم، وكذلك تعاونهم مع المجلس القومى لحقوق الإنسان ممثلا فى لجنة الشكاوى، ونجاح التعاون بين الآليات الوطنية لتحقيق اختراق حقيقى فى الملف الصعب، تكلل فى النهاية بموافقة الرئيس وعودة المفرج عنهم إلى أسرهم وحياتهم الطبيعية.
بالتأكيد الحوار حول الحبس الاحتياطى والتحوط الحقوقى من عدم تحولها إلى عقوبة فى حد ذاتها يضغط على أجهزة الأمن حول العالم، لأن كثيرا من القضايا وتحديدا المتعلقة بالإرهاب تتطلب وقتا طويلا من أجل الوصول إلى أدلة قاطعة، فى ظل تطور العمل الإجرامى وتجاوزه للحدود الجغرافية، وامتداده باتساع القارات، وتوفير بعض الدول مأوى للمتهمين بالإرهاب، وعدم جدية الآليات الدولية فى تعقب الجريمة الإرهابية والقضاء عليها، بالإضافة لوجود دول تستخدم الإرهاب وتحمى تنظيماته تحت مسميات مختلفة.
ولذلك لا يقتصر الحوار حول الحبس الاحتياطى على مصر فقط، بل يمتد إلى دول أخرى مثل فرنسا والولايات المتحدة، وإن كانت البدائل الإلكترونية متوافرة، لكن التخوف من بقاء الشخص محل التحقيق حرا ربما يعرض الأدلة وحياة الناس للخطر قبل صدور الحكم إذا كان هو الجانى فعلا، والحق فى الحياة من حقوق الإنسان، وتوفير الأمن مهمة أصيلة لأجهزة إنفاذ القانون .
الموقف الحقوقى المجرد ينطلق من حق الإنسان فى محاكمة عادلة، ولذلك كانت هناك تحذيرات عديدة، قادمة من مؤسسات وطنية مثل المجلس القومى لحقوق الإنسان، وكان يمثلها فى النقاش السفير محمود كارم نائب رئيس المجلس، وإشارته إلى حرص المجلس على الاشتباك مع قضية الحبس الاحتياطى منذ تأسيسه، وحرصه على تطبيق الدستور المصرى، الذى كفل لكل مواطن الحق فى محاكمة عادلة ومنصفة، وتوفير ضمانات حقوق الإنسان للمتهم فى مرحلة التحقيق والمحاكمة والحبس الاحتياطى، لافتا إلى اجتهاد المجلس فى توفير تصور لاستخدام البدائل الإلكترونية الحديثة، والمشاركة فى تعديل قانون الإجراءات الجنائية.
وأشار السفير كارم إلى اهتمام المجلس بعملية جبر الضرر وإعادة التأهيل، والاستفادة من التكنولوجيا فى تحقيق فلسفة عقابية جديدة، تؤكد على حق المتهم فى الحصول على كافة حقوقه خلال فترة التحقيق.
والحقيقة كانت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين أول من بادر بالتحرك فى عملية الدمج والتأهيل للمفرج عنهم، وتقديم كل المساعدات الممكنة لمواجهة الضغوط والأعباء المالية والاجتماعية التى يواجهونها.
وقد تابعت شخصيا تشكيل التنسيقية لفريق كبير، يشمل نواب محافظين وبرلمانيين ونشطاء حزبيين وغيرهم، للتواصل مع المفرج عنهم مؤخرا، لتقديم كل أوجه الدعم والمساعدة على تذليل كل العقبات التى تقف فى سبيل عودتهم إلى حياتهم الطبيعية، وشاركت بنفسى فى مساعدة إحدى الحالات فى العودة لعملها السابق فى مجال الإعلام.
وركزت التنسيقية على تقديم الدعم النفسى من خلال جلسات دورية مع متخصصين، وإجراء فحوصات وتحاليل طبية، وتقديم دعم مادي للحالات الأشد احتياجا، وتسديد المصروفات المدرسية لأبناء المفرج عنهم وغيرها من سبل الدعم المباشر.
لكن ثمة معوقات تعطل تلك الجهود نسبيا، حيث لاتزال هناك صعوبة فى إجراءات إعادة الطلاب المفصولين نهائيا إلى الجامعات الحكومية، والحال بالمثل مع بعض الموظفين المفصولين من أعمالهم، لا سيما فى قطاعي الكهرباء والبترول، بسبب اللوائح الداخلية لتلك الشركات، إلا فى بعض الحالات الفردية التى عادت للعمل مرة أخرى بتلك الشركات، بعد جهود مضنية من الأعضاء مع الوزارات والمؤسسات المعنية.
وقدمت اقتراحا محددا لإدارة الجلسة الثانية ببحث قيام النيابة العامة بنشر بيان لجبر ضرر المفرج عنه، بعد حبسه احتياطيا لمدة تتجاوز المدة القانونية، وأن يكون النشر فى الصحف والمواقع ليتم تبرئة ساحته وحفظ كرامته أمام أسرته ومحيط عمله، أتمنى النظر فيه لتأثيره النفسى الإيجابى على المفرج عنه وأسرته بعد معاناة الحبس، ونظرة المجتمع السلبية له طوال فترة احتجازه .
ما أسفر عنه النقاش سيكون موجودا أمام الرئيس والحكومة، النقاش بكل أبعاده وزواياه، مفصل بكل صراحة ووضوح كما تابعته مع غيرى من الحاضرين، سواء منتمين لأحزاب سياسية أو نشطاء حقوقيين أو رجال قانون، والإرادة السياسية متوافرة لإنهاء الملف، والدليل قوائم الإفراج المتتالية، والتى تستجيب بالأساس للآليات الحقوقية الوطنية والقوى السياسية المصرية، وهو أمر يرفع بالتأكيد منسوب الثقة فى قدرة الحوار الوطنى على تحقيق طموحات القوى السياسية المختلفة فى إصلاح سياسى حقيقى ومستدام.
ولا أبالغ فى القول إن الحوار الوطنى بهذه الصيغة يحقق التحول الديمقراطى المأمول بصيغة وطنية واضحة، ويوظف طاقات كل التيارات فى تحقيق أهداف ذلك التحول، ويحولها إلى واقع، فما تم طرحه خلال النقاش بالفعل يحقق الإنصاف لمن تعرض لتجربة الحبس الاحتياطى دون ذنب ولم يرتكب جريمة، ويضع أمام الدولة ومتطلبات الأمن البدائل بشتى أنواعها، ويساعد الدولة المصرية فى تحقيق التزامتها الدولية، مع اقتراب موعد المراجعة الدورية الشاملة لحالة حقوق الإنسان فى مصر أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
قطع الحوار الوطنى الطريق على عبث وتشويه طيور الظلام، ودشن لحقبة ديمقراطية تتواءم مع تطلعات الجمهورية الجديدة، برؤية مصرية تقبل التنوع والاختلاف، لأنه لا يفسد للوطن قضية.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية