تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
..والحوار الدائم أيضًا
دعوة الرئيس السيسى إلى حوار وطنى أيقظت الحياة السياسية واستدعت القوى الحية إلى الساحة. وإن كان الرئيس لم يحدد للحوار نطاقا لا من حيث الموضوع ولا من حيث المشاركين، والمفهوم بالضرورة ما دام حوارًا وطنيًا أن يكون محله الشأن الوطنى وأن يشارك فيه أبناء الوطن المؤمنون بالمواطنة باعتبارها دون غيرها مناط الحقوق والواجبات العامة بلا تمييز على أساس الدين أو العرق أو النوع.
والمواطنة بهذا المعنى هى صك الإنتماء وضمان المساواة وحصن الوحدة الوطنية أو بعبارة أخرى مكون أساسى من مكونات مفهوم الوطن وغنّى عن البيان أن الحوار لا يشارك فيه الخارجون على الوطن والمنكرون لوجوده.
وما دام هذا الحوار قد دعى إليه رئيس الدولة فهو إذن حوار طارئ تقتضيه اعتبارات حملت الرئيس على الدعوة إليه، كمواجهة أزمات طارئة أو تحولات كبرى فى العالم الذى نعيش فيه أو بداية مرحلة جديدة من مراحل العمل الوطنى ولعل جميع هذه الاعتبارات قائمة اليوم وسوف تفرض جدول الأعمال.
إلا أننا يجب أن نفرق بين هذا الحوار الذى يشغل بال الجميع وبين الحوار الدائم الذى يجرى فى مداراته العادية كالمجالس العامة والخاصة ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعى التى أصبحت فى العقدين الأخيرين أرحب هذه المدارات وأكثرها حيوية. وهذا الحوار يتناول شواغل الإنسان من حيث كونه إنسانًا وفى هذا الإطار الواسع يختص الشأن الوطنى سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا بنصيب وافر.
وتعد درجة إتاحة هذا الحوار الدائم مقياسًا لمدى ازدهار الحريات العامة فى بلد من البلدان وهو ما يدعونا إلى تدعيم هذه الاتاحة وتأمينها، لأن الحريات العامة وفى القلب منها حرية التعبير وسيلة أساسية لخلق الرأى العام المستنير وكشف مواطن الخلل فى المجتمع ورصد التغيرات التى تطرأ عليه وهى أيضًا قناة لا غنى عنها للتواصل بين الحاكم والمحكوم بعيداً عن اختناقات والتواءات القنوات الرسمية. مجمل القول أن الحريات العامة هى مصدر حيوية المجتمع وأساس صموده فى وجه الأزمات ودليل صلابة الإرادة الوطنية.
وقد يكون الحماس الشديد للحوار الطارئ مؤشرًا على تعطل الحوار الدائم، أو بعبارة أدق على عدم كفاية درجة الاتاحة لاستيعاب الرغبة العارمة فى المشاركة بالرأى فى الشأن الوطنى.
ولا شك أن صدمة ما سمى بالربيع العربى وما صاحبها من انفلات أمنى وفوضى عارمة ولّدت لدى قطاعات واسعة من الشعب المصرى نزوعًا شديدًا إلى العودة إلى الانضباط وسيادة القانون وقيام الدولة بدورها الرئيسى فى حفظ أمن المواطن وسلامة الوطن وهى حركة بندولية يعرفها التاريخ السياسى.. والثورة تُرجح كفة الحرية على كفة النظام ثم تذهب إلى مدى أبعد من المحتمل فيعود البندول بشىء من الشدة إلى الطرف المقابل فترّجُح كفة النظام على كفة الحرية فإن بالغ فى هذا الاتجاه يعود مرة أخرى فى الاتجاه الآخر. والحكمة السياسية تقتضى من الحاكم والمحكوم معًا ضبط حركة البندول بحيث تظل حركته فى المنطقة الوسطى.
هذا ما يجب أن نسعى إليه اليوم ونحن بصدد بناء الجمهورية الجديدة وتدعيم الوفاق الوطنى الذى نشأ بعد ثورة 30يونيو، فلنعيد النظر فى تشديد بعض القوانين التى اقتضتها المرحلة السابقة مثل مد الحد الأقصى للحبس الاحتياطى والتوسع فى العقوبات المقيدة للحرية فى كل من قانون التظاهر وقانون تنظيم وسائل التواصل الاجتماعى خاصة وأن القواعد العامة تفى بالغرض دون تفريط أو إفراط، وإلغاء التشريع المتشدد أفضل من لجان العفو التى قد تمنح وتمنع بلا ضوابط ترضى الجميع.
وبصرف النظر عن ملكية وسائل الإعلام خاصة كانت أو عامة، فإن الدولة، أى دولة لم تعد قادرة فى عصر الفضاء المفتوح على احتكار الرأى والخبر وكان السعى إلى هذا الاحتكار فى الماضى هو الذى حمل بعض الأنظمة على تملك وسائل الإعلام للسيطرة عليها بسيف المعز وذهبه.
أما اليوم وإن كانت السيطرة على الإعلام الوطنى مازالت ممكنة عمليًا، إلا أنها لا تؤدى إلى النتيجة المرجوة فى فضاء مفتوح بل تؤدى إلى نتيجة عكسية وهى تقزيم صوت الوطن أمام الأصوات الأخرى. مع ملاحظة أن حرية الإعلام لا تعنى الفوضى الإعلامية وإنما تضبطه عبر مراعاة قواعد المهنة وتجريم الخروج عليها ورفع الكفاءة المهنية وترسيخ قيم الضمير المهنى.
مجمل القول إننا نريد إقامة الجمهورية الجديدة فى مناخ سياسى صحى لا تقل رعايته أهمية عن رعاية المناخ الكونى الذى يجذب اهتمام الإنسانية كلها.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية