تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
المنظمات الدولية بين إدارة الصراعات وصناعة الواقع الجديد!
في عالمٍ تتغير فيه التحالفات وتتبدل فيه الأدوار، لم تعد المنظمات الدولية تُطفئ الحروب، بل تُبقيها مشتعلة بالقدر الذي يسمح بإعادة رسم خرائط النفوذ الجديدة
في العقود الأخيرة، بدا أن المنظمات الأممية والإقليمية فقدت وظيفتها الأصلية في حل النزاعات ووقف الحروب، لتتحول تدريجيًا إلى مؤسساتٍ تُدير الأزمات وتُعيد إنتاجها في صيغٍ جديدة تخدم مصالح القوى الكبرى، فبدلًا من أن تكون الأداة التي تُطفئ النار، أصبحت في كثيرٍ من الأحيان من يدير لهيبها ضمن معادلاتٍ سياسية واقتصادية متشابكة!
لقد تحوّل المشهد الدولي إلى ساحةٍ مفتوحة لإعادة توزيع النفوذ والموارد، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط التي تحولت إلى المختبر الأكبر لهذه السياسات ، ففي سوريا مثلًا طال أمد الأزمة لأكثر من عقد ونصف ، بينما تراجع دور الأمم المتحدة إلى مجرد مراقبٍ للعبةٍ تُدار بين موسكو وواشنطن وطهران.
وفي اليمن، تكاثرت المبادرات والوساطات لكن الحرب ما زالت تُدار على إيقاع المصالح الإقليمية والدولية لتتحول العملية السياسية إلى إدارةٍ للأزمة لا حلٍ لها !
أما في ليبيا تغيرت الحكومات وتبدلت خطوط السيطرة، وبقيت البعثة الأممية تدير مفاوضات تُعيد الأزمة إلى نقطة البداية كل مرة في دورةٍ لا تنتهي !
وفي السودان الأزمة والحرب الطاحنة لا تراوح مكانها، وهي بين الكر والفر للوصول إلي نقطة اعتراف بالجاني والمجني عليه سواء بسواء لخلق واقع جديد!
ولا يختلف المشهد في فلسطين كثيرًا، حيث تكتفي الأمم المتحدة بإصدار بياناتٍ متكررة تدين وتستنكر، دون أن تُترجم قراراتها إلى فعلٍ مؤثر على الأرض. وهكذا يتكرس مفهوَم الوضع القائم كحل واقعي، لا كعجزٍ مؤقت.
إن الانتقال من " إدانة " طرف في الصراع إلى الاعتراف به كأمرٍ واقع أصبح جزءًا من أدوات إدارة النزاعات الحديثة ، فغالبًا ما تبدأ المنظمة بإدانة أحد الأطراف ثم تعود لتساويه بالطرف الآخر في المفاوضات، لتخلق توازنًا هشًا يخدم فقط استمرار النفوذ الدولي ويكون واقعا تحت تأثير القوي الكبرى
ومع طغيان البرجماتية السياسية، تابعنا ونتابع تحولات أكثر خطورة تمثلت في التعامل مع قادةٍ وكياناتٍ كانت مصنفة كإرهابية، ثم أعيد دمجها سياسيًا حين اقتضت المصالح ذلك وهكذا تتبدل المفاهيم تبعًا لموقع المصلحة لا لمبادئ القانون الدولي.
وهنا – من الطبيعي - تتصاعد الأسئلة:
هل تحمل الأنظمة الأساسية لهذه المنظمات عوامل فشلها البنيوية منذ التأسيس عندما تم تقييد آليات القرار بحق النقض " الفيتو " والاعتبارات السياسية للدول الكبرى، أم أن المنظومة الدولية نفسها فقدت قدرتها على الحياد، بعد أن أصبحت جزءًا من أدوات إدارة النفوذ العالمي؟
ومع إرهاصات تشكل ملامح نظامٍ عالمي جديد متعدد الأقطاب، تتضاعف الأسئلة أيضا حول المستقبل: هل سيفتح هذا التعدد الباب أمام حلول أكثر توازنًا وعدلًا، أم أننا سنكون أمام تحالفات جديدة تعيد إنتاج النمط ذاته بوجوهٍ مختلفة، حيث لا نرى في الأزمات سوى فرصٍ للهيمنة والمصالح؟
لقد أصبح من الواجب والضروري إعادة التفكير في الدور الحقيقي للمنظمات الأممية والإقليمية: هل نشأت عقب حرب عالمية وأزمات دولية لتقدم حلولًا للنزاعات، أم لتُديرها بما يضمن استمرار مصالح الكبار؟ وهل يمكن إصلاح منظومة وُلدت من رحم الحرب الباردة لتواكب عالمًا جديدًا متعدد المصالح والهويات، أم أننا ببساطة أمام مرحلة جديدة من التاريخ تُدار فيها الأزمات لا لكي يتم حلها، بل يتم استخدامها؟
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية