تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > محمد نوار > القصص القرآنى.. والقصص الأدبى!

القصص القرآنى.. والقصص الأدبى!

فى كتاب الفن القصصى فى القرآن الكريم، يرى المؤلف محمد أحمد خلف الله أن القصة فى القرآن لا تلتزم الصدق التاريخى: «بدليل التناقض فى رواية الخبر الواحد مثل أن البشرى بالغلام كانت لإبراهيم أو لامرأته».


ولا يوجد تناقض لأن البشرى جاءت بها الملائكة للنبى إبراهيم عليه السلام: (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ) الصافات 112، كما جاءت بالبشرى لامرأته: (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ) هود 171، فالبشرى تلبى رغبة كل منهما فى طلب الذرية. 


ويرى خلف الله: «إن الإجابة عن الأسئلة التي كان يوجهها المشركون للنبى ليست تاريخية ولا واقعة، وإنما هى تصوير نفسى عن أحداث مضت أو أغرقت فى القدم، سواء كان ذلك الواقع متفقًا مع الحق والواقع، أو مخالفًا له».

ومع أن الأسئلة للنبى أخبر عنها القرآن، وكان النبى عليه الصلاة والسلام منتظرًا منه الإجابة على أسئلة فى أمور الدين، وتوضيح أمور تحدث عنها القرآن، إلا أن النبى كان لا يتلو الآيات التي نزلت من قبل فى نفس الموضوع، وكان ينتظر نزول الوحى بآيات تؤكد الآيات السابقة أو تأتى بأمر جديد.

 
مثلًا نزلت آيات مكية تحض على رعاية اليتيم: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) الضحى 9، (كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) الفجر 17، (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) الأنعام 152. 

ثم نزلت آيات فى المدينة تؤكد على رعاية اليتيم: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) الإنسان 8، وقوله تعالى: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ) البقرة 177.


ومع ذلك سألوا النبى عن اليتامى، وانتظر النبى الإجابة ولم يقرأ عليهم الآيات عن رعاية اليتيم وحقوقه، ونزل قوله تعالى يجيب السؤال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) البقرة 220، وهذه الإجابة تؤكد ما سبق بيانه من رعاية اليتيم. 

 
ويرى خلف الله أن: «القصة هى العمل الأدبى الذي يكون نتيجة تخيل القاص لحوادث وقعت من بطلٍ لا وجود له، أو لبطلٍ له وجود، ولكن الحوادث التي ألَمَّت به لم تقع أصلًا، أو وقعت ولكنها نظمت على أساس فنى، إذ قدم بعضها وأخر بعضها، أو حذف بعضها وأضيف إلى الباقى بعض آخر، أو بولغ فى تصويرها إلى حد يخرج بالشخصية التاريخية عن أن تكون حقيقية إلى ما يجعلها فى عداد الأشخاص الخيالية، وهذا قصدنا فى هذا البحث من الدراسة القرآنية».

 
عرف خلف الله القصة بأنها العمل الأدبى الذي يكون نتيجة تخيل القاص، ولا يهمه فى تخيله أن تكون الحوادث التي ألفها من خياله وقعت أو لم تقع أصلًا، أو وقعت من بطل له وجود أو لا وجود له.

أما القصص القرآنى ففيه أخبار الأمم السابقة، وكان يتكلم من خلال الغيب عن ماضى أمم اندثرت بعد إهلاكها وضاع معها تاريخها: (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) هود 49، أى أن قصص الأنبياء نوح وهود وصالح وشعيب وقومهم كانت من أنباء الغيب أوحاها الله لرسوله، وما كان يعلمها ولا كان قومه يعلمون بها قبل ذلك.

إعجاز القصص القرآنى يتمثل فى كونه المصدر الوحيد الذي عرفنا من خلاله تاريخًا ضاعت معالمه وأصبح غيبًا لا يعلمه إلا الله. 

ولم يتوقف إعجاز القصص القرآنى على الإخبار بأحداث الزمن الماضى، وإنما أخبر بما سيكون فى المستقبل من أحداث تاريخية حدثت بعد نزول الوحى، فالقرآن الكريم غطى الزمن الماضى والحاضر والمستقبل.

ومثال فى القرآن إشارات عن النصر فى موقعة الأحزاب: (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا) الأحزاب27، ونصر الروم: (غُلِبَتِ الرُّومُ. فِى أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِى بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ) الروم 2-4.

 

لقد جاء القرآن بمنهج مختلف للقصة نرى فيها نماذج إنسانية حقيقية مثل قصة النبى يوسف عليه السلام، وإخوة يوسف، والقافلة التي عثرت عليه، وعزيز مصر الذي اشتراه، وامرأة العزيز، والنسوة المترفات فى المدينة، والشاهد الذي اكتشف افتراء امرأة العزيز على يوسف، وصاحبا يوسف فى السجن، ثم الملك الذي رأى الرؤيا، وحقق فى الاتهام الباطل ليوسف، وجعله عزيز مصر.


جاء القصص القرآنى بتاريخ السابقين للعبرة: (لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِى الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يوسف111، حيث إن التاريخ عادة ما يعيد تكرار الأحداث.


العمل الأدبى من تخيل القاص.. والقصص القرآنى يتكلم عن أمم اندثرت وضاع تاريخها!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية