تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
سطوع «الدراما المصرية» فى فضاء الجمهورية الجديدة
أتابع ما ينتج من دراما فى مصر منذ سنوات الطفولة، سحرتنى الشاشة الصغيرة (مسلسلاتها وبرامجها)، التي كانت قديمًا (أبيض وأسود)، ثم اختطفتها (باليتة) الألوان وأعادت تشكيلها بصريًا، وفتحت أمامها أبواب الخيال والتنوع فى الموضوعات واتجاهات الدراما، وتزامن ذلك مع الميلاد الحقيقى لما يمكن أن نسميه «مدرسة الدراما التليفزيونية المصرية»، والتي لمع فيها أسماء مبدعين وأساتذة كبار فى الكتابة والإخراج والتمثيل منذ أواخر سبعينيات القرن الماضى حتى مطلع القرن الحالى.
قبل أن يتراجع المسلسل المصري فى ظل متغيرات عصرية (سياسية واقتصادية واجتماعية) داهمت الصناعة، وسحبت البساط تدريجيًا من تحت أقدام مبدعيها فى مصر، لصالح منافسين أقوياء ظهروا تباعًا، كان أولهم الدراما السورية (بدعم خليجى) ثم طوفان الدراما التركية، وتلاها غزوات درامية من مختلف الجنسيات اتسعت حتى شملت دولًا من شتى بقاع العالم، فتابعنا المسلسل الكورى والأسبانى والهندى، وطوال الوقت كانت تلهينا الدراما الأمريكية. ظهرت على استحياء فى عصر تليفزيون الدولة بأعمال مختارة تناسب التقاليد والعادات المصرية، قبل أن ينفلت عيارها على شاشات خاصة تطاردنا فيها الدراما الأمريكية (بفيروساتها المجتمعية) فى كل مكان، وتفرض هيمنتها على الذوق العام، وتشكل تيارا فكريًا مؤثرا حتى على ما ينتج فى الدراما المصرية.
ثورة المشاهدة
وبالتوازى مع ذلك تغير شكل المشاهدة التقليدى، من تليفزيون إلى كمبيوتر وصولا إلى الموبايل، الجمهور تحت الحصار مخدرا بشعار «المشاهدة عند الطلب» بين تطبيقات (ومواقع) المشاهدة المجانية والمنصات الرقمية المدفوع اشتراكها مقدمًا، والتي تقف خلفها رؤوس أموال ضخمة وأهداف غامضة، تتسابق فى فضاء مفتوح للاستحواذ على عقول ووجدان المشاهدين حول العالم، ومنهم المصري والعربى بالطبع.
ميلاد الدراما الجديدة
وقد أدركت الدولة المصرية فى أعقاب ثورة 30 يونية 2013، أهمية الدراما وتعاملت معها كملف استراتيجى (أمن قومى) بمهارة واحترافية، ورغم مرور السوق الدرامية بمرحلة انتقالية قاسية، استدعتها ضرورات تقويم جموح السوق الدرامية، وحتمية جمع شركات الإنتاج داخل إطار الوطنية المصرية، وكبح جماع التدخلات الخارجية ورؤوس الأموال الساخنة التي تدفقت على مصر خلال الفترة ما بين 2011 و2013، والتي سبقها انفتاح غير مسبوق وعشوائية درامية لا تحتمل، أربكت العقل المصري وشتت المجتمع فى طواحين هواء تطارد هراء الأفكار، وكان ذلك أحد ملامح ما سمى «حروب الجيل الرابع»، والتي كانت الدراما الأداة الأسرع لتحقيق أهدافها.
وقد اجتهد مبدعو الدراما المصرية خلال سنوات التصحيح، وعانى كثيرون من صناعها فى الطريق نحو صياغة مشروع درامى مصري وطني يشكل مظلة توعية وقناة تنوير وتثقيف، تحمى المصريين وتبنى بهم ولهم «دراما الجمهورية الجديدة».
ويجدر الإشارة إلى أن نجاحا كبيرا تحقق خلال العامين الأخيرين فى عمر الدراما المصرية، كثمرة لجهد متصل سبقه فى سنوات تصحيح المسار، ويقف خلف هذا النجاح أسماء وشركات تستحق التقدير والاحترام، يمثل الموسم الرمضانى لهم حصاد جهد عام كامل من التخطيط والتفكير والسهر والإبداع ومطاردة الأفكار وتطويرها، وصولًا إلى دخولها مراحل التنفيذ المختلفة من سيناريو تتم مراجعته وتطويره إلى ترشيحات الممثلين ومعاينات أماكن التصوير ثم بدء التصوير وما يتبعه من مراحل إنتاجية مختلفة، حتى تظهر حلقات المسلسلات التي يتابعها الجمهور بشغف عبر شاشات الفضائيات المصرية والعربية.
كبير «أسطوات» الدراما
فى صمت الصناع المهرة وعمق رؤيتهم، هضم الكاتب الكبير يسرى الفخرانى ما جرى فى العالم حولنا، وهو يحمل فى وجدانه (وعلى أكتافه) ما تربينا عليه من إبداعات مدرسة الدراما المصرية الأصيلة، وببساطة طريقته فى مشروعه الكبير (باب رزق)، بدأ يغزل ملامح الدراما المصرية فى الجمهورية الجديدة، دراما تعتمد بشكل أساسى على رؤية وطنية خالصة، تعمل وفق آليات الإبداع الإيجابى التي أضاءت أركان الدراما المصرية التي أنتجتها الشركة المتحدة فى ظل وجوده كرئيس بارع وموهوب للمحتوى الدرامى.
وإذا جاز لى فإنى أمنحه لقب «كبير أسطوات» هذه الصناعة، والتي أصبح يعول عليها الكثير فى صناعة مستقبل العقل المصري، وقد نضجت طبخته الدرامية مع السنوات بصورة جديرة بالانتباه، ولم يعد الأمر مقصورا على رقى وجودة الإنتاج الدرامى خلال شهر رمضان، بل إن الشركة المتحدة حرصت على تقديم أعمال متميزة خارج الموسم الرمضانى ومنها: «وبينا ميعاد»، «إيجار قديم»، «إلا أنا»، «ريفو»، «قسمتى ونصيبي»، «الأصلى»، سواء للعرض التليفزيونى أو على منصة watch it.
سعدى وجوهر
فيما خلق وجود شركة «ميديا هب» والتي يمتلكها رجلا الأعمال (والإعلان) إيهاب جوهر ومحمد السعدى، ضمن باقة شركات المتحدة للإنتاج الدرامى شكلا مميزا لما تقدمه المتحدة دراميًا خلال الموسمين الأخيرين، حيث مثلت الشركة إضافة حقيقية لإنتاج محتوى يجذب شرائح جديدة من المشاهدين، ونجحت الشركة رغم حداثة عمرها الدرامى أن تقدم إنتاجا متميزا يضاهى ما تقدمه شركات الإنتاج الكبرى لتنضم إلى قائمة التفوق الدرامى والتي تتصدرها شركة «سينرجى» رأس الحربة فى سوق الدراما المصرية، ومنتجة أهم الأعمال الدرامية فى السنوات الأخيرة ودرة هذه الأعمال مسلسل «الاختيار» بأجزائه الثلاثة.
وتقدم «ميديا هب» فى رمضان هذا العام مسلسلات «رسالة الإمام»، «جعفر العمدة»، «الصفارة»، «علاقة مشروعة»، بالإضافة إلى مسلسل «تحت الوصاية» الذي يعرض فى النصف الثانى من الشهر الكريم، وتحقق هذه المسلسلات نجاحا كبيرا وتتقدم سباق المنافسة فى رمضان هذا العام، إلى جوار مسلسلات «سره الباتع»، «الكتيبة 101»، «الكبير أوى- الجزء 7»، «سوق الكانتو»، «ضرب نار» التي تنتجها شركة سينرجى صاحبة أكبر رصيد من المسلسلات المتميزة خلال السنوات العشر الأخيرة.
الجمهور والقوة الناعمة
وقد عرضت «القاهرة الإخبارية» الذراع الدولية للإعلام المصري، 13 تقريرًا مميزًا على شاشتها الفضائية عبر عن اهتمام الجمهور العربى ومتابعته لدراما رمضان 2023 التي أنتجتها المتحدة، مما يعكس نجاح الشركة فى تقديم باقة منوعة ترضى مختلف الأذواق، فى فلسطين ولبنان وتونس والعراق والسودان واليمن والأردن وكذلك الجاليات العربية فى عدد من أبرز عواصم العالم، مثلما نجحت فى اجتذاب شرائح مختلفة من المصريين خلال الشهر الكريم.
ويكفى الشركة المتحدة فخرًا فى شهر رمضان، أنها جعلت العالم العربى أجمع يردد مع المصريين أقوال الإمام الشافعى ورسائله، التي صدح بها الفنان خالد النبوى فى مقدمة مسلسل «رسالة الإمام»، أهم مسلسلات رمضان هذا العام فى رأيى، ومن درر كلمات وأقوال الإمام: «يا صديقى تجمعنا مئات المسائل، فلا تفرقنا مسألة، لا تحاول الانتصار فى كل الاختلافات، فأحيانًا كسب القلوب أولى من كسب المواقف، ولا تهدم الجسور التي بنيتها، وعبرتها، فربما تحتاجها للعودة يومًا ما».
وكل عام وأنتم بخير.. رمضان كريم.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية