تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
عاشور "الناجي"
عندما لمحت غلاف كتاب "شخصية الناجي" لأول مرة طار ذهني على الفور إلى شخصيتين الأولى من باب وقع وجرس الاسم والطموح العلمي وهو صديقي العبقري الشاب ناجي العلي رزق،
والثانية شخصية عاشور الناجي الأسطورية التي نحتها الأديب العالمي نجيب محفوظ بين سطور ملحمته الرائعة "الحرافيش" وبدأ بها سلسلة أجيال عائلة الناجي رمز الفتونة المثالية والنموذج الشعبي للعدالة الحقيقية المفقودة،
ومع المرور علي السطور الأولي للكتاب أدركت أن مؤلفه الأمريكي آل سبيرت ربط - دون أن يقصد طبعا- بين نجاة أسطورة الحرافيش ونجاة أي شخص من السقوط في براثن الاستسلام، فلم تكن "نجاة" عاشور مجرد مصادفة، بل كانت مزيجاً من القرار الحاسم، البصيرة، والاعتزال طوال فترة الوباء في الجبل، راقب من بعيد صمت الحارة المطبق، وظل صامداً حتى تأكد من انتهاء الوباء تماما ليعود بـروح جديدة ويبدأ حياة مختلفة وسط الركام والموت الذي حصد أرواح الجميع.
لذلك تذكر جيدا أنه مهما كان موقعك في الحياة، كبيرا أو صغيرا، ناجحا أو فاشلا، قويا أو ضعيفا، فلا تتوقع أن تسير الأمور دائما كما تتمنى وتحل، ولا بد لرياح غير مواتية أن تواجه قارب حياتك يوما ما، ربما تكون على هيئة حدث سلبي كبير يعترض طريقك دونما إنذار، أو في صورة مجموعة من الضغوط الصغيرة التي تشكل في مجموعها نتوءا مؤذيا يعرقل ويؤرق مسيرتك، وهنا لامفر أمامك من اختيار أحد طريقين أولهما أن تنجح في تجاوز هذه العثرة فى حياتك، وثانيهما أن ترفع الراية البيضاء وتستسلم لتبعات الهزيمة من أول مواجهة فتفقد قدرتك على استكمال الطريق، وهو الإختيار الذي يحدد مصيرك بين أن تكون "ناجيا" ومنتصرا في معركة الحياة أو مهزوما ومنكسرا لا تقوى على الصمود في مواجهة المحنة.
الكتاب "شخصية الناجي" يحمل في مجمله ملمحا إنسانيا عاليا ويمنح اهتماما كبيرا للذين يملكون استعدادا داخليا لخوض معركة العمر من خلال قدرة كبيرة على الصمود في مواجهة المحن والأزمات، وهى ملكة ضرورية لتتكمن من السير خطوة خطوة لتتعلم مهارات "العناد" التي تؤدي إلى التكيف مع الصعوبات الحياتية على نحو أفضل، وتزيد من النجاح في العمل والعلاقات لتعيش حياة أكثر بريقا وتألقا كتجسيد حي لشخصية "الناجى" الذي يستطيع التغلب على الصدمة، من خلال التفريق بين ردود أفعال أربعة لا خامس لها، فقد تجد شخصا يتقوقع على نفسه ويشعر بالضعف والقهر والهزيمة، ويستمتع شخص ثان بإن يجد نفسه في موقع الضحية، ويلوم الآخرين على وقوعه في تلك المحنة ولاشىء غير ذلك، بينما يغضب شخص ثالث ويحاول تفريغ رد فعله السلبي والمحبط في إيذاء الآخرين، لكن على الجانب الآخر هناك عدد قليل من الناس يبحثون داخل أنفسهم، ويتوصلون إلى طرق للتغلب على الظروف الصعبة، وفي النهاية يحققون النجاح في كثير من الأمور, وهؤلاء هم الأفضل لأنهم "الناجون" والصامدون والقادرون على التغلب على الأزمات والصعاب البالغة، وذلك لأنهم يتمتعون بالمرونة والقدرة على التحمل، ويستعيدون توازنهم الانفعالي في وقت قصير، ويتكيفون ويجيدون تجاوز المحن، إنهم ينجحون من خلال اكتساب القوة من المحنة التي يمرون بها وكثيرا ما يحولون المحنة إلى منحة بل إلى فرصة سعيدة الحظ.
إذا كنت تعشق الحياة وتنوي أن تخوض غمار النجاح فيها، فلا تخف من الأزمات فالبحار الهادئة لا تصنع بحارا ماهرا، وقد تكون الأزمات حافرا لاكتشاف نقاط القوة في شخصيتك، ذكر نفسك دائما بقدراتك الفطرية، وتأكد بأن هناك جوانبا إيجابية في أى مشكلة، و أن الحلول دائما موجودة لكن ذلك يتوقف على قدرتك على الثبات واستعادة توازنك العاطفي بسرعة من خلال استثمار قدرتك على الصمود والتجاوز لتحقيق أفضل نتائج ممكنة، وهنا يجب أن تثق في حدسك الشخصي ودقة رؤيتك للواقع المحيط بك، إطرح الأسئلة عن المشكلة التي تمر بها وابحث عن الأجوبة والفائدة مما أنت فيه، فتش عن طريقة لتجعل الأمورعلى خير ما يرام، وحول الكارثة كعادة العظماء إلى حدث سعيد، لا تفكر بمنطق الضحية، واعترف بأن سبب إحباطك هو أنك لا تفهم ما يدور حولك فاسعى لأن تستوعب الموقف بهدوء، ولا تنظر للحياة بالطريقة الساذجة أما أبيض أو اسود،إيجابي أو سلبي، وغيرمن نمط تفكيرك واجعله أكثر مرونة ولا تقع في " خطأ الاتجاه الواحد"، وعليك أن تجيد التعامل بعقلية مبتكرة، تأكد أنه يمكنك أن تفعل شيئين في نفس الوقت، مثلا العمل والترفيه، وبذلك يمكنك أن تمتلك شخصية الصامد المتفاعل مع الحياة القادر على مواجهتها بكل قوة.
الأكثر إثارة في هذه النقطة أن أساس المرونة التي يتحلى بها الصامدون في مواجهة الحياة هي أنهم يتصرفون بأكثر من طريقة، للدرجة التي قد تثير الريبة أحيانا في دقة تفكيرهم من الناحية الظاهرية، فهم مثلا واثقون من أنفسهم، وفي أحيان أخرى فاقدون لهذه الثقة بصورة واضحة، مجتهدون وكسالى، صبورون وقلقون، وهكذا فإن مرونة الشخص تكمن في تصرفه في المواقف بطريقة أو بأخرى متناقضة مع بعضها حسب معطيات كل موقف، لأن هذا يعطيه قدرة أكبر على التكيف، أما التصرف بطريقة واحدة، واتجاه واحد، فهذه مشكلة الشخص الذي لا يجيد التعامل مع الحياة.
الإرادة هنا لها دور كبير في عملية النجاة من الأزمات والتعافي من المصاعب لذلك خصص لها سبيرت فصلا كاملا، يضرب فيه مثلا قاسيا بالمقارنة بين مصير الأشخاص المرضى بمرض خطير، ولماذا يموت البعض منهم بينما يستطيع البعض الآخر أن يعيش سنوات عديدة بل و يُشفى تماماً.
والفرق الذي يركز عليه هنا هو الإرادة التي تجعلهم يتعاملون مع هذه الأزمة القاسية على أنها تحذير ليس أكثر، ويبتكرون الحلول الذاتية للخلاص من كابوس أزمة المرض، فقد يتبع أحدهم نظاما غذائيا معينا، أويتوقف عن المشاعر السلبية مثل الغضب والحزن ويحاول الحياة مع بعض من المرح، أويتجاهل المرض وأعراضه وتعليمات الأطباء، ويتسلح مثلا بالدعاء والثقة بالله.
وأخيرا فإنه من المؤكد أن أى شخص يولد بقدرات كامنة لكي يصبح صامدا وناجيا في مواجهة الأزمات، ويستطيع أن يتعامل مع الضغوط بحنكة وبصورة طبيعية، لكن المجتمع والبيئة المحيطة قد تتدخل بشكل سلبي وعلى المدى الطويل لعدم تفعيل هذه الطبيعة البشرية التي يعتمد عليها الشخص الواثق من نفسه، ولا يشعر بالتوترعندما يتطلب الأمر منه أداء عاليا ومجهودا أكبر، وهو يعتمد على نفسه أكثر من اعتماده على غيره، كما أن الذات القوية تتجاوزالمحن والمشاكل بصورة أسهل، وإذا نجح – وغالبا مايحدث ذلك – فإنه لا ينتظر التشجيع أو الاستحسان من الآخرين لأنه يعتقد أن فوزه في معركة المواجهة مع الحياة جزء أصيل من شخصيته القوية التي تناسب ما في داخله من صلابة وثبات.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية