على مدى 150 عاما منذ تأسست جريدة الأهرام فى الإسكندرية عام 1875 كإصدار أسبوعى، تطورت الجريدة حتى صارت مدرسة صحفية متميزة تخرجت فيها أجيال من أبناء المهنة الذين أثروا الحياة الصحفية فى مصر والوطن العربى،

ولقد جاء العدد الأول للجريدة بمثابة نشرة صحفية فى أربع صفحات تتضمن أخبار بورصة القطن والميناء والنشاط التجارى بالإسكندرية، لكنها خلال أربع سنوات ونصف السنة نمت وتوسعت فانتقلت إلى القاهرة وتحولت إلى جريدة يومية تصدر فى عشر صفحات وتهتم بجميع الشئون العامة، من السياسة إلى الثقافة ومن الاقتصاد إلى الأدب،

وقد اتخذت الأهرام اتجاها مميزا يعتمد على دقة الخبر وعلى رصانة الأسلوب، وصارت لها صياغاتها المميزة وأسلوبها الخاص، لدرجة أنك بالاطلاع على أى خبر منشور بها تدرك على الفور أنك تطالع الأهرام حتى لو لم يكن اسم الجريدة أمامك،

 وأذكر عند بداية التحاقى بالأهرام عام 1970 محررا للشئون الخارجية أن كان رئيس القسم هو المرحوم جورج عزيز الذى كان يراجع بدقة كل خبر أقوم بصياغته من برقيات وكالات الأنباء، ويعمل فيه قلمه الأحمر بالتصليح والتبديل ثم يعيده إلى لأعيد كتابته قائلا إن على أن أتبين جيدا ما أدخله من تعديلات لأنه لن يعود لعمل نفس التصليحات فى أخبارى التالية،

ذلك أن لكل من الصحف الكبرى فى العالم ما يعرف باسم Style Book وهو الدليل المطبوع الذى يتضمن الأسلوب الصحفى الخاص بالجريدة، لكن دليل الأهرام لم يكن مطبوعا، وقد اكتسبناه جميعا بالممارسة العملية،

وأذكر أن الأستاذ هيكل عهد فى بداية السبعينيات الماضية إلى الأستاذ أحمد نافع وهو الأخ الأكبر للأستاذ إبراهيم نافع وأحد أهم أعمدة الأهرام فى ذلك الوقت، أن يجمع القواعد الحاكمة للأسلوب الصحفى الخاص بالأهرام كى يطبع كدليل للعاملين به، وقد شاركت أحمد نافع مكتبه بالدور الرابع فتابعت إكماله لمهمته، لكن هبت على الأهرام فى ذلك الوقت رياح عاتية اقتلعت الأستاذ هيكل من موقعه ودخلت الأهرام مرحلة جديدة تصارع فيها ضد رؤسائها الجدد للحفاظ على طابعها الخاص ورحل الأستاذ أحمد نافع ولم ير الدليل النور.