تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
هكذا تهدم الشعوب الأوطان
في عام 2005 كشفت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس فى حديث لها مع صحيفة واشنطن بوست «أن نظرية الفوضى الخلاقة أصبحت أولوية للسياسة الخارجية الأمريكية»، لم تمضِ سوى عدة أشهر بعد ذلك التصريح حتى زارت القاهرة وعددًا من العواصم العربية، وبالتحديد فى شهر يونيو، وخلال زيارتها للقاهرة فى 20 يونيو 2005 التقت بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، كما التقت بوزير الخارجية فى ذلك الوقت أحمد أبو الغيط، وفي المساء وخلال دعوة وجهتها السفارة الأمريكية إلى عدد من الشخصيات من رؤساء بعض الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني أطلقت عليهم مصطلح المعارضة المعتدلة، ورفض الدعوة معتذرًا عنها جورج إسحاق، خاصة أن اللقاء جاء بعد محاضرة لـ«رايس» فى مقر الجامعة الأمريكية بالقاهرة حملت عنوان « الديمقراطية والإصلاح».
«رايس» خلال المؤتمر الصحفي مع وزير الخارجية فى ذلك الوقت أحمد أبو الغيط وبعد عودتها من لقاء الرئيس مبارك فى مدينة شرم الشيخ قالت: "نحن نتطلع إلى أن يقوم الشعب المصري بدورٍ كبيرٍ فى قيادة الإصلاح فى المنطقة".
(1)
رسالة وزيرة الخارجية الأمريكية كانت تعبّر عن الهدف الأساسي هو إشعال الفوضى لتنفيذ ما يُعرف بالشرق الأوسط الجديد ورسم حدود الدول بالمنطقة، والتقت «رايس» فى مساء ذلك اليوم بعدد من قيادات المعارضة منهم أيمن نور وهشام قاسم وبهي الدين حسين ومنير فخري عبد النور، ومحمود أباظة وحسام بدراوي والدكتور أسامة الغزالي حرب ومنى ذو الفقار.
حاولت «رايس» فى ذلك اللقاء طرح الرؤية الأمريكية الجديدة للمنطقة، وتحت اسم الإصلاح والديمقراطية، كان التحرك، فسقط البعض على منزلق خطر دون أن يدري؛ أن أيادي واضعي الرؤية الجديدة للمنطقة تتلقفه معتمدة على طموح لديه للقفز على كرسي الحكم، واعترض البعض الآخر على الرؤية الأمريكية وهم قلة فى ذلك الاجتماع ومنهم د. منير فخري عبد النور.
وأرسلت «رايس» إلى جماعة الإخوان التي لم تحضر الاجتماع العلني لكن تم التواصل معهم من خلال "فرانسيس جيه ريكياردون"، السفير الأمريكي بالقاهرة فى ذلك الوقت، والذي غادر القاهرة فى 2008.
فى سبتمبر عام 2005 كانت الانتخابات الرئاسية وترشح فيها 10 مرشحين بينهم الرئيس مبارك وأيمن نور ونعمان جمعة.
ورغم أن الخارجية الأمريكية على لسان شون ماكورماك، المتحدث الرسمي، شهدت أن هذه الانتخابات «تاريخية»، والمنافسة خلال العملية الانتخابية من شأنها «إثراء الحوار السياسي المصري، لسنوات قادمة»، وذكر ماكورماك أيضًا أن «أجهزة الأمن المصرية شهد لها بالانضباط فى ضمان سلامة وأمن الناخبين»، وأثنى على «الهدوء النسبي» من يوم الانتخابات.
إلا أنها عمدت إلى تشويه المشهد بزعمها أنه لم تكن هناك مراقبة دولية للانتخابات، وهو ما لم يكن صحيحًا.
فى ذلك الوقت تم إطلاق ما يُعرف بأكاديمية التغيير وجذبت العناصر للتدريب فيها بإحدى دول المنطقة وخارجها، وكان الهدف المعلن حرب اللاعنف، والحقيقة كانت ضمن برنامج تدريب العناصر التدريب على استخدام السلاح.
على مدى 6 سنوات كانت عملية التجهيز لما شهده الشارع فى 2011 ليست وليدة اللحظة لكنها خطة محكمة سقطت فيها بعض الشعوب ونجت أخرى منها بحِكمة، ومؤسسات الدولة الوطنية التي عملت على ذلك للحفاظ على الوطن، وهو ما حدث فى مصر.
فنجت مصر فى المرة الأولى من الفوضى بحكمة المجلس العسكري الذي كان يدير شئون البلاد عقب تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.
وتحملت القوات المسلحة حالة السيولة التي ضربت العديد من مؤسسات الدولة حتى أعيدت إلى وضعها ومسارها الطبيعي.
وتصدّت لكل سيناريوهات نشر الفوضى، وهو أمر لم يكن باليسير، وستظل هناك تفاصيل سيفصح عنها التاريخ فيما بعد.
(2)
أعود إلى عام 2006 حينما جرت الانتخابات النيابية فى فلسطين المحتلة وفازت حركة حماس بالأغلبية 74 مقعدًا مقابل 45 مقعدًا لحركة فتح، فى يناير عيّن إسماعيل هنية رئيسًا للحكومة الجديدة، وفى 29 مارس أدى اليمين الدستورية، ثم تدهورت الأوضاع فى الأراضي المحتلة، وشنت إسرائيل عمليات عسكرية على الضفة والقطاع واعتقلت أعدادًا كبيرة من النواب والوزراء فى الحكومة وقتلت أعدادًا من المواطنين، وحدثت فجوة كبيرة بين حماس وفتح، وفى فبراير 2007 وقّعت فتح وحماس اتفاقًا لتكوين حكومة وحدة وطنية لكن فى يونيو 2007 استولت حماس على غزة، وزاد الانقسام الفلسطيني واستغلت إسرائيل حالة الانقسام للتوسع على حساب الأراضي الفلسطينية، وفرض مزيد من الضغط على الشعب الفلسطيني الذي تلتهم أرضه كل يوم المستوطنات الإسرائيلية، وتقتله رصاصات جيش الاحتلال بدمٍ بارد،
والآن
تعمل على دفعه إلى الخروج من أرضه، إما مهاجرًا طوعية أو يموت جوعًا، وهو المخطط الصهيوأمريكي الذي يعملون عليه منذ وقت طويل، وحان تنفيذ السيناريو الآن بعد الحديث عما يسمى بالمدينة الإنسانية (مدينة الخيام) من أجل القضاء على سكان القطاع أو الدفع بهم إلى خارج أراضيهم.
لقد أدت حالة الصراع والانقسام الفلسطيني وعدم الوحدة والإصرار على الحصول على المكتسبات لكل فصيل دون الآخر على حساب القضية الأساسية إلى الأوضاع المتردية التي يعيشها الشعب الفلسطيني وتعثر مسار إعلان الدولة.
كان من الواجب على الفصائل أن تنحي كل شيء جانبًا وألا تنزلق على ذلك المنزلق الخطر، فوحدتها هي مصدر القوة الحقيقي فى وجه المحتل، فوحدة القرار الفلسطيني يعد أقوى أسلحة المواجهة فى تلك المعركة.
جاءت عملية استهداف الشعوب لضرب أوطانها أو كما حددتها الخطة.. أن تقتل الشعوب أنفسها بذاتها، فيكون التدمير من الداخل وهو أفضل لقوى الشر من أن يقدم من الخارج.
تلك كانت فلسفة الفوضى المهندسة داخل مراكز عمليات الحروب غير التقليدية، والمستخدمة للحرب النفسية كأوسع عملية تمهيد.
تبدأ العمليات بخلق حالة من عدم الرضى المجتمعي عن النظام ليكون هو الهدف، ثم يمتد الأمر دون أن تدرك الشعوب فتنزلق إلى سيناريو الفوضى فتهدم المؤسسات وتتنازع العرقيات وتطفو على السطح النزاعات القبلية، والمذهبية، وتتقطع أوصال الدول بأيدي شعوبها.
وهو ما حدث فى ليبيا واليمن والسودان وسوريا، أما العراق الذي بدأ إعدادها لذلك السيناريو (الفوضى) بعد أن سقط النظام العراقي فريسة عندما اقتيد فى أكبر سيناريو فتنة لتقطيع أوصال المنطقة العربية عندما قام بغزو الكويت.
وعقب تحرير الكويت تم الإعداد للمرحلة الثانية من السيناريو الجديد وهو إسقاط النظام ومعه إسقاط الدولة، ونشر وتأجيج الطائفية والمذهبية، وبالفعل نجحت الولايات المتحدة فى إسقاط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، لكن سيناريو الفوضى والصراعات المذهبية كان هو السائد، ومنحت أرضًا خصبة للتنظيمات الإرهابية كي تنمو وتتوسع فى بعض المحافظات.
وتعمل الحكومة العراقية الآن والنظام على إعادة بناء الدولة الوطنية ومواجهة الإرهاب بعد أكثر من 20 عامًا دمرت فيها البنية التحتية، وتأثر الاقتصاد وأصبحت عمليات البناء ذات كلفة عالية وهو ما تتحمله الشعوب التي لم تدرك أنها استهدفت إسقاط النظام، لكن قوى الشر عملت فى الخفاء فدفعت بالشعوب لإسقاط الدولة الوطنية ذاتها.
أسقط الليبيون بمعاونة حلف الناتو النظام فى ليبيا أكتوبر 2011 لكن لم تعد وحدة الدولة الليبية فلا يزال النزاع بين الشرق والغرب فى ليبيا هو المسيطر على المشهد، ولا يزال الشعب الليبي على مدى 14 عامًا يواجه التحديات وتدخلات خارجية تستهدف استمرار تلك الحالة للاستفادة من موارد الدولة الليبية، وجماعات وتنظيمات إرهابية تعدها أرضًا خصبة للانطلاق منها لدول المنطقة وتهديد استقرار القارة الأفريقية.
اهتزت أركان الدولة بعد أن أصبحت هناك فصائل عدة تحمل السلاح وتسعى لفرض نفوذ وتطالب بمكتسبات، كل ذلك على حساب الدولة الوطنية.
المشهد فى السودان لم يكن ببعيدٍ عما حدث فى ليبيا واليمن، فالصراع الدائر حاليًا بين الجيش الوطني السوداني وقوات التدخل السريع عمل على تدمير الدولة الوطنية وبنيتها التحتية، إنها عملية أخرى من عمليات تدمير الدول من الداخل دون الحاجة إلى الدفع بأي عناصر خارجية.
إنها مسئولية الشعوب التي أسقطت الأنظمة كان عليها أن تقف أمام مسئولياتها للحفاظ على دولتها الوطنية ومؤسساتها لا الدخول فى نزاعات وحروب داخلية تدمر موارد الدول وتدفع بالشعوب للفرار خارج أوطانها.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية