تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

المتلاعبون بالعقول

فى الأول من ديسمبر 1973 قدم هربرت آي. شيلر (Herbert I. Schiller) كتابه الشهير "Mind Managers"، وفى عام 1986 صدرت طبعة مترجمة للكتاب بعنوان "المتلاعبون بالعقول" والذى اقتبست منه عنوان المقال، لتطبع ضمن سلسلة عالم المعرفة فى عام 1999 أكثر من طبعة ليكشف الكاتب كيف يتم إدارة المعارك ضد الدول المستهدفة من خلال السيطرة على العقول، ويسبق شيلر، نعوم تشومسكى وإدوارد إس. هيرمان بخمسة عشر عامًا.

منذ ذلك التاريخ وقبله بعقدين والمنطقة تشهد معارك تستهدف شعوبها، للتأثير على مسارات الصراع وإعادة رسم خريطة المنطقة من جديد.

المتلاعبون بالعقول ، لا يتوقفون لحظة واحدة عن إنتاجهم الخبيث، من الأكاذيب و الشائعات ومحاولات شق الصف، واستهداف مؤسسات الدولة الوطنية.

وحدات العمليات النفسية لدى قوى الشر لا تتوانى عن استمرار عملية تعليب العقول لإسقاط الدول.

المشهد فى منطقة الشرق الأوسط تزداد درجة حرارته الحدسية عشرات المرات عن درجة حرارته المناخية.

عناصر يتم الدفع بها لاستهداف قلب أى دولة يقصدون تدميرها من الداخل، لتسهل عملية التفكيك.

ليظل وعى الشعوب والتفافها حول قيادتها السياسية، ووحدة قرارها، وتماسك جبهتها الداخلية والخارجية، وقوة مؤسساتها، ومواصلة عمليات المواجهة، جميعها حائط صد منيعًا أمام تلك العمليات الخبيثة، فى ظل تنامى أطماع البعض للانقضاض على حقوق الآخرين أو التوسع على حسابهم.

(1)

فى الوقت الذى لم تتوقف فيه عمليات الإبادة الجماعية من قِبل قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطينى وعمليات العربدة المستمرة فى بعض الأراضى العربية، نجد البعض يسقط فى اتون التلاعب بعقله، بعد أن صُّور له مجموعة من الأكاذيب على أنها وقائع، وجراء إعادة نشرها على العديد من المنصات يظن هؤلاء أنها حقيقة فيواصلون إعادة تداولها، وهم لا يدركون أنهم تحولوا إلى لعبة فى يد صنّاع مثل تلك العمليات (تقديم المحتوى غير الصحيح) فيساهمون فى تدمير أوطانهم وهو لا يدركون.

على الجانب الآخر نجد عمليات تعليب وتجهيز ممنهجة لمحتوى إعلامى تحمله صفحات بعض الصحف تستهدف تصدير الزيف والأكاذيب إلى المجتمع الدولي، لحصد مزيد من المكاسب.

وهو ما فعلته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية فى الخامس من يونيو الجارى عندما نشرت موضوعًا للصحفى "فلد أربلي"، وهو مراسل الصحيفة فى جنوب إسرائيل ، مستضيفًا "إيلى ديكل"، العقيد احتياط فى جيش الاحتلال ، والذى حاول أن يسوق للمجتمع الدولى من خلال قراءته المغلوطة عن عمد لما يحدث بشأن القضية الفلسطينية .

بدأ "ديكل" يقدم المشهد وكأنه عالم ببواطن الأمور مقدمًا العلاقات المصرية الأمريكية على أنها متوترة، وهو منافٍ تمامًا للدقة فمصر دولة كبيرة ولها ثقلها ودورها المهم فى المنطقة والجميع يعلم ويدرك ذلك تمامًا بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها.

كما أن العلاقات المصرية الأمريكية مبنية على الاحترام المتبادل بين البلدين، والإدارة الأمريكية تدرك ذلك.

لم يكن ذلك فقط هو الهدف بل عمد كاتب الموضوع إلى أن يسوق على لسان "ديكل" مجموعة من الأكاذيب والمغالطات على رأسها أن الأزمة فى غزة ليست مسئولية إسرائيل وحدها بل هى مسئولية العرب! مستعرضًا رؤيته المسمومة المستهدفة الوصول إلى مخطط تصفية القضية الفلسطينية.

ليروج أن حل الأزمة يتلخص فى نقل سكانها إلى أى دولة فى العالم، وبذلك لن يكون هناك أى داعٍ لاستمرار الحرب.

إنه اعتراف كامل بأن الهدف تصفية القضية، وأن ما يحدث هو حرب إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية يجب محاسبة المسئولين الإسرائيليين عنها أمام المحكمة الجنائية الدولية.

لقد تجاهل "ديكل" أن حل الأزمة فى ضرورة وقف الحرب وإحلال السلام على أساس حل الدولتين وهذا هو حق لصاحب الأرض، الشعب الفلسطينى وليس للمستوطنين المحتلين.

ولم يدرك الكاتب أن ما حدث فى 1948 كان عملية احتلال من قِبل إسرائيل لأراضى الغير والاستيلاء على الدولة الفلسطينية بواسطة المجموعات اليهودية ودعم بريطاني، وصمت دولى يشبه ما يحدث حاليًا، وقامت العصابات اليهودية بعمليات قتل للفلسطينى وتدمير سبقت حرب 48، إنه تاريخ دموي.

ثم عاد "ديكل" فى حواره متحدثًا عن المعونة الأمريكية لمصر، متغافلاً أن ذلك يجرى وفق اتفاق تم بين كلٍ من مصر والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وإذا كانت مصر حصلت خلال السنوات السابقة على 100 مليار دولار، حسب زعمه، فقد حصلت إسرائيل على 260 مليار دولار بحسب بيانات الكونجرس الأمريكي.

لقد واصل "ديكل" مغالطاته ليبلغ إلى حد الوقاحة زاعمًا أن العرب هم من يرفضون حل الأزمة.

إن الإصرار على مثل تلك التوجهات وتصديرها إعلاميًا إلى المجتمع الدولي، لهو تأكيد على أن حكومة نتنياهو تواصل السير نحو مزيد من التعقيد للأوضاع، ولن يحقق هذا المسار أمن أو استقرار ل إسرائيل كما يزعم بل سيرسخ لمزيد من العنف الذى لن يستطيع أحد توقع مداه.

(2)

الأسبوع الماضى شهد العالم الأزرق (face book) موجة جارفة من التوقعات والأحاديث التى زعم مروجوها أنها معلومات، وهى ليست سوى مقذوفات فارغة أطلقها هؤلاء فى الهواء وانتظروا آثار صداها.

وسط حديث وتوقعات حول تغيير حكومى مرتقب، معلنين أسماءً محددة لكسب زيفهم المعلب جزءًا من المصداقية، وهو سيناريو معروف فى صناعة الشائعات.

أن تكون الشائعة بها جزء من الواقع، كاسم شخص، أو حدث، ثم يصنع ما بقى منها وفق ما هو محدد لها سواء لإحداث أزمة أو التأثير سلبًا على ثقة الشعب بحكومته أو قيادته السياسية.

تلك الموجة دائمًا ما نجدها تعلو فى توقيتات محددة كأحد أدوات الضغط على الدولة.

فما حدث الأسبوع الماضى فى الفضاء الأزرق من نشر اسم رئيس الوزراء دكتور مصطفى مدبولى كمرشح لمنصب أمين عام جامعة الدول العربية، وتسمية مَن يخلفه فى الحكومة؛ لم يكن سوى مجرد شائعة صنعتها قوى الشر بهدف خلق حالة من التوتر والضغط ومحاولة جر جمهور السوشيال ميديا لخلق حالة تراشق فى العالم الافتراضى بين الأشقاء ونقلها إلى الواقع.

لكن سرعان ما كشف الشعب زيف ما يتم ترويجه، ومصدرى تلك الشائعات، فلم ينزلق نحو الأزمة المستهدفة من قِبل قوى الشر.

فمصر لم تعلن عن مرشحها لمنصب الأمين العام للجامعة العربية الذى يخلف السيد أحمد أبو الغيط، كما أن العلاقات المصرية العربية علاقات قوية ولا يمكن النيل منها مهما حدث، خاصة العلاقات المصرية الخليجية.

إن مصر عندما تحدد مرشحها لمنصب الأمين العام للجامعة العربية ستعلن عنه رسميًا، كما أن هذا المنصب يأتى فى إطار توافق عربى دائمًا.

(3)

صدر قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى المنشور فى الجريدة الرسمية بتاريخ 4 يونيو الجارى برقم 299 لسنة 2025 بشأن تخصيص مساحة نحو 41 ألفًا 515 فدانًا بمنطقة رأس شقير بالبحر الأحمر لصالح وزارة المالية، لاستخدامها فى خفض الدين العام وإصدار صكوك سيادية وفقا لما جاء بالمادة الثانية من القرار.

القرار كان واضحًا لكن آلة صناعة الأكاذيب عمدت إلى العمل عليه لمدة ثلاثة أيام محاولة تقديم صورة غير حقيقية.

فلم يشر مروجو الشائعات إلى أن ما حدث يستهدف إصدار صكوك سيادية وهى آلية تمويلية للمشروعات الاستثمارية يعمل بها فى كل دول العالم.

كما أن القرار لم يشر من قريب أو بعيد إلى بيع مساحة الأرض التى شملها، بل أشار إلى استثمار هذه المنطقة مع احتفاظ القوات المسلحة بالأراضى الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية داخل حدود المساحة المبينة فى المادة الأولى من القرار.

إن ما حدث ليس سوى عملية استثمار لتلك المنطقة من خلال إصدار صكوك سيادية مرتبطة بحق انتفاع.

كما أصدرت وزارة المالية توضيحًا بهذا الشأن قطع الطريق على مروجى الأكاذيب، ويستهدف القرار خفض مستويات الدين العام وتحسين مؤشرات المالية العامة وجذب مزيد من الاستثمارات الكبيرة.

(4)

تحرص الدول على وضع آليات وقوانين حاكمة تنظم الدخول والخروج من أراضيها فى إطار حفاظها على أمنها القومي، وهو أمر طبيعى فى الدول ذات السيادة، أما صنّاع الفوضى فدائمًا ما يحرصون على محاولة خرق تلك القوانين أو الاعتداء عليها، هو ما تواجهه الدول بحسم، وذلك فى إطار الضوابط القانونية والدستور.

وهو ما أكدت عليه وزارة الخارجية المصرية فى بيانها بهذا الشأن نهاية الأسبوع الماضي.

مصر لم تتوقف يومًا عن دعم القضية الفلسطينية ، ولن تتوقف عن ذلك، كما أنها تواصل جهودها، لوقف الحرب والوصول إلى سلامٍ عادلٍ على أساس حل الدولتين .
إن محاولات تقديم صورة غير صحيحة عن الدعم المصرى للقضية الفلسطينية دائمًا الواقع يكشف زيفها.

فالعديد من الفعاليات التى شهدتها المنطقة الحدودية أمام معبر رفح كانت بتنسيق مسبق وفق الضوابط التى حددها القانون، فقد عقد الأمين العام للأمم المتحدة مؤتمرًا صحفيًا أمام معبر رفح حضرته كل وسائل الإعلام العالمية، كما قامت العديد من المنظمات والبعثات الدولية بزيارة معبر رفح والمناطق اللوجستية للمساعدات بالعريش و رفح .

مصر لم ولن تتوقف لحظة عن دعم الأشقاء الفلسطينيين والوقوف فى مواجهة أى محاولة لتصفية القضية الفلسطينية .

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية