تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
ميلاد عصر جديد للسياحة والثقافة
في مشهد مهيب يجسد عظمة التاريخ المصري القديم، تستعيد به مصر مجدها الحضاري وريادتها الثقافية، جاء الافتتاح الأسطوري للمتحف المصري الكبير أمس الاول بحضور السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية وعدد كبير من رؤساء وملوك وامراء العالم ليكون حدثًا عالميًا فريدًا، ورسالة قوية من أرض الفراعنة إلى العالم بأن مصر، بتاريخها العريق وحضارتها الممتدة عبر آلاف السنين، ما زالت قادرة على الإبهار والإبداع، وأنها تجمع بين الأصالة والحداثة في آنٍ واحد.
يقع المتحف المصري الكبير عند سفح الأهرامات بالجيزة، ليكون بذلك في حضن أعظم معالم التاريخ الإنساني، في موقع هو الأكثر تميزًا على مستوى العالم. وقد استغرق إنشاء هذا الصرح الحضاري الضخم ما يقرب من عقدين من الزمن، ليصبح أكبر متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة، حيث تبلغ مساحته نحو 500 ألف متر مربع، ويضم أكثر من مائة ألف قطعة أثرية تمثل مختلف مراحل الحضارة المصرية القديمة، بدءًا من عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر اليوناني الروماني.
جاء افتتاح المتحف في حفل أسطوري حظي بتغطية إعلامية واسعة من مختلف دول العالم، حيث امتزجت الإبهار البصري بالتقنيات الحديثة والعروض الفنية المبهرة، في مشهد أعاد للأذهان عظمة الحضارة المصرية وقوتها الناعمة. لم يكن الافتتاح مجرد مناسبة ثقافية، بل كان حدثًا وطنيًا وإنسانيًا بكل المقاييس، أظهر قدرة مصر على إدارة مشروع حضاري بهذا الحجم والدقة، وقدم للعالم نموذجًا للتكامل بين العلم والفن والتاريخ والحداثة.
ويُعد المتحف المصري الكبير ثمرة تعاون ضخم بين الدولة المصرية وعدد من المؤسسات الدولية المتخصصة في الآثار والترميم، حيث شارك فيه آلاف الخبراء والمهندسين من مصر وخارجها، ليخرج المتحف في صورة تليق بمكانة مصر التاريخية. وقد روعي في تصميمه أن يكون متحفًا ذكيًا متطورًا يعتمد على أحدث تقنيات العرض المتحفي، مثل شاشات العرض التفاعلية، والإضاءة ثلاثية الأبعاد، وأنظمة الواقع المعزز، بما يتيح للزائر تجربة فريدة يتفاعل فيها مع التاريخ بشكل حسي ومعرفي في آنٍ واحد.
ومن أبرز ما يميز المتحف المصري الكبير احتواؤه على مجموعة الملك توت عنخ آمون كاملة لأول مرة في مكان واحد منذ اكتشاف مقبرته عام 1922. وتضم هذه المجموعة أكثر من خمسة آلاف قطعة أثرية نادرة تم عرضها بأسلوب حديث يبرز جمالها ودقتها. كما يضم المتحف قاعة ضخمة للعرض المؤقت، وقاعة مركزية تزينها تماثيل مهيبة لرموز الحضارة المصرية مثل رمسيس الثاني، إلى جانب قاعات للترميم والبحث العلمي، ومراكز تدريب متخصصة في علوم الآثار والمتاحف.
إن افتتاح المتحف المصري الكبير يمثل نقطة تحول في خريطة السياحة المصرية، فهو لا يعد مجرد متحف لعرض القطع الأثرية، بل مشروع حضاري وتنموي متكامل يسهم في إعادة رسم الصورة الذهنية عن مصر لدى العالم. فالمتحف سيصبح محورًا لجذب الملايين من السائحين سنويًا، خاصة مع موقعه القريب من أهرامات الجيزة، وهو ما يعزز من تجربة السائح ويجعل زيارته لمصر تجربة ثقافية وسياحية متكاملة.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن المتحف المصري الكبير يُتوقع أن يحقق عائدًا ضخمًا للدولة من خلال زيادة أعداد الزائرين، وتنشيط السياحة الفندقية والمطاعم والنقل والخدمات المحيطة بالمتحف، بالإضافة إلى فتح آفاق جديدة للاستثمار في المنطقة المحيطة به. وقد بدأت الدولة بالفعل في تطوير البنية التحتية في منطقة الهرم والمتحف لتكون منطقة سياحية متكاملة تضم ممشى سياحيًا عالميًا، ومراكز ثقافية وتجارية، ومرافق تخدم الزائرين من مختلف أنحاء العالم.
أما من الناحية الثقافية والحضارية، فإن المتحف المصري الكبير يمثل جسرًا للتواصل بين الماضي والحاضر، حيث لا يكتفي بعرض الآثار القديمة، بل يربطها بالإنسان المعاصر من خلال أساليب عرض حديثة تشرح كيف عاش المصري القديم، وكيف تفوق في الهندسة والفن والطب والزراعة والإدارة. إنه متحف "للحضارة الإنسانية من منظور مصري"، يقدم للعالم فلسفة المصري القديم في فهم الحياة والموت، وفي تقديس الجمال والنظام.
ويبرز المتحف أيضًا كمنارة للبحث العلمي والترميم، حيث يضم واحدًا من أكبر مراكز الترميم الأثرية في العالم، مجهزًا بأحدث الأجهزة والتقنيات، ويعمل فيه خبراء مصريون أكفاء استطاعوا أن يعيدوا الحياة لمئات القطع الأثرية التي كانت تحتاج إلى صيانة دقيقة. وهذا يعزز من مكانة مصر كدولة رائدة في علوم الآثار وصون التراث.
لقد استطاعت مصر من خلال افتتاح المتحف المصري الكبير أن تؤكد أن الحضارة ليست ماضياً فقط يُعرض في قاعات المتاحف، بل هي حاضر متجدد ومستقبل يُبنى على الوعي والمعرفة. فالمتحف لا يحكي قصة الماضي فحسب، بل يروي أيضًا قصة مصر الحديثة التي تعرف كيف تصون تاريخها وتقدمه للعالم بأسلوب يليق بمكانتها.
إن هذا الافتتاح الأسطوري لم يكن مجرد حدث ثقافي، بل كان إعلانًا عن ميلاد عصر جديد للسياحة والثقافة المصرية، حيث تتكامل فيه الأصالة مع الحداثة، والتاريخ مع التنمية. وقد أثبتت مصر مرة أخرى أنها بلد الحضارات، وأنها حين تتحدث بلغة التاريخ، يصمت العالم ليستمع إليها بإعجاب .
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية