تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > محمد الأبنودى > مواجهة الشائعات مسئولية أخلاقية

مواجهة الشائعات مسئولية أخلاقية

فى زمن تزايدت فيه وسائل الإعلام وتعددت المنصات الرقمية، باتت الشائعات تمثل خطرًا جسيمًا على استقرار الأوطان ووحدة الشعوب. فالكلمة أصبحت سلاحًا فتاكًا، لا يقل خطرًا عن الرصاصة، وقد تؤدى الشائعة إلى فتنة أو أزمة اقتصادية أو احباط مجتمعى، إذا لم يُحسن التصدى لها. ومن هنا تتضح أهمية الوعى الجمعى، والدور الحاسم للمؤسسات الرسمية والدينية والإعلامية فى مواجهة هذه الآفة، والدفاع عن الوطن أمام حملات التشكيك والتزييف.

الشائعة هى خبر كاذب أو مبالغ فيه، يُنشر دون التأكد من صحته، ويهدف غالبًا إلى إثارة البلبلة، أو تشويه صورة جهة ما، أو زعزعة ثقة المواطنين فى الدولة ومؤسساتها. وقد تنتقل الشائعات بسرعة البرق عبر وسائل التواصل الاجتماعى، فتنتشر بين الناس دون تفكير أو تحقق. والحقيقة 

أن خطورتها لا تكمن فى مضمونها فقط، بل فى قدرتها على التأثير على العقول والمشاعر، خاصة فى أوقات الأزمات. فهى تُثير الخوف، وتزرع الشك، وتُضعف الروح المعنوية، وقد تفتك بالتماسك الاجتماعى، وتُغذى الكراهية والفرقة.

وفى السنوات الأخيرة دخلت الشائعات ضمن ما يُعرف بـ»حروب الجيل الرابع»، وهى حروب غير تقليدية، لا تعتمد على الجيوش بقدر ما تعتمد على اختراق العقول وبث الفوضى من الداخل. فبدلاً من احتلال الأرض، تسعى هذه الحروب إلى احتلال العقل، وضرب الثقة بين الشعب والدولة.. فى هذا الإطار، تصبح الشائعة وسيلة رئيسية لتدمير استقرار الدول، خاصة إذا كانت فى مرحلة بناء أو تمر بتحديات اقتصادية أو سياسية. وتُستخدم الشائعات أداةً لبث الإحباط، وتشويه الرموز الوطنية، والطعن فى المشروعات القومية.

الدفاع عن الوطن لا يقتصر على حمل السلاح، بل يشمل أيضًاً الدفاع بالوعى، والتمسك بالحقيقة، وعدم الانسياق وراء الأكاذيب. ومن أهم مسئوليات المواطن فى هذا السياق:

التثبت من الأخبار، فقبل مشاركة أى معلومة، يجب التأكد من مصدرها، وعدم التسرع فى إعادة النشر.

فكل من ينشر شائعة، ولو بحسن نية، يُسهم فى نشرها.

وقد أحبطت الدولة العديد من حملات التضليل التى استهدفت الاقتصاد المصرى، والمشروعات القومية، ومؤسسات الدولة، باستخدام بيانات موثقة ومكاشفة للرأى العام. ولايمكن تجاهل الدور الجوهرى للإعلام الوطنى فى مواجهة الشائعات، إذ تقع على عاتقه مسئولية نشر الوعى والحقائق بطرق مبسطة وكذلك استضافة خبراء ومختصين للرد العلمى على الأكاذيب وتعزيز الانتماء الوطنى وتقديم القدوة الصالحة.

كذلك لا يقلّ دور المؤسسات الدينية أهمية ، وعلى رأسها الأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية، عن باقى المؤسسات. فقد أكد الإسلام على خطورة الكذب، فقال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» «الحجرات: 6».

وحذّر النبى - من نقل الأخبار دون تثبّت، فقال: «كفى بالمرء كذبًا أن يُحدث بكل ما سمع» «رواه مسلم».

ولقد أثبتت التجارب أن أكثر ما تحتاجه الأوطان فى مواجهة الشائعات هو الوعى الجمعى، الذى يميز بين الحقيقة والتضليل، ويقف سدًا منيعًا أمام أعداء الداخل والخارج. فالمعارك الحديثة تُخاض بالعقول لا بالسلاح فقط، ومن لا يمتلك وعيًا صلبًا يكون فريسة سهلة فى معركة لا تُرى فيها الطلقات، ولكن تُشَنّ فيها الحروب على الشاشات وفى الهواتف.. لذلك، فإن مواجهة الشائعات ليست رفاهية، بل واجب وطنى ودينى وأخلاقى، تُشارك فيه كل فئات المجتمع، من المواطن العادى إلى المسئول، ومن الإعلامى إلى رجل الدين، ومن المعلم إلى الجندى.

إن الدفاع عن الوطن يبدأ من الكلمة الصادقة، والموقف الواعى، والمعلومة الموثقة. فمن يحب وطنه، لا يُروّج شائعة، ولا يطعن فى إنجاز، ولا يشكك فى جيش أو قيادة، بل يُسهم فى بناء الحصن المنيع للوطن: حصن الوعى.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية