تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > محمد الأبنودى > "غزة" الضمير العالمي.. والمعايير المزدوجة!!!

"غزة" الضمير العالمي.. والمعايير المزدوجة!!!

منذ عقود طويلة وفلسطين تنزف، وغزة تحديداً تتحول إلى رمزٍ للمعاناة والصمود في آن واحد. هذه البقعة الصغيرة من الأرض، التي لا تتجاوز مساحتها 365 كيلومتراً مربعاً، أصبحت مسرحاً متكرراً للمجازر، والحصار، والدمار، والخذلان الدولي. السؤال الذي يفرض نفسه اليوم أمام ما تشهده غزة من مآسٍ تكاد تزيل معالمها وتحوّلها إلى أثر بعد عين هو: أين ضمير العالم؟ هل ماتت الإنسانية في قلوب القوى الكبرى؟ أم أن المصالح السياسية والاقتصادية باتت أثقل وزناً من دماء الأطفال والنساء والشيوخ؟

ما يحدث في غزة اليوم تجاوز حدود المعقول، البيوت سوّيت بالأرض، المستشفيات تحولت إلى مقابر جماعية، المدارس ومراكز الإغاثة صارت أهدافاً مشروعة لصواريخ لا ترحم. آلاف الشهداء سقطوا، معظمهم من المدنيين. وفي كل مرة يرفع الفلسطينيون أصواتهم، لكن العالم يرد بالصمت أو ببيانات شجب باهتة لا تسمن ولا تغني من جوع.

ما أشد المفارقة حين نرى العالم بأسره يتحرك لأجل كارثة طبيعية في مكان ما، أو لأجل حرب في بقعة جغرافية أخرى، بينما يقف متفرجاً أمام الإبادة اليومية في غزة. هل اختلفت دماء أطفال غزة عن غيرهم؟ هل الفارق الوحيد أن القاتل هنا مدعوم من قوى كبرى لا تريد محاسبته؟

لقد أصبح واضحاً أن المعايير المزدوجة هي سيدة الموقف، الحديث عن حقوق الإنسان يعلو حين تخدم المصالح الغربية، لكنه يخفت إلى حد التلاشي عندما يتعلق الأمر بفلسطين. حتى المؤسسات الدولية، من مجلس الأمن إلى محكمة العدل، بدت عاجزة عن وقف نزيف الدم، وكأن القوانين الدولية كُتبت لتطبق على الضعفاء فقط.

جزء من موت الضمير العالمي سببه الإعلام الغربي الذي يعمل بانتقائية واضحة. فهو يبرع في تصوير الفلسطينيين كأرقام مجردة، بلا أسماء ولا وجوه ولا أحلام. في المقابل، يُضفى على الطرف الآخر صورة الضحية الدائمة، رغم ما يملكه من قوة عسكرية هائلة. هذه الازدواجية الإعلامية تسهم في طمس الحقيقة، وتغذية التعاطف الأحادي الجانب.

لكن على الجانب الآخر، برز الإعلام البديل، ومنصات التواصل الاجتماعي، ليكسر الحصار المفروض على الحقيقة، صار الشباب الفلسطيني يوثق بدمه وكاميرته ما يعجز الإعلام التقليدي عن نقله. ورغم المحاولات المتكررة لإسكات هذه الأصوات، فإن صور الدمار وصرخات الأطفال وجثامين الشهداء باتت تلاحق ضمير كل إنسان حيّ على وجه الأرض.

اليوم يمكن القول إن غزة تحولت بالفعل إلى أثر بعد عين. المدن التي كانت تضج بالحياة صارت ركاماً، البنية التحتية انهارت، المستشفيات لم تعد قادرة على استقبال المصابين، المدارس اختفت تحت الأنقاض. آلاف الأسر دُفنت تحت بيوتها، وأخرى شُردت تبحث عن مأوى لا وجود له.

ومع ذلك، يبقى المشهد الأكثر قسوة هو صمت العالم. لو أن كارثة بهذا الحجم وقعت في مكان آخر، لرأينا الجسور الجوية، والمساعدات الإنسانية، والضغوط السياسية لوقف العدوان. لكن غزة وحدها تُركت تواجه مصيرها كأنها خارج خريطة الإنسانية.

إن ما يحدث في غزة يكشف حقائق كثيرة، منها:

 أن القانون الدولي هش إذا اصطدم بمصالح الكبار،

وأن صمت العالم العربي والإسلامي، باستثناء بيانات الشجب والادانة الخجولة، أسهم في تفاقم الجرح.

لذلك فأن المقاومة ليست خياراً بل ضرورة، لأن شعباً تُرك وحيداً أمام آلة الحرب لا يملك سوى التمسك بحق الدفاع عن نفسه.

السؤال يظل معلقاً: أين الضمير العالمي؟ هل مات فعلاً؟ أم أن هناك فرصة لإحيائه من تحت الركام؟ الحقيقة أن التاريخ لن يرحم، وكل من صمت أو تواطأ أو تجاهل ما يحدث في غزة سيسجله التاريخ في قائمة العار. أما الشعوب التي تضامنت، ورفعت أصواتها، فهي تمثل بقايا الضمير الإنساني الذي لم يمت بعد.

الضمير ليس كلمات تُقال في المؤتمرات، بل هو مواقف عملية: إيقاف الحرب، محاسبة المجرمين، رفع الحصار، وإعادة إعمار غزة. ما دون ذلك يبقى مجرد ذرا للرماد في العيون.

غزة اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة، بل اختبار حقيقي لضمير البشرية. إذا عجز العالم عن إنقاذها، فما قيمة شعارات حقوق الإنسان، وما جدوى المنظمات الدولية؟ غزة تحولت إلى أثر بعد عين، لكن روحها لم تمت، وصمود أهلها ما زال يلقن العالم دروساً في الكرامة.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية