تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الوعي في مواجهة الشائعات.. ضرورة وطنية ومسئولية دينية
لم تعد الشائعات مجرد أخبار كاذبة تنتشر بين الناس على استحياء، بل أصبحت في عصر الإعلام الرقمي سلاحًا يُستخدم لهدم الدول وتفكيك المجتمعات، والتأثير في عقول الجماهير وصناعة الرأي العام. ومع اتساع فضاء التواصل الاجتماعي، باتت الشائعة تنتشر في دقائق، وتترك أثرًا نفسيًا واجتماعيًا قد يستمر لسنوات.
وفي مواجهة هذا الخطر المتنامي، يبرز الوعي المجتمعي كخط الدفاع الأول، وتتكامل فيه أدوار المؤسسة الدينية والإعلام لبناء حصانة فكرية وقيمية تحمي المجتمع من التضليل والفوضى المعلوماتية.
والشائعة ليست مجرد خبر غير صحيح، بل هي رسالة هدامة مقصودة تستهدف النيل من الثقة بين المواطن ومؤسسات دولته، وبث روح الإحباط والشك، أو تحريك الرأي العام في اتجاه معين لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.
وفي أوقات الأزمات سواء من أي نوع تنتعش الشائعات وتجد أرضًا خصبة بين الناس الذين يبحثون عن المعلومة بسرعة، فيلتقطون الأخبار دون تحقق. وهنا تتحول الكلمة من وسيلة للتنوير إلى أداة لهدم الوعي.
ولعل أخطر ما في الشائعة أنها تعتمد على نصف الحقيقة، فتبدو قريبة من الصواب، لكنها تحمل في طياتها السمّ المغلف بالصدق، فتخدع العقول غير الواعية، وتُحدث اضطرابًا في الرأي العام. ومن هنا يصبح الوعي الإعلامي والديني ضرورة لحماية المواطن من الانسياق وراء التضليل.
الوعي ليس مجرد معرفة، بل هو قدرة على التمييز والتحليل والفهم العميق للواقع. والإنسان الواعي لا يُخدع بسهولة، لأنه لا يأخذ المعلومة على ظاهرها، بل يتأمل مصدرها وسياقها وأهدافها.
ويبدأ بناء الوعي من الأسرة والمدرسة والمسجد والجامعة ووسائل الإعلام، وهي مؤسسات تتكامل لتكوين عقل ناقد يفكر قبل أن يصدق، ويتثبت قبل أن ينشر.
والوعي الوطني هو ما يحمي المجتمع من الانقسام والفتنة، لأن المواطن الواعي يدرك أن الشائعة ليست مجرد كلام عابر، بل قد تكون رصاصة في معركة الوعي، تستهدف أمن وطنه وثقة شعبه في قيادته ومؤسساته. ولهذا كان الوعي جزءًا من الأمن القومي، وجزءًا من التربية الوطنية والدينية في آن واحد.
وفي مواجهة الشائعات، يقع على المؤسسة الدينية الممثلة في الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء وغيرها دور محوري في توعية الناس بخطر الكلمة وأمانة النقل. فالدين الإسلامي سبق كل القوانين حين وضع ضوابط صارمة لتداول الأخبار، قال تعالى:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" [الحجرات: 6].
هذه الآية الكريمة تؤكد أن الشائعة ليست مجرد خطأ، بل قد تكون ذنبًا جسيمًا إذا أدت إلى ضرر أو فتنة.
ومن هنا، تعمل المؤسسات الدينية في مصر على نشر ثقافة التثبت، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، ومواجهة ما يُثار عبر مواقع التواصل من أكاذيب تمس الدين أو الوطن أو رموزه.
وقد أحسنت وزارة الاوقاف صنعا حينما أطلقت العديد من الخطب والدروس والندوات التي تؤكد على خطورة نشر الإشاعات دون علم، وتحث على الرجوع إلى المصادر الموثوقة، كما تبث دار الإفتاء عبر منصاتها رسائل قصيرة توعوية تربط بين الأخلاق الدينية والسلوك الإعلامي الرشيد.
أما الأزهر الشريف، فيقود من خلال مركز الفتوى الإلكترونية ومرصد الأزهر لمكافحة التطرف حملة فكرية متواصلة لرصد الشائعات التي تستغل الدين لأغراض سياسية أو متطرفة، فيُفندها علميًا ولغويًا وفكريًا، مؤكدًا أن الكلمة أمانة وأن من ينشر الكذب يسهم في إفساد العقول.
أما الإعلام، فيتحمل مسئولية لا تقل خطورة، فهو صانع الرأي العام ومصدر المعلومة الأول. والإعلام الواعي هو الذي يتعامل مع المعلومة بمهنية، فينقل الحقائق دون تهويل أو تهوين، ويقدم الخبر الموثوق لا المثير، ويرسخ لدى المواطن ثقافة السؤال والتثبت.
لقد أثبتت التجارب أن الشائعة لا تموت إلا بالمعلومة الصحيحة، وأن الرد السريع بالحقائق هو أقوى سلاح في مواجهة التضليل. ومن هنا يأتي دور الإعلام الوطني في الشرح والتحليل والتوضيح، وفي سد الفراغ الذي تملؤه الشائعات.
كما يجب أن ينتقل الإعلام من دور المتابع إلى دور المربي الواعي، فيقدم محتوى يعلّم الجمهور كيف يتحقق من مصادر المعلومات، وكيف يقرأ بين السطور، وكيف يفرّق بين الإعلام المهني والصفحات المأجورة التي تثير الفتن وتروّج للأكاذيب.
وفي ظل التطور الرقمي، أصبح من الضروري أن يتعاون الإعلام الرسمي مع الإعلام الجديد (منصات السوشيال ميديا) لتكوين شبكة وعي موحدة قادرة على مخاطبة الشباب بلغتهم وأدواتهم.
والوعي لا يُبنى بخطبة ولا برنامج، بل هو عملية تراكمية تتطلب تنسيقًا دائمًا بين المؤسسة الدينية والإعلام ومؤسسات التعليم والثقافة. فالإمام على المنبر، والصحفي على الورق، والمذيع على الشاشة، والمعلم في الفصل جميعهم شركاء في بناء الوعي الجمعي.
وعندما تتكامل الرسائل بينهم، ويكون الهدف واحدًا: تحصين العقول لا حشوها، وبناء الإنسان لا تعبئته، حينها فقط يمكن للمجتمع أن يصمد أمام سيل الشائعات.
إن الوعي في مواجهة الشائعات ليس رفاهية فكرية، بل ضرورة وطنية ودينية لحماية الأمن والاستقرار. فالمجتمع الواعي لا تُخدعه الأكاذيب، ولا تهزه الأخبار المضللة، لأنه يمتلك من البصيرة ما يجعله يميز بين الحقيقة والزيف.
ولذلك، فإن التعاون بين المؤسسة الدينية والإعلام هو صمام الأمان لمستقبل الأوطان، فالكلمة الصادقة تصنع وعيًا، والوعي يصنع أمة قوية تعرف كيف تبني، وتدرك أن معركة الشائعات ليست في الميدان، بل في العقول.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية