تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
رسائل صفقة الأسرى
مع الإعلان رسميا عن تنفيذ صفقة الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، فقد أضفى الحديث الجاد عنها الأيام الماضية من أطراف مختلفة طابعا سياسيا كبيرا يكفى لتحليل أبعادها وفهم مراميها الخفية، فهى واحدة من التطورات التى تؤكد أن إسرائيل خسرت معركة غزة مرتين.
المرة الأولى عند تعرضها لهجوم مفاجئ فى السابع من أكتوبر الماضى، حيث حطمت عملية طوفان الأقصى الكثير من الأساطير الإسرائيلية الأمنية وأنهت حقبة طويلة من الغطرسة الوهمية، والثانية عندما شنت قوات الاحتلال عملية عسكرية على غزة بهدف اجتثاث حماس وقنص قوتها المادية والمعنوية وتحرير الأسرى.
تؤكد تفاصيل صفقة الأسرى بين الجانبين التى تلعب فيها مصر وقطر والولايات المتحدة أدوارا مهمة أن إسرائيل عجزت عن محو عار ما جرى فى السابع من أكتوبر، ولم تتمكن من تحقيق أهدافها فى غزة، على العكس قد تفضى انتهاكاتها المستمرة لحقوق المدنيين فى القطاع إلى مشاكل كبيرة لها فى المستقبل، كما أنها لم تستطع مقاومة الضغوط التى تتعرض لها داخليا وخارجيا.
تشير المعلومات التى خرجت من جهات متباينة إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نيتانياهو لجأ إلى الموافقة على الصفقة مضطرا وبعد أن ضاقت أمامه الخيارات لتحرير المتحجزين من خلال العمليات العسكرية، التى اتخذها ذريعة لتهدئة أهاليهم مع طول أمد الحرب، وتبرير التمادى فى الهجوم على مستشفيات ومدارس وأماكن عبادة أمام الرأى العام، حيث زعم أن حماس احتفظت بهم أسفل هذه الأماكن.
منح نيتانياهو الوفد المسئول عن التفاوض مع حماس بشكل غير مباشر حول الصفقة ضوءا أخضر لمواصلة المشوار بعد أن تعطلت العملية عقب الهجوم على مجمع الشفاء الطبى، وهو ما ردت عليه حماس بوقف المحادثات وصاغت مبررا مزعجا لإسرائيل عندما قالت إنها فقدت الاتصالات مع المسئولين عن الأسرى، كأنها أرادت ممارسة المزيد من الضغوط السياسية على نيتانياهو الذى أصبح متهما بالدفاع عن مصالحه الشخصية وغبر عابئ بمصير المحتجزين.
وبعد أن استشعرت الإدارة الأمريكية خطورة الموقف وتزايد احتمال اندلاع صراع إقليمى نصحت نيتانياهو بالعودة إلى المحادثات وإبداء مرونة مع شروط حماس بشأن الأعداد المطلوب الإفراج عنها من الجانبين، والقبول بهدنة إنسانية لمدة خمسة أيام، وتسهيل دخول المساعدات ورفع الفيتو عن دخول الوقود لغزة، وبدأ التفاؤل يعود لإتمام الصفقة ونشرت وسائل إعلام أمريكية وإسرائيلية معلومات تفيد باقترابها.
يحوى التوجه نحو عقد الصفقة فى خضم الحرب الجارية رسائل عديدة، أبرزها أن نيتانياهو أخفق فى غالبية سردياته حتى الآن، بدءا من إنهاء وجود حماس فى غزة وحتى إجبارها على تسليم المحتجزين قسرا، فقبول التفاوض وحده يكفى للتدليل على أن إسرائيل تتخبط فى تحديد أهدافها من الحرب، وغير قادرة على تحديد أولوياتها، ولن تتمكن من حسم الكثير من الأمور عبر الأدوات العسكرية، فالعراقيل التى تتعرض لها سوف تدفعها لتقديم تنازلات تدريجيا، ربما تصل حد الموافقة على وقف النار.
أسهمت العثرات التى تواجهها قوات الاحتلال فى قطاع غزة، وارتفاع حجم التكلفة الإنسانية المؤلمة، وقدرة المقاومة على الصمود، فى الحاجة إلى التقاط الأنفاس من خلال هدنة تمنح كل طرف فرصة لتقييم ما وصل إليه، فارتفاع كلفة الحرب عسكريا وسياسيا واقتصاديا وعدم استبعاد تحولها لصراع إقليمى تفرض اللجوء إلى هدنة.
تتزايد أهمية الهدنة مع اصطحابها صفقة مثيرة حول الأسرى، وكلاهما من الملامح التى يتم التعامل معها كمقدمة لوقف الحروب، والتى لا تتوقف فجأة كما تندلع كذلك، فالحوارات التى تمت، ولا تزال، حول أسس الصفقة تنطوى على قناعة بأن الحرب تحولت إلى ورطة، ولابد من وسيلة أو طريق عملى للخلاص منها، واختيار ملف الأسرى وما يحمله من دلالات سياسية فى هذا التوقيت يؤكد أن نيتانياهو لم يستطع الإفلات من الضغوط التى يتعرض لها داخليا.
تستفيد حماس من ارتفاع صوت ذوى المحتجزين، خاصة مع اتساع دوائر المتعاطفين معهم واختلاط ذلك بصبغة سياسية وأمنية، إذ لم تتمكن الحرب الإسرائيلية من تقديم ما يشفع بالصبر عليها، ومع كشف معلومات بشأن أكاذيب روج لها نيتانياهو وشائعات تعمدت بثها حول ما جرى فى السابع من أكتوبر تراجعت الثقة فيه، وبدا راسخا أن طيران الاحتلال قصف مدنيين فى منطقة غلاف غزة فى ذلك اليوم وتسبب فى مقتل عشرات من الإسرائيليين، ما يخفف الغضب من حماس ويضعه على كاهل نيتانياهو.
يقود فهم هذه المؤشرات إلى تجاوب مع صفقة الأسرى ويبدو نيتانياهو كمن حقق شيئا ملموسا ينقذه من اتهامات عديدة تطوله أو يجذب الأضواء بعيدا عن الحرب، وفى النهاية يوحى بأنه يوفى بوعوده فى إحدى القضايا المهمة التى تبناها مبكرا، بصرف النظر عن الوسيلة التى حقق بها هدفه، أى بالقوة أو التفاوض، ويعيد ترتيب أوراقه المبعثرة بين خسائر الحرب البشرية وبين تكاليفها الاقتصادية.
لن ينسى الرجل أنه خسر سياسيا على المستوى الفردى والحزبى، وهناك حاجة لمن يخلفه لبذل جهود كبيرة لأجل تغيير الصورة السلبية التى أوجدتها المجازر المرتكبة بحق الأطفال والنساء فى غزة، وقد يكون نهمه للتمسك بالسلطة هو الذى دفعه نحو المضى فى صفقة الأسرى على أمل أن يوجد واقعا يمنحه برهة للحراك ويفلت من تداعيات الحبل الذى يلتف حول عنقه بشدة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية