تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
السودان بين حكومتين
يعول كثير من السودانيين على نتائج اجتماع اللجنة الرباعية، وتضم مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة، فى واشنطن، قبل تأجيله إلى وقت لاحق، لوضع حد لتفاقم أزمة ممتدة، بعد أن قامت قوات الدعم السريع وعدد من الحركات المسلحة والقوى السياسية المتحالفة معها بإعلان تشكيل مجلس رئاسى وحكومة فى مدينة نيالا بجنوب دارفور، بالتوازى مع الحكومة الشرعية المعترف بها ومقرها المؤقت فى بورتسودان إلى حين عودتها مرة أخرى إلى الخرطوم.
جاء الرهان على اجتماع اللجنة الرباعية، ويمكن وصفها بالسداسية بعد انضمام كل من قطر وبريطانيا إليها، من منطلق قدرتها على تحريك المياه السياسية، فلدى جميع أطرافها علاقات جيدة بالطرفين المتحاربين، وهما قوات الجيش السودانى والدعم السريع والمتعاونين مع كليهما، وتضمن التوليفة الدولية توفير قوة ضغط على الطرفين أو إقناعهما، لأن الموقف بعد وجود حكومتين متوازيتين قد تصعب السيطرة عليه، ويعيد إلى الأذهان شبح تجربة مريرة تعيشها ليبيا، حيث تعانى منذ سنوات من إشكالية التعامل مع حكومتين، إحداهما مقرها طرابلس، والأخرى فى بنغازي.
قد تكون تجربة ليبيا هيّنة، مقارنة بما ينتظر السودان، لأن التعقيدات فى الأخيرة أكبر، والصراعات أشد، والخلافات داخل كل حكومة وعرة، ربما يكون التباين وسط حكومة الخرطوم أقل حدة، بينما فى حكومة نيالا الافتراضية التحديات عميقة، وظهرت ملامح منها فى تأخير إعلانها بعد صراع على طريقة هيكلتها وتقسيم المناصب وتوزيع الاختصاصات، فضلا عن اختيار المقر، إذ أرادت الحركة الشعبية لتحرير السودان، جناح عبدالعزيز الحلو أن يكون المقر فى كادوقلى، فى حين أصرت الدعم السريع على نيالا، وهو ما جرى تمريره بعد معركة سياسية حامية.
أن يكون للسودان لأول مرة فى تاريخه حكومتان يعنى زيادة فى حدة الاستقطاب الشعبى، وارتفاعا فى مستوى الخلافات بين نخبه السياسية إلى ذروتها، فإذا كان هؤلاء وهؤلاء عانوا فى ظل وجود حكومة واحدة خلال عقود ماضية، فما هو مصيرهما مع الحكومتين. وهو ما لم يحسبه جيدا أصحاب الحكومة الموازية، فقد اعتقدوا فى قدرتهم على إجبار المجتمع الدولى على الضغط على حكومة الخرطوم لتقديم تنازلات أو الاعتراف رسميا بالحكومة الجديدة عقب ولادتها بعملية قيصرية، ناهيك عن التفكير فى إجبار المجتمع الدولى على إيجاد حل يضمن عدم تهميش قوات الدعم السريع.
من حق الجميع وضع الافتراض المناسب له، لكن واقع الاعتراف بحكومتين مرفوض دوليا، أو على الأقل صعب قبوله حاليا، فاللجنة الرباعية - السداسية التى عقدت اجتماعا فى واشنطن ليس من مهمتها الفرز وتوزيع المناصب واختيار القيادات، أو ورفاهية الحديث عن حكومة موازية تزيد الوضع تأزما، فى وقت يعانى المجتمع الدولى من أجل البحث عن حل للصراع مع حكومة واحدة، والعثور على صيغة تضمن وقف الحرب بعد أكثر من عامين على اندلاعها، تسببت فى تحولات كبيرة فى البلاد.
يعلم أنصار الحكومة الافتراضية أن خطوتهم رمزية، ولن يحصلوا على اعتراف دولى بها، أو جذب دول إلى صفهم تمنحهم مشروعية سياسية علنية، لكنهم يرون أن اللافتة فى حد ذاتها تمثل عنصر ضغط على الحكومة المركزية فى الخرطوم، وتجبر قوى متذبذبة ومرتبكة على التفكير فى التعامل معهم، بعد أن فشلوا فرادى فى نزع الشرعية عن المؤسسة العسكرية السودانية، التى تمكنت من ترتيب أوضاعها وانتزعت بالقوة العاصمة وولايات الوسط من الدعم السريع مؤخرا، وتسعى إلى بسط سيطرتها على مناطق عدة فى غرب البلاد.
تعد معركة مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، مفصلية للطرفين، بسبب ما تنطوى عليه من أهمية تاريخية، وما تمثله من أفضلية استراتيجية، وقد أمضت قوات الدعم السريع نحو عامين للسيطرة عليها تماما وأخفقت، وإذا تمكن الجيش السودانى والحركات المسلحة التى تنتمى إلى دارفور من إحكام قبضتهم على الفاشر سيكون داعمو الحكومة الموازية خسروا أحد أهم معاركهم الحيوية، ما يشير إلى إعلان مبكر بفشل خطوتهم، والتى يعلم من التفوا حولها حجم ما تواجهه من خلافات، قد تنفجر عند أول محك حقيقى تواجهه، فلدى كل حركة مسلحة وفصيل سياسى أهداف معلنة وأخرى خفية، وتوجسات تدفع كل طرف إلى الريبة.
ما يجعل الحكومة الموازية فى مهب الريح أن القاعدة السياسية التى انطلقت منها معطوبة وتحوى تناقضات عسكرية متعددة، فهى رفعت شعارا واهيا للسلام فى عموم السودان، وتشكلت على أساس مناطقى، ووضعت خيار التقسيم فى أجندتها، والأخطر أن جزءا كبيرا من الحركات التى تدعمهايتكون من فصائل انفصلت عن حركات أساسية متحالفة مع قوات الجيش وتخوض معارك فى دارفور إلى جانبه، ويحدوها أمل فى حسم الصراع بالإقليم الفترة المقبلة، ما يضع الحكومة الافتراضية فى مأزق، بين الاستمرار والتراجع، وكلاهما يحمل تكلفة سياسية وعسكرية باهظة.
أشد ما يخشاه سودانيون غيورون على بلدهم أن تؤدى خطوة تشكيل حكومة فى نيالا على أساس المحاصصة إلى فتنة داخلية بسبب الموزاييك الذى تتشكل منه، وكثرة الجيوش والحركات المسلحة التى يحتاج دمجها إلى معجزة، ومع عدم الثقة بينها سيكون من الصعوبة العثور على خطة لتشكيل جيش موحد، تتكون غالبيته من ميليشيات تجيد حرب العصابات، ما يجعل الاتجاه نحو حكومة موازية خطأ، قد يكلف أعضاءها ثمنا باهظا، فى شكل اقتتال أهلى يتغذى على خلاف قبلى وثأر مكبوت.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية