تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

العمامة والرصاص

استعرت عنوان هذا المقال من كتاب صدر قبل أيام للسفير طارق دحروج يؤصل فيه لظاهرة نمو الحركات الإسلامية العابرة للقارات وتعدد أنشطتها بين آسيا وأوروبا، ودورها كعنصر مؤثر فى عدد من التفاعلات الإقليمية والدولية، حيث يتم توظيفها من قبل بعض القوى فى بعض الصراعات، ومن يريد معرفة المنطقة التى سوف تزداد سخونة عليه التركيز على خريطة انتشار الجماعات المتطرفة والمعارك التى تخوضها، ومن خلالها يستطيع استشراف بؤرة التوتر القادمة.

 

ومع تصاعد حدة المعارك فى مالى حاليا بين قوات الحكومة فى باماكو وتنظيم القاعدة، بات من المتوقع أن ينصب الاهتمام الفترة المقبلة على منطقة الساحل الإفريقى، والتى بدأت بعض الحركات تنشط فى ربوعها، وتتمدد داخلها بصورة كبيرة، بما ينقل جزءا كبيرا من الثقل العسكرى إلى هذه المنطقة، ويسمح لبعض الدول بتهيئة الأجواء لتدخلات لا أحد يعلم طبيعتها وأهدافها وتداعياتها. وكما رأينا حركة واسعة لأنشطة المتشددين فى آسيا مع اندلاع الحرب فى أفغانستان، نرى الآن مقدمات لحركة أخرى فى غرب إفريقيا، ربما لم تتبلور ملامحها النهائية، إلا أن مؤشراتها توحى بوجود مشهد مكرر وشبه مألوف، قد يختلف فى تفاصيله، لكن تظل قسماته الرئيسية متقاربة، لأنه عبارة عن إعادة لإنتاج بضاعة تمت المتاجرة فيها سابقا.

سعدت بحضور ندوة حول كتاب طارق دحروج فى مركز ماسبيرو يوم الأحد الماضى لسبيين. الأول: إننى قرأت الكتاب عندما كان مخطوطة أو مسودة أعدها المؤلف فى صيغة أولية، وتناقشت معه حول عدد من النقاط، وكان صدره رحبا فى تقبل بعض الملاحظات، بحكم الصداقة والثقة والرغبة فى أن يخرج العمل بصورة محكمة، على أمل تحويله إلى مشروع فكرى واعد، مستفيدا من عمله الأكاديمى والدبلوماسى وخبرته فى دول كانت ركنا فى تغذية الحركات المتطرفة بروافد للحياة الممتدة ـ وليكون نواة لكتب أخرى تتناول ظاهرة الإسلام السياسى بجوانبها المتشعبة ـ وأصبحت فاعلا فى منطقة الشرق الأوسط، وجرى التخطيط لتكون ارتداداتها مؤثرة.

وقد تحولت الظاهرة إلى أداة يتم توظيفها سياسيا وأمنيا، ويحسب للمؤلف أنه من أوائل الذين تطرقوا إلى هذه القضية، ونشرت له صحيفة «الأهرام» مقالات عدة حولها منذ سنوات، كانت خلاصة لمتابعة ورصد وتحليل ما حدث فى أوروبا خلال أعوام ماضية، ودقت هذه المقالات جرس إنذار، وأننا أمام تحولات كبيرة فى أدبيات الجماعات المتشددة، والدول التى رعتها عن قصد أو بدونه، وبعدها بدأت أوروبا تنتبه إلى خطورة ترك المجال حرا أمام قيادات وكوادر تحمل أفكارا دينية متطرفة ومشحونة برغبة فى تعميمها داخل مجتمعات متعددة.

والسبب الثانى، هو مشاركة عدد كبير من النخبة المصرية المهتمة بهذه القضية، وعبّرت مداخلاتها القيمة عن وعى بخطورة نمو الظاهرة، ما أضفى على الندوة ثراء مضاعفا، عبر شرح تفصيلى لكثير من المكونات التى تطرق إليها الكتاب، وأكدت أن ندوة واحدة لا تكفى للتعرف على الهموم التى ينطوى عليهاانتشار التطرف فى أماكن متفرقة، والسرعة التى يتنقل بها الإرهابيون من مكان إلى آخر، ما جعل طارق دحروج يخصص جانبا من دراسته لمسألة الجغرافيا السياسية، كعنصر مهم فى فهم الظاهرة، ومحاولة تفكيك عدد من ألغازها، والإجابة عن تساؤلات تتعلق بتمركزها فى بعض الدول الآسيوية، وتتبع جذورها الأوروبية.

يواصل مركز ماسبيرو للدراسات تألقه بإشراف رئيس الهيئة الوطنية للإعلام أحمد المسلمانى، والذى مثلت له هذه الندوة نوستالجيا، أو حنينا إلى الماضى، حيث بدأ فى مركز الأهرام باحثا فى مجال الحركات الإسلامية، وكشفت مداخلته وتعليقاته عن متابعة مستمرة لهذه القضية، وهو ما ظهرت معالمه فى المقدمة الرصينة لكتاب «العمامة والرصاص»، والتى كانت أشبه بقاطرة لما بعدها من فصول، تشتمل على كنز من المعلومات، يمثل أهمية بالغة لأى باحث فى هذا المجال، يريد أن يتتبع الجذور ويغوص فى المآلات التى وصلت إليها بعض الجماعات المتطرفة، وما يتضمنه الكتاب قد يدفع إلى مزيد من الدراسة، لأن القضاياالتى تطرق إليها سوف تمثل شاغلا لكثير من الدول، بعد أن باتت الحركات الإسلامية جزءا من أداوت السياسة الخارجية لدى بعض القوى.

ربما يكون عنوان كتاب «العمامة والرصاص» الصادر عن دار «دوّن» للنشر جاذبا، لكنه أيضا معبر عن مضمونه ومختصر كثيرا من المسافات الفكرية فى التعريف بهذه الدراسة القيمة، والتى أعتقد أن السفير طارق دحروج سوف يتبعها بدراسات أخرى. فهذا الحقل الذى بدأالالتفات إليه منذ نحو عقدين على أيدى خبراء كبار، يحتاج المزيد من التأصيل والمتابعة والتحليل، بعد أن تضخم تأثيره ولم يعد مقصورا على منطقة محددة.

ويستطيع المتابع لهذا الشأن التعرف على تحولاته بمجرد أن تقع عيناه على ما تضمنه الكتاب من عناوين كاشفة، تتعلق بأسماء الجماعات والقيادات والدول التى لعبت دورا فى انتشارالحركات الإسلامية، حتى تحولت إلى ظاهرة يصعب التغافل عنها، لأنها دائما ما تجدد شكلها، وتتواءم مع بعض المستجدات.

نجح مركز ماسبيرو برئاسة مديرته الدكتورة سحر على، فى اختيار الموضوعات التى يسلط الضوء عليها مؤخرا، وفى معظمها تمس وترا وطنيا مهما، ما يجعل المركز إضافة للمنابر العلمية الساعية إلى معالجة رصينة لعدد من القضايا الحيوية.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية