تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الصحافة ومؤسسات الأمن القومى
عندما تجتمع الخبرة العملية مع الدراسة الأكاديمية تأتى النتيجة منطقية، وتوفر لصانع القرار والمسئولين والمهتمين وشريحة كبيرة من الجمهور معلومات يمكن الاستفادة منها فى معرفة الواقع واستشراف المستقبل. وما أحوجنا فى هذه الأيام إلى دراسات جادة تظهر الدور الحيوى الذى تقوم به مؤسساتنا الوطنية، والتى يفضل العاملون فيها البقاء فى الظل، وتحاشى التعرض لأضواء الإعلام، لخصوصية ما يقومون به من مهام، تتطلب قدرا من السرية، لكن يشعر المواطنون بنتائجها فى المحكات الرئيسية.
هذه مقدمة لما شاهدته وسمعته وسررت به فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة، يوم السبت الماضي، حيث ناقش اللواء شرطة أحمد كساب رسالته لنيل درجة الدكتوراه بعنوان «الصورة الإعلامية لمؤسسات الأمن القومى فى الصحافة المصرية وعلاقتها باتجاهات الجمهور نحوها»، ومنحته لجنة المناقشة المكونة من د.ليلى عبدالمجيد ود.نجوى كامل ولواء د. سيد أحمد محمدين، مرتبة الشرف الأولى وتبادلها مع الجامعات الأخرى، والتى تؤكد جدية الرسالة وما انطوت عليه من إضافة، ودقة صاحبها.
ربما تكون شهادتى مجروحة فى أحمد كساب، بحكم الصداقة التى جمعتنا منذ أن تزاملنا معا فى كلية الإعلام، ولم تنقطع علاقتنا بعد أن تفرقت بنا السبل، حيث عملت بصحيفة «الأهرام»، والتحق هو بكلية الشرطة بعد التخرج، ولا يزال كما عرفته مبكرا مغرما بالصحافة والقراءة والكتابة وحب الوطن، وبلور غرامه فى نيل درجتى الماجستير والدكتوراه فى الإعلام، وسار على طريق صديقنا المشترك لواء د. قدرى عبدالمجيد، الذى أعتقد أنه أسهم بدور كبير فى تشجيع كساب على مواصلة البحث العلمى والطريق الأكاديمي، مع التمسك بمنهج الشرطة فى الصرامة دائما، والليونة أحيانا، وعندما يأتى ذكر كساب لابد من ذكر اسم قدري، والعكس صحيح، فلم ألتق أحدهما، إلا وكان الآخر حاضرا بروحه معنا.
يمثل كلاهما نموذجا للانضباط والجدية وحسن الخلق، وهما عنوان مشرف لمؤسسة عريقة مثل جهاز الشرطة، ورافعة داعمة لصاحبة الجلالة فى كل مكان تواجدا فيه، ويختصر الجمع بينهما الكثير من المسافات المادية والمعنوية، والتى أوضحتها دراسة علمية رصينة قدمها أحمد كساب، فهى جمعت بين الحسنيين، أى الأمن بمفهومه الشامل، والصحافة باعتبارها رسالة، وأكدت أن التكامل بينهما عملية فى غاية الأهمية، ويصب فى صالح الوطن، ويقفز على كثير من المشكلات، وما قد يشوب العلاقة بينهما من تعقيدات، بسبب حرص رجل الأمن على السرية، وتمسك الصحافة بالعلنية.
وأضفت الرسالة روحا جذابة بتمكن صاحبها من شرح الدور المفصلى الذى تلعبه مؤسسات محورية أخرى تحافظ على الأمن القومى فى الداخل والخارج، فقد شرحت الدراسة التقدير المتنامى لدى الجمهور للأجهزة السيادية فى مصر، وفسرت أسباب الصورة الذهنية الإيجابية التى تختزلها ذاكرة الجمهور لها، والدوافع التى أفضت إلى هذه النتيجة خلال فترة زمنية معينة، محل الدراسة، وفى مجملها تتعلق بأنها أهم خط دفاع عن الدولة، كأرض وشعب وحكومة، ما جعلها ملاذا فى اللحظات التاريخية.
لا أريد التطرق إلى طبيعة الدور، كما أوضحته الدراسة بعمق، ويستطيع كل شخص تذكر الفترة التى مرت بها مصر بين عامى 2011 و2013، ليعرف حجم التغيرات التى حدثت، وما كشفته من عمق التحولات فى مجال الأمن القومي، التى جعلت بلدنا يحافظ على تماسكه ووحدته واستقراره وسط طوفان من العواصف التى مرت بها المنطقة، أدت إلى تدهور الأمن فى دول وانخراط أخرى فى حروب أهلية، وهو ما وضعت رسالة أحمد كساب يدها عليه بمهنية، تتجاوز قيمتها عرض شواهد لنخبة تمثل شرائح مختلفة من الرأى العام فى مصر عبرت عن رؤيتها، وتصل إلى تقديم تفسيرات عقلانية للعلاقة الوطيدة بين الأجهزة المنوط بها الحفاظ على الأمن القومى وبين مواطنين يثمنون دورها، لأنها تجيد التعامل مع التهديدات الخارجية بحرفية.
قدم اللواء د. أحمد كساب أطروحة ممتازة ونابعة من خبراته المتركمة التى اكتسبها من العمل فى جهاز الشرطة، وتعززت عقب انتقاله إلى منصب مهم فى الهيئة العامة للاستعلامات، ما يعنى أن النتائج التى توصل إليها تستحق التمعن فيها والاستفادة منها فى تعظيم العلاقة بين مؤسسات الأمن القومى وبين المواطنين، لما تحويه من أرقام ومضامين ودلالات وإشارات متعددة، فى توقيت يعد فيه التلاقى بين الجانبين جزءا أصيلا للحفاظ على مقدرات الدولة، والتى تمثل أهمية فائقة فى نظر الأجهزة المختلفة، وما تبذله من جهود كبيرة، وهى تجابه تحديات خارجية مصيرية.
نجحت الدراسة فى عرض مقتطفات منها، تشير إلى خصوصية العلاقة بين مؤسسات الأمن القومى والرأى العام، وما تقدمه الصحافة من عمل وطني، يدعم دورالأجهزة الأمنية، التى يواصل المنتمون إليها الليل بالنهار فى العمل من أجل حماية الدولة والحفاظ على استقرارها وعدم تعريض نسيجها الوطنى لأى خطر، قد يأتى من الداخل أو الخارج، وذلك هو الخيط الرفيع الذى حرص أحمد كساب على إبرازه برشاقة وموضوعية، ودون استخدام عبارات رنانة أو جمل مطاطة، وهو ما دفع لجنة المناقشة للإشادة برسالة من المتوقع أن تكون باكورة لدراسات أكاديمية جديدة، تظهر الجوانب الخفية التى تعكسها الصحافة فيما تقوم به مؤسسات الأمن القومى المصرى.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية