تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

ترامب والعرب.. و «حق القوة»!

تصيب سياسات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تجاه التجارة الدولية دول العالم بالدوار، لكن سلوكياته تجاه أوكرانيا تكاد تكون الأشد غرابة، تزعزع مفاهيم أساسية يرتكن إليها النظام العالمي: مثل سيادة الدول، احترام الحدود، والتعددية فى صنع القرار الدولى. يفرض ترامب تسوية أحادية الجانب على كييف، تستبعد الأمم المتحدة والحلفاء الأوروبيين، تضعف الشرعية المؤسسية للنظام الدولي، وتفتح الباب أمام عودة «حق القوة» كأساس للعلاقات بين الدول؛ تحول قد يقود إلى عالم أكثر فوضوية، تتسابق فيه الدول على تعزيز قواها العسكرية والاقتصادية، بدلا من الاعتماد على التحالفات أو القوانين الدولية؛ وبالتالى تصاعد سباقات التسلح، أو الحروب السيبرانية، لردع التهديدات فى غياب «ضامن عالمى».

من الخطأ تصور أن طريق ترامب إلى أهدافه مفروش بالورد، تواجه سياساته مخاطر ربما تعيق نجاحها، وهى مخاطر داخلية، مثل معارضة الكونجرس أو الرأى العام إذا أدت سياسته إلى إضعاف أوكرانيا بشكل يُنظر إليه كخيانة للقيم الأمريكية، أو خارجية، كردود الفعل الروسية غير المضمونة؛ فقد يرفض بوتين التسوية إذا لم تحقق أهدافه الاستراتيجية؛ ما يطيل أمد الصراع، ويعرض ترامب لانتقادات بأنه فشل فى «إنهاء الحرب» كما وعد من قبل.

لم تكن الأزمات الدولية يوما بعيدة عن لعبة القوة بين الأمم، وبالنسبة للشرق الأوسط، تنتهج السياسة الأمريكية البراجماتية الاقتصادية والتفاوض المباشر مع القوى الإقليمية، مع التلويح باستخدام القوة؛ يحدث حاليا مع إيران حول برنامجها النووى والصاروخي. تحولات تؤثر فى الدول العربية؛ وتعيد تشكيل ديناميكيات المنطقة: الأمن، الاقتصاد، والعلاقات الإقليمية. حيث يسعى ترامب لتقليص الالتزامات والوجود العسكرى الأمريكى فى الخارج، مع التركيز على الشراكات التى تحقق مكاسب استراتيجية مباشرة، ولأن دولا عربية، لاسيما فى الخليج، غنية بالثروات الطبيعية، خاصة النفط والغاز، فإنها ستكون فى صلب اهتمامات ترامب، الذى يركز على المكاسب الاقتصادية، ويرى العلاقات الدولية سلسلة من الصفقات التجارية.

هذا الأمر يتيح لتلك الدول فرصا وتحديات، قد تجد فى ترامب شريكا يضخ أسلحة متطورة واستثمارات أمريكية فى البنية التحتية والطاقة المتجددة، مقابل صفقات نفطية وتعهدات أمنية. فى الوقت نفسه، يدعم الرئيس الأمريكى إسرائيل بشكل مطلق، يمنحها أسبقية على ما عداها من الحلفاء، هذا الدعم لتل أبيب يعقّد الأوضاع بالشرق الأوسط، مع استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، كما أنه يتبنى سياسة «الضغط الأقصى» ضد إيران، وصولا إلى احتمال توجيه ضربة عسكرية إليها، وقد يشعل المنطقة، ومن ثمّ يعزز حضور الجماعات المتطرفة.

هذا كله يعنى أن دول الشرق الأوسط فى مفترق طرق؛ ففى ظل سياسات ترامب، تعتمد قدرة العرب على الوصول إلى أهدافهم على التكيف مع سياساته أو تحييد انعكاساتها السلبية على مصالحهم.. السيناريو الأفضل هو الوصول إلى «الشراكة المربحة»، بمعنى تقديم «صفقات» جذابة للرئيس الأمريكي، مقابل مكاسب استراتيجية: اقتصادية وأمنية وسياسية، من خلال تكتيكات مرنة للتعامل مع أمريكا «أقل التزاما بالمنطقة»، كذلك البحث عن التوازن بين الاعتماد على واشنطن وتنويع الشراكات مع الصين وروسيا وأوروبا وغيرها.. السنوات القادمة ستكشف مدى قدرة الدول العربية على التنقل بين جنبات العالم الجديد، الذى يرسمه ترامب، فى ظل مشهد متقلب للغاية.

مصر، على وجه الخصوص، تجد نفسها فى موقف شديد التعقيد، فى ظل السياسات الترامبية، باعتبارها دولة محورية فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، موقف يجمع بين فرص تعميق الشراكة مع واشنطن وتحديات قد تضعها فى مواجهتها، أو تعيق استفادتها الكاملة من هذه السياسات. تحوز القاهرة، فى ظل توجهات ترامب، فرصة لتعزيز موقعها كحليف استراتيجى لواشنطن، خاصة فى الطاقة ومكافحة الإرهاب، لكنها تواجه تحديات ثقيلة ومنافسين إقليميين، ربما يعرقلون خطواتها. يرتهن نجاح القاهرة على قدرتها على المناورة واللعب بذكاء مع ترامب البراجماتي، والحفاظ على التوازن بين المصالح الوطنية والضغوط الخارجية.

بالطبع، لا ينظر الرأى العام المصرى بارتياح إلى دعم الإدارة الأمريكية لإسرائيل، ودورها فى ملفات السودان وليبيا والسد الإثيوبى والبحر الأحمر والقرن الإفريقي، إلخ، حيث تتباعد التوجهات المصرية - الأمريكية أحيانا، وتتقارب أحيانا أخرى، لكنها لا تتطابق غالبية الأوقات، وتقليص الدور الأمريكى أو عدم الحسم فى تلك القضايا يترك فراغا يجذب قوى أخرى تزيد الأمور تعقيدا، أو أن تقف واشنطن مع أطراف تناوئ المصالح المصرية، مثلما تفعل دول إقليمية كإثيوبيا وإسرائيل وغيرهما، وفى قضايا السودان وليبيا وغيرهما. معنى ذلك أن القاهرة مطالبة بأن تجيد توظيف أوراقها، وهى كثيرة وثقيلة ومتنوعة، على عكس ما قد يتوهم بعضهم؛ لجذب «رجل الصفقات» إلى شراكة معززة، يعرف من خلالها كل طرف ما يحوزه الآخر، من مفاتيح وأوراق لعب استراتيجية، مع القدرة على إدارة الضغوط بوعى ومهارة.

فى الوقت نفسه يتوجب على القاهرة أن تمدّ خيوط الشراكات، مع القوى الفاعلة إقليميا ودوليا، مثل الصين أو روسيا أو الدول الأوروبية الرئيسية، ناهيك عن رص الصفوف العربية، بعيدا عن الضغائن أو تطلعات البعض لزعامة المنطقة دون امتلاك متطلباتها، ما يجعل الصف العربى ممزقا مخترقا هشا أمام التحديات والأزمات، إن إدراك القيادات والعواصم العربية أن وحدة الموقف هى الدرع الحامية لمصالح شعوبهم؛ كفيل بإعادة وزن العرب على الساحة العالمية؛ لأن قوة أى كتيبة تقاس بأضعف مقاتليها!.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية