تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

القتال حتى آخر أوكرانى!

باستثناء رئيس وزراء المجر،انحاز الزعماء الأوروبيون إلى الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، عقب شجاره مع نظيره الأمريكى دونالد ترامب، بالبيت الأبيض، لم يعبروا عن موقف وسط، ما يجعل من ملابسات الشجار «لحظة حرجة» تهدد التحالف الاستراتيجى بين القارة العجوز وأهم وأقوى حلفائها الولايات المتحدة.

اللافت أنه ربما يكون استشعار زيلينسكى هذا التضامن الأوروبى، مسبقا؛ دافعا لأن يتصرف بلا تحفظ مع رئيس القوة العظمى فى عالم اليوم، هذا التضامن لم يكن مجرد رد فعل عاطفى، بل تعبير عن إدراك أوروبى متزايد لخطر تراجع الدور الأمريكى التقليدى كضامن للأمن الغربي.تعالت أصوات الزعماء الأوروبيين مؤكدة أن «أوكرانيا ليست وحدها، دعمها هو دفاع عن أمن أوروبا ذاتها.. وأن روسيا هى المعتدى ويجب أن تدفع الثمن.. وأن العالم الحر بحاجة إلى قائد جديد». هذا الموقف الأوروبى، كما تجلى فى ردود الفعل الرسمية والإعلامية، يعكس مزيجا من الصدمة والتأييد لزيلينسكى، والإصرار على تعزيز «الاستقلال الاستراتيجي»، فى سياق يتطلب من القارة العجوز استعادة زمام المبادرة أو مواجهة مخاطر الانزواء. موقف يطرح أسئلة جوهرية حول التوازنات الجيوسياسية العالمية، فى ظل عدم اليقين تجاه الثوابت، وإمكان التباعد إلى حد الانفصال أو التنافس أو حتى العداء الأوروبي- الأمريكي. إن التصدع فى علاقات الطرفين يشكل خطرا وجوديا يهدد أوروبا فى صورتها الحالية، لو أقدمت واشنطن على خفض إسهاماتها فى حلف الناتو، ما يضطر معه الأوروبيون إلى زيادة إنفاقهم الدفاعي؛ والحد من برامج الرفاهية الاجتماعية؛ ما يضع أوروبا أمام اختبار قهري؛ فهل تستطيع القارة أن تتحمل مسئولية أمنها ودعم حلفائها، دون الاعتماد الكلى على واشنطن؟!.

ما يستحق التأمل بحق أن الطرف الأوروبي- ممثلا فى بريطانيا وفرنسا-استبق اللقاء العاصف بين ترامب وزيلينسكى، بالسماح بتمرير قرار فى مجلس الأمن لإحلال السلام فى أوكرانيا، يفتح الباب أمام روسيا للاحتفاظ بالأراضى الأوكرانية التى احتلتها، والاستيلاء على ثرواتها الزراعية والتعدينية، «القرار» الذى صاغته واشنطن وامتنعت لندن وباريس عن التصويت عليه، يتيح نشر قوات «حفظ سلام أوروبية» بالبلاد، لمراقبة بنود اتفاق السلام المنتظر، وإغلاق أبواب الناتو فى وجه كييف. لكنه كان «قرارااستثنائيا»؛ لا يطالب بانسحاب موسكو من الأرض التى احتلتها بالقوة؛قرار يدنس حرمة سيادة الدول وحدودها التى كانت أحد أهم أهداف منظمة الأمم المتحدة منذ نشأتها عام 1945، فى سابقة قد يعتد بها آخرون لافتراس جيرانهم وتكريس مبدأ احتلال الأرض بالقوة، بكل ما يعنيه ذلك من فوضى هائلة!.

هذا التراجع الأوروبى، برغم الغضب الذى أظهرته «قمتا لندن وبروكسل» بشأن كييف،يكشف احتمالا آخر أن القارة العجوز استشعرت أنها ستخرج من مولد أوكرانيا«بلا حمص»، بعد أن تتقاسم موسكو وواشنطن أرضها وثرواتها ومعادنها النادرة، وبدلا من أن تكون شوكة فى خاصرة روسيا تصير خنجرا فى قلب أوروبا؛ بهدف إذلالها عسكريا وسياسيا واقتصاديا؛ لتظل تابعا ضعيفا فى الفلك الأمريكي. لذلك لم يكن التضامن الأوروبى مع زيلينسكى مجرد «موقف أخلاقى»، بل هو استثمار استراتيجى فى استقرار الجوار الشرقي. أوكرانيا، التى تلقت من أوروبا مساعدات عسكرية ومالية تجاوزت 140 مليار دولار منذ 2022، تمثل خط الدفاع الأول ضد التوسع الروسى.

ومع تراجع الدعم الأمريكى؛ تجد دول الاتحاد الأوروبى نفسها مضطرة إلى رفع مساهماتها الدفاعية، وتعزيز قدراتها العسكرية المشتركة؛ ما قد يتطلب إعادة هيكلة الميزانيات الوطنية وتجاوز الخلافات الداخلية. أيضا الموقف الأوروبى لا يمكن فصله عن السياق الأوسع للعلاقات عبر الأطلسى، ترامب، بسياسته التى تضع «أمريكا أولا»، لم يترك مجالا كبيرا للشك فى أن العم سام قد يتخلى عن دوره كدرع أوروبية تقليدية، خاصة إذا ما استمر فى دفع أوكرانيا نحو تسوية مع روسيا دون ضمانات أمنية؛من ثمّ طالب قادة مثل ماكرون وتاسك بضرورة أن تكون أوروبا جزءا من أى مفاوضات بين واشنطن وموسكو؛ وأن يؤخذ الأمن الأوروبى فى الحسبان.

على الرغم من هذا الزخم، فإن التحديات أمام الموقف الأوروبى تظل جسيمة؛ الانقسامات بين الأوروبيين أنفسهم عقبة أمام تحقيق وحدة القرار، كذلك القيود المالية واللوجستية تكبح قدرتهم على تعويض الدعم الأمريكى بشكل كامل، خاصة فى ظل الضغوط الاقتصادية التى فرضتها الحرب على أسواق الطاقة والتجارة لديهم. ومع ذلك، فإن التباعد الأمريكى قد يكون بمثابة دافع لتفعيل «البوصلة الاستراتيجية»الأوروبية بجدية أكبر، عبر زيادة الاستثمارات فى الصناعات الدفاعية وتطوير قدرات استخباراتية مستقلة، وربما مواصلة القتال حتى آخر «جندى أوكراني»!.

تخشى الديمقراطيات الأوروبية أنه لو تمكّن بوتين من تحقيق انتصار بأوكرانيا، فقد يواصل الزحف تجاه غيرها، خاصة دول أوروبا الشرقية،وفى حين يدعى ترامب أنه يمتلك القوة لإنهاء الحرب،تجعل سياساته أمريكا تخسر «صورتها» كقوة عظمى، تحمى حلفاءها أو تفرض كلمتها، لاسيما بعدما أوضح أن قادة أوروبا قد تواصلوا معه؛ من أجل الاتفاق مع كييف، وأنه من الممكن التوصل إلى هذا الاتفاق.

ربما يكون من الأفضل عدم التسرع فى استخلاص نتائج نهائية فى الأزمة الأوكرانية، لكن المؤكد أنها باتت ساحة للتنافس الجيواستراتيجى بين القوى العظمى، مدفوعة بالموارد والموقع، وعاملامؤثرا فى إعادة تشكيل النظام العالمى، وذاك حديث آخر.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية