تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
زيارة خاطفة
رغم أنها كانت أول زيارة لي لبلاد الرافدين "العراق" ولم تستغرق سوى ثلاثة أيام، إلا أنني شعرت بارتياح شديد وارتباط غير عادي بهذا البلد العريق حضاريًا وإنسانيًا، وأحسست وكأنني لم أغادر قاهرة المعز وأتنقل بين أهلي وأصدقائي في مصر، وليس ذلك وصفًا مجازيًا أو صيغة مبالغة، بل هو ما شعرت به بالضبط منذ أن وطأت قدماي أرض مطار العاصمة بغداد.
في العراق رأيت بلدًا يتعافى مما لحق به من كوارث تابعة للاحتلال الأمريكي الذي استهدف بمعول الهدم والتدمير أسس وقواعد الدولة الوطنية، وأسهم في خلخلة بنيته الاجتماعية وشق صفوف العراقيين الذين كانوا يعيشون جنبًا إلى جنب مع كل الأعراق وأصحاب الديانات الأخرى وسط مناخ يسوده الوئام والتسامح وقبول الآخر، والذي انقلب لاحقًا إلى ضغائن وصراعات دفع ثمنها غاليًا المواطن العراقي واستقرار وأمن البلاد، وأفسح المجال أمام كيانات وتنظيمات إرهابية، منها تنظيم "داعش" الإرهابي الذى يحاول بشتى السبل والطرق العودة ثانية لواجهة الأحداث بواسطة تفجيرات انتحارية بين الحين والآخر ومهاجمة القوى الأمنية، وإطلاق تهديدات بالإضرار بالمنشآت العامة ومصادر مياه الشرب.
رأيت بلدًا يصر ويتمسك بعزيمة وقوة بنهج البناء في وجه دعاة الظلام والتخريب الذين يتسترون كعادتهم الذميمة برداء الدين لتبرير أفعالهم وعملياتهم القذرة والدنيئة بمجتمع يود العيش في سلام وهدوء، ففي كل المناطق والأحياء التي زرتها أو مررت عليها ببغداد شاهدت عملًا لا يتوقف لتشييد تجمعات سكنية جديدة، وتطوير وتحديث البنية التحتية، ومشروعات تستهدف توفير مزيد من فرص العمل والرفاهية الاجتماعية بكل أبعادها لشعب عانى وقاسى كثيرًا قديمًا وحديثًا، ويحق له نيل قسط من الراحة والسكينة والتقاط أنفاسه اللاهثة.
رأيت بلدًا يعي موقعه الصعب والمعقد في الإقليم جراء عامل الجغرافيا، ووجود قوى إقليمية على حدوده عليه الاحتفاظ بعلاقات جيدة ووثيقة معها، وأن الانخراط الأمريكي الكثيف في بلاد الرافدين جعله رقعة شطرنج يتنافس العديد من القوى الدولية على النفوذ بها وتوجيه الضربات للأطراف غير المرضى عنها وغير المرغوب فيها سياسيًا من قبل واشنطن، نظرًا للخلافات البينية الناشبة معها، وفي مقدمتها بطبيعة الحال إيران، ولذلك فإن العراق يحتاج للمساندة والمؤازرة المستمرة من جانب الدول العربية، حتى لا يترك وحيدًا يتصدى لما يصادفه من عثرات ومتاعب داخلية وإقليمية.
رأيت اقتصادًا ناهضًا ينفض عن كاهله الغبار ويبزغ نجمه ويحمل فرصًا لا تعد ولا تحصى للراغبين في الاستثمار الزراعي والتجاري وغيرهما من المجالات، ويسعى لتعويض ما فاته خلال سنوات الاضطراب ومحاربة الإرهاب، ومواجهة الفساد بقوة وحزم، حتى لا يعوق ويعرقل الجهود المبذولة لتثبيت دعائم الإصلاحات الاقتصادية والمالية، والمحافظة على مقدرات وثروات البلاد، لكى لا يهدرها الفاسدون الذين لا يكترثون سوى بما يحصلونه من مكاسب ومنافع ذاتية على حساب الجميع ولا يعنيهم أي شيء آخر.
رأيت شعبًا مقبلًا على الحياة وتعلو بسمة الأمل والرجاء وجوه أبنائه، ويطمح إلى غد أفضل لا يكدر صفوه المتشددون والمتطرفون وكل مَن يرمى لبث الفرقة بين جنبات المجتمع، وأن تعلو مصالح الوطن واستقراره فوق أي اعتبارات أو حسابات طائفية وعرقية وسياسية، وأن بلادهم قادرة بدعمه على تخطي ما يعترض سبيله من مشكلات وأزمات خانقة على جميع الأصعدة، وأن ينعم بالاستقرار السياسي بفضل توافق مكوناته وأطيافه السياسية، وأن يكونوا على قلب رجل واحد، لكي تستعيد بلاد الرافدين رونقها وبهاءها ومكانتها الجديرة بها وبتاريخها العريق.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية