تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
مستقبل العرب.. وعالم ما بعد الغرب !!
يبدو أن العالم يعيش حالة قلق صعبة ومتصاعدة مع فكرة وعملية التوجه نحو اليوم التالي..حالة ترقب وخوف عسيرة في انتظار لحظة ميلاد نظام عالمي جديد طال انتظاره رغم التبشير به منذ عقود.. نظام يريح البشرية من سطوة القطب الواحد وغطرسته التي اسقطت معها كل الاحلام والقيم والمبادئ الغربية التي صدعوا بها دول العالم ليل نهار ولم تكن سوى أمواج من سراب خادع وجذوع خاوية على شفا جرف هار..
أزمة قضية اليوم التالي تطال كل شيء..لم تتوقف عند الحروب المستعرة في مناطق عديدة في صدارتها حرب الإبادة الصهيونية في غزة والأراضي الفلسطينية عموما وكانت ولاتزال العنوان الأبرز لسقوط وامتهان القيم الإنسانية وليس الغربية.بل تمتد ازمة اليوم التالي الى عالم مابعد الغرب ونهاية تفرد الحضارة الأوروبية بقيادة العالم.. وهي معركة تزداد حدة وتشتد ضراوتها يوما بعد يوم.. لا تلقي فقط بظلال بل بحمم وشرر كالقصر كأنه جمالات صفر على مجريات الاحداث وتتسبب في ارباك المشهد العالمي واضطرابه وربما تؤدى الى انهيار المنظمات العالمية الكبرى التي كان البعض يجد فيها ملاذا لوقف الظلم ووضع حد لتدهور الأوضاع أو لتسلط الأقوياء على الضعفاء وهي مؤسسات بذلت دول العالم فيها جهدا كبيرا في سبيل الوصول الى آلية لتحقيق الأمن والسلم العالميين..
دراسات غربية كثيرة خلال السنوات الأخيرة تحدثت عن مرحلة مابعد الإمبراطورية الامريكية ونهاية نظام القطب الواحد وعالم ما بعد الغرب وما قبله ونحو عالم ما بعد الغرب.. الا ان الخطوات بدأت تتسارع مع دعوة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف صراحة خلال اجتماع منظمة الأمن والتعاون الأوروبي في برلين عام 2017 الى قيام نظام عالمي جديد اطلق عليه عالم ما بعد الغرب..
حديثا نحن أمام دراسة مهمة متفردة على الساحة الثقافية العربية في القضية تحمل رؤية جديدة وروحا أكثر صدقا وواقعية قدمها المفكر الكبير د. نصر عارف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والأستاذ بجامعات جورج تاون والعلوم الإسلامية والاجتماعية في فرجينيا وسانت اندروز في بريطانيا وبدر في البانيا..
أهم ميزة في كتاب د. نصر عارف بعنوان: عالم ما بعد الغرب الصادر عن مجموعة بيت الحكمة للصناعات الثقافية في 207 صفحات من الحجم المتوسط انه يمنحك مفاتيح الفهم والاستنارة بطريقة سلسة وسهلة تعينك على استيعاب تعقيدات اللحظة الراهنة خاصة والساحة تعج بكل أنواع الفتن ومنها ما يستعصي على فهم وادراك المتخصصين عربيا ودوليا فما بالك بالمواطن العادي الواقع تحت ضغوط لا قبل لاحد بها مغلفة بحصار محكم وخانق من الأكاذيب الصهيونية تلوث كل الفضاءات الالكترونية والسياسية وغيرها..
الكتاب يأتي في وقته تماما.. يجيب ببساطة وسلاسة عن الأسئلة الكبرى والصغرى التي تحير العقول والافهام حول ما يجري علينا وحولنا وكيف نفهمه في اطاره الصحيح بعيدا عن أي عواطف وانفعالات..
اعتراف د.عارف بتعمده أن يقدم رؤيته وتفسيراته لتشابك وتعقيدات الصراع الدولي بلغة بعيدة عن الاطار الاكاديمي والغارقين في النظريات السياسية والفكر الايدولوجي ومناهج الغرب إياها ساعد كثيرا في تقديم وجبة ثقافية سياسية مثيرة للعقل تضيئ جوانب ما استشكل من قضايا مطروحة على الساحة وتجيب عن أسئلة تلح على اذهان الكثيرين..
وذلك على طول احد عشر فصلا وخاتمة..
يمكن تقسيم الفصول الى قسمين: الأول خصصه لما يمكن أن نسميه البدايات في الفصول الأربعة الأولى عن قيم النطام الدولي من المركزية الأوروبية الى التعددية الكونية وجدلية العلاقة بين الاقتصادي والسياسي والعسكري.. ثم الصين وروسيا والاعداد لعالم مابعد الغرب والاتجاهات الكبرى التي تقود الى ذلك.
الثاني: النهايات.. نهاية الأفكار الكبرى والكيانات الكبرى ومستقبل النظام الدولي بعد الأزمة الأوكرانية والتعددية القطبية حقيقة في طور التشكيل وافريقيا ما بعد الغرب والعرب وعالم ما بعد الغرب..
ويخصص الفصل الأخير عن السقوط الأخلاقي للغرب في فلسطين..
بعد إشارات عن العولمة وكيف انقلب الغرب عليها عندما تعارضت مع مصالحه وتدعيمها للدول المنافسة وبعد طرحه للاسئلة عن تجمد العقل الغربي وتحجر المشاعرالانسانية لدى المسئولين الغربين تجاه حرب الإبادة وعشرات الاف من القتلى والجرحى الفلسطينيين.. في الوقت الذي يذرف فيه كبار القادة الدموع على أطفال الاسرى الإسرائيليين وكيف انهم حرموا من ابائهم ولا تلامس قلوبهم صور أطفال غزة الذين قتلوا او فقدوا جميع اهليهم..
ويخلص الى أن الموقف الغربي الأمريكي والأوروبي مما حدث في غزة يمثل خيانة تاريخية لكل القيم والمبادئ والمثل الغربية ولكل الأعراف والقوانين التي وضعها الغرب وفرضها على العالم سواء ميثاق الأمم المتحدة أو القانون الإنساني او اتفاقيات جنيف الأربعة..
الموقف الغربي الداعم للفظائع في غزة لايمكن ان يكون سياسيا بالمعنى الذي يقول ان المسئولين الغربيين خائفون على مناصبهم من انتقام جماعات الضغط الصهيونية في بلدانهم ولكن الحقيقة ان إسرائيل هي الأداة التي تنفذ الأهداف الغربية في العالم العربي.. ويشير الى أن تحرك الاساطيل لم يكن لمواجهة حماس وانما لضمان رسم هزيمة للعرب في غزة تكون من الفظاعة تؤدي لاطلاق موجة من التطرف والعنف في المنطقة تربك المجتمعات وتشتت جهود الدول وتحول دون الاستمرار في الخطط الاقتصادية المنشودة وتعيد العالم العربي الى حالة عدم الاستقرار لا يمكن معها تحقيق أي تنمية او ازدهار.
يؤكد د.عارف انه لم تمر على الغرب الجماعي لحظة تاريخية انكشفت فيها مستويات الانهيار القيمي والأخلاقي مثل اللحظة التي تزامنت فيها الحرب الأوكرانية مع الحرب على فلسطين وفيها سلكت النخب الغربية مسلكين متناقضين لمواجهة نفس الموقف والحادثة..ليتأكد للعالم سواد العنصرية والوحشية والاستكبار على الأعراق غير البيضاء والعقائد المخالفة للغرب.
سؤال مهم ظل يطارده المؤلف من بداية الدراسة وحتى السطر الأخير: في ظل التطورات على الساحة ما مستقبل النظام الإقليمي العربي؟!
والله المستعان..
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية