تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
لمتحف المصري الكبير.. قلب الفراعنة ينبض من جديد
ليس غريبًا أن تدهش مصر العالم مرة أخرى. من ضفاف النيل، لم تتوقف هذه الأرض يومًا عن الجمع بين الماضي والمستقبل، بين الذاكرة والحداثة. اليوم، في قلب هضبة الجيزة، أمام الأهرامات الخالدة، يرتفع أحد أعظم المشاريع الثقافية في القرن الحادي والعشرين: المتحف المصري الكبير (GEM)، الذي أصبح الآن مفتوحًا أمام الجمهور.
إنه أكثر من مجرد متحف؛ إنه حوار حي بين مصر القديمة ومصر المعاصرة، جسر بين الحجر الأثري وعمارة المستقبل.
صرح وُلد من رؤية
فكرة المتحف المصري الكبير بدأت مع مطلع الألفية. منذ عام 2000، تخيلت السلطات المصرية مكانًا يجمع ويحمي ويُجمل التراث الفرعوني، ليس مجرد نقل مجموعات، بل إعادة التفكير كليًا في الطريقة التي يختبر بها الزائر التاريخ.
بعد أكثر من عشرين عامًا من التصميم والتأجيلات والتطوير، افتتح GEM أخيرًا، وجذب أنظار العالم بأسره. يمتد الموقع على بعد كيلومترين فقط من الأهرامات، ويغطي نحو 500 ألف متر مربع، نصفها مخصص للمعارض.
عمارة الزمن
صممه المكتب الهندسي الإيرلندي Heneghan Peng، ويعد المبنى عملاً فنيًا قائمًا بذاته. هندسته المثلثية تنسجم مع الأهرامات القريبة، في حين يلعب الضوء والشفافية دورًا أساسيًا في التصميم.
المدخل الرئيسي الضخم يفتح على منحدر تصاعدي يقود الزائر نحو الأفق، كما لو كان حجًا عبر العصور. في الداخل، تتناثر أشعة الضوء الطبيعي على واجهات الحجر الجيري، كاشفةً عن جمال الحضارة الخالدة. كل تفصيل صُمم ليخلق حوارًا بين المقدس والحديث، بين أسرار المقابر ووضوح الحاضر.
كنز توت عنخ آمون لأول مرة بالكامل
من أبرز ما يميّز المتحف هو عرض كنز توت عنخ آمون بالكامل للمرة الأولى. أكثر من 5000 قطعة، بعضها لم يُعرض من قبل، تحكي قصة حياة وموت وأساطير الفرعون الشاب: مجوهرات ذهبية، عربات، صناديق جنائزية، وبالطبع القناع الذهبي الشهير.
المعرض لا يكتفي بالبهاء البصري؛ بل يسرد قصة إنسانية، من خلال مسار سينمائي غامر ومضاء بعناية، يعيد الحياة لعالم رحل دون الانزلاق في عروض مبهرجة. هنا يصبح الصمت لغة، وتبدو كل قطعة وكأنها تتنفس.
متحف القرن الحادي والعشرين
GEM ليس مجرد مكان للماضي؛ بل منصة ثقافية متجهة نحو المستقبل. يضم مختبرات حديثة للحفظ، مركز أبحاث، ومساحات تعليمية، ويطمح أن يكون مركزًا علميًا مرجعيًا.
التكنولوجيا لا تقلل من سحر المتحف، بل تعززه: إعادة تجسيد ثلاثية الأبعاد، عروض غامرة، أدوات تفاعلية للأطفال والباحثين على حد سواء. يعكس ذلك إرادة مصر في وضع الثقافة في قلب التنمية، وجعل إرثها قوة للمستقبل.
حارس الهوية
بالنسبة للكثير من المصريين، المتحف أكثر من مشروع ثقافي؛ إنه فعل حب للوطن. بحفظه أكثر من 100 ألف قطعة، يصبح GEM حارسًا لهوية تمتد عبر آلاف السنين. في معارضه، يشعر الزائر بعاطفة فريدة: السير حيث بدأت الحضارة.
“هذا المتحف هو رسالتنا إلى العالم”، يقول أحد القائمين عليه. “لا نريد أن تبقى مصر مجمدة في الماضي، بل أن تتحدث إلى المستقبل.” وهكذا يحقق GEM أعظم إنجازاته: إعادة الحياة للعصور القديمة دون خيانتها.
رحلة حسية وروحية
زيارة المتحف المصري الكبير تجربة من الذاكرة والضوء. كل قاعة محطة، وكل تمثال نظرة. يكتشف الزائر براعة الحرفيين، عظمة الملوك، ورقة الآلهة. الممرات الواسعة تدعو إلى التؤدة، فالزمن يتمدد، معلقًا بين الأمس والغد.
خارجًا، تراقب الأهرامات المكان، وعند غروب الشمس، ينزلق الضوء على زجاج المتحف وتتلألأ التماثيل الحجرية بلون ذهبي. ندرك حينها أن هذا الصرح لم يُبنى للعرض فقط، بل ليحيي الماضي.
افتتاح تحت أنظار العالم
في 1 نوفمبر 2025، عند افتتاح GEM رسميًا، لم يكن مجرد حدث مبنى، بل ولادة حلم مصري طال انتظاره عقودًا. توجهت كاميرات العالم إلى الجيزة، ووقفت مصر مرة أخرى في مركز المشهد الثقافي العالمي.
GEM ليس نهاية، بل بداية: لحوار متجدد بين الماضي والحاضر، بين الذاكرة والخيال.
خاتمة: نفس الزمن الأبدي
المتحف المصري الكبير ليس مجرد مكان للعرض، بل تنفس الزمن وجسر بين الأحياء والخالدين. حيث يتحدث الحجر، وتكتب الضوء، وتنظر إلينا الحضارة مباشرة في عينيها.
في صمت المعارض، نسمع خطوات البنائين، وصلوات الكهنة، وأنفاس الفراعنة. نشعر بأن كل قطعة تحمل قصة، وكل زاوية تؤكد أن مصر لم تتوقف يومًا عن صنع الخلود.
عند المغادرة، يغادر الزائر المكان وهو محمّل بإحساس عميق: أن التاريخ ليس مجرد ماضٍ، بل حكاية حية تتنفس معنا في كل لحظة، وأن المتحف المصري الكبير أعاد الحياة للفراعنة، وجعل الحلم المصري حاضرًا أمام العالم.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية