تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > ماجد منير > مسارات الأمل فى إقليم مضطرب

مسارات الأمل فى إقليم مضطرب

إن ما يشهده إقليم الشرق الأوسط من اضطراب مخيف، وموجات مرعبة، وتقلبات لم تكن فى الحسابات، وتموجات خارجة عن السيطرة، يجعلنا نطرح السؤال: ألا من أمل للخروج من هذا النفق المظلم؟، ألا يلمح أحد ضوءا، ولو خافتا فى نهاية هذا النفق الذى وجدت المنطقة كلها نفسها مدفوعة إليه دفعا، بعد أن استفاقت على الكثير من الأوجاع والأوهام؟

 

معظم دول المنطقة- التى تعد الأكثر تنوعا، على سطح الكرة الأرضية، عرقيا ودينيا وقوميا - تتوجع ألما، وتعيش فى حيرة، وتشرب من كأس اليأس والتشاؤم، بعد أن نجح أصحاب المصالح الكبرى فى سكب الزيت على النار، وإشعال فتيل التفجيرات، حتى خنقتنا رائحة البارود.

ولم نعد نملك رفاهية الانتظار أكثر من ذلك، وليس عندنا المزيد من الوقت لنضيعه، بل لا بد من حراك سريع قبل فوات الأوان، للخروج من هذا النفق المظلم بأقصى سرعة ممكنة؛ حتى لا نواجه ما لا تحمد عقباه، ونندم بعد ضياع الفرصة.

ويوما بعد يوم تزداد قتامة المشهد، وتتبدد الفرص لانقشاع غيوم التوتر فى إقليم مسته حمى التصعيد، بتمسك دعاة الحروب بمخططاتهم التى يصرون على فرضها عنوة على المنطقة، بينما دعاة السلام بُحت أصواتهم، ولكن لم تلن عزيمتهم، ولم يضعف إيمانهم بأن صوت العقل والحكمة سيفرض نفسه، والأمل كل الأمل ألا يكون بعد فوات الأوان.

وبعد أن عجزت الإرادة الدولية عن إنجاز العدالة، أو إنفاذ القانون الدولى، أو حتى تطبيق أبسط مبادئ الإنسانية، وضع الرئيس عبدالفتاح السيسى النقاط فوق الحروف، وأعطى إشارة البدء، ووضع يده على مكان الداء عندما قال فى المؤتمر الصحفى مع الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البحرين، إنه لا بد من الانخراط الجاد والفورى فى مسارات التوصل لحل سياسى عادل ومستدام للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وإنفاذ دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، والاعتراف الدولى بها، وحصولها على العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة.

الرئيس حدد خارطة الطريق، كما أعلنتها مصر مرارا، حين شدد على التخلى عن الحلول العسكرية وتصورات الغلبة والنفوذ والهيمنة، والسماح للجهود المخلصة الهادفة للسلام بالنجاح، وفتح مسار بديل لشعوب ودول المنطقة يحمل أملا بمستقبل؛ توحد فيه شعوب ودول المنطقة جهودها من أجل الرخاء والتنمية.

منذ اللحظة الأولى استشعرت الدولة المصرية خطورة الوضع الإقليمى الذى يضع أمن واستقرار ومستقبل شعوب المنطقة، موضع تهديد حقيقى من النافخين فى أبواق الحروب، الذين لا هدف لهم إلا شرعنة التدخل فى الشئون الداخلية لدول المنطقة، والتحكم فى مصائر البلاد، برغم ادعاءات السعى الحثيث لإطفاء نيران الحرب، بينما هم ينحازون لطرف على حساب الآخر دون مواربة، أو حتى خجل.
 

ولم تمل مصر قبل يوم 7 أكتوبر2023 وبعده، من مطالبة المجتمع الدولى، باعتماد منهج الحلول الدبلوماسية، والتخلى عن الحلول العسكرية، التى لا تؤدى إلا إلى مزيد من الفوضى والحروب الأهلية، ولنا فى السودان واليمن وليبيا وغيرها من الدول المثال الصارخ على تدمير عدة دول، والدوس المتكرر على سيادتها وسلامة أراضيها.

إن مصر ترى أن الظلم التاريخى للفلسطينيين لا يمكن أن يستمر لأجل غير مسمى، وليس هناك مجال للمساومة على الحقوق المشروعة، ولا سبيل للأمن إلا حل الدولتين، وهو ما آمنت به دول العالم بعد أن فشلت الحلول العسكرية، وسياسة فرض القوة والأمر الواقع، وتحكيم القوة التى قتلت آلاف الأبرياء من المدنيين دون ذنب اقترفوه، أو جريمة ارتكبوها، إضافة إلى آلاف المصابين، ومعظمهم من الأطفال والنساء، مع ما يقرب من مليونى لاجئ ضاقت بهم أرضهم التى تحولت إلى مقبرة واسعة، ليس فيها ماء ولا طعام ولا دواء، وإنما دماء وأشلاء، ترعى فيها الكلاب والحيوانات الضالة.

نحن فى حقل ألغام شديد الخطورة، يوشك أن ينفجر كله، يلزم الجميع توخى الحذر، والبحث عن حلول عادلة من أرض الواقع، ولا يخفى على أحد أن منطقة الشرق الأوسط تحتضن نصيبا كبيرا من صور الإرهاب على مستوى العالم، وأضحت ساحة لتغيرات جيوسياسية واسعة تنعكس على موازين القوى الإقليمية والدولية، بهدف تصفية حساباتهم خارج حدودهم.

ولا يغيب عن المحللين السياسيين أن التهديدات الأمنية التى تواجه دول الإقليم تتعقد وتتشابك، وهو ما يعنى أن الحلول لابد أن تكون إبداعية لا كلاسيكية، وإلا فسيواجه - أى الإقليم - خطراً كبيراً من اندلاع حرب قد تكون عواقبها مدمرة، وهو ما قد يزيد من المخاطر المتعلقة بتصنيفات دول المنطقة.

نحن أمام مخاطر مزعجة، فى توقيتٍ غير عادى، فى بقعة من الأرض شديدة الخطورة، يضاف إليها تزايد الظواهر الجوية غير المواتية، التى تجتاح القرى والمدن فى عدة دول، وتدهمها بفيضانات لا قبل لها بها.

ما أحوج المنطقة إلى طرح مبادرات ومسارات بديلة، وتسويات برعاية قوى إقليمية ودولية، لتقليل فجوة الخلافات بين الفواعل السياسية، وتخفيف الضغوط، والتعامل مع التوازنات الجديدة التى أحدثتها التطورات الأخيرة.

أقول ذلك برغم يقينى بأن التحديات كبيرة، والمعوقات صعبة، والمتاريس تحتاج إلى جهود جبارة للقفز فوقها، وتجاوز خط النيران التى توشك أن تحرق الجميع، بعد أن تصاعدت الاضطرابات بشكل مخيف، ومنها حرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال على غزة منذ شهور دون مراعاة للقوانين الدولية، والمبادئ الإنسانية، وكذلك المناوشات الإيرانية - الإسرائيلية، والتوتر فى مياه وأرض وسماء مضيق باب المندب، وما يحدث فى السودان ولبنان واليمن والعراق، إضافة إلى الحرب الروسية - الأوكرانية بتأثيراتها الواسعة- ومن قبلها فيروس كورونا «كوفيد- 19» - على التبادل التجارى وسلاسل الإمداد، واقتصاديات دول المنطقة والعالم.

وأدرك فى الوقت نفسه، أن المهمة ليست مستحيلة، ويبقى أن يتسلح الجميع بالوعى والتعايش والتصالح والتسامح، وساعتها، سيتوقف هزيم المدافع وأزيز الطائرات، وصوت التفجيرات المزعج غير المرغوب فيه، وستخسر قنابل «النابالم».

إن الأمل له مفعول السحر، وعندما يرى اليأس يدخل الحرب، ويرفرف بأجنحة الظلام، يسارع هو ويحاربه بالنيابة عنا، فهل تمسكنا بالأمل الأخير الذى تطرحه مصر بقوتها، واتزانها، وثقلها الإقليمى والدولى، ودورها التاريخى، واستعدنا زمام مصير المنطقة من بين أيدى دعاة الحروب؟!.

حدد الرئيس خارطة الطريق، كما أعلنتها مصر مرارا، حين شدد على التخلى عن الحلول العسكرية وتصورات الغلبة والنفوذ والهيمنة، والسماح للجهود المخلصة الهادفة للسلام بالنجاح، وفتح مسار بديل لشعوب ودول المنطقة يحمل أملا بمستقبل؛ توحد فيه  هذه الشعوب والدول جهودها من أجل الرخاء والتنمية

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية