تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > ماجد منير > عام الشراكة المصرية ــ الصينية

عام الشراكة المصرية ــ الصينية

تحولت العاصمة الصينية بكين على مدى عدة أيام إلى خلية عمل، وكان الحدث الأبرز «زيارة الدولة» التى قام بها الرئيس عبدالفتاح السيسى بدعوة من الرئيس الصينى شى جين بينج، حيث كانت القضية الفلسطينية، وحرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلى على غزة منذ عدة شهور، على رأس جدول أعمال اللقاءات المختلفة، إضافة إلى فعاليات الاجتماع الوزارى العاشر لمنتدى التعاون العربى الصيني.

 

اكتسبت المحادثات، هنا فى بكين، أهميتها بسبب التوقيت الصعب والحساس، وما تمر به المنطقة من ظروف استثنائية، وموقف الصين التاريخى من القضية الفلسطينية، وحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة، والذى يتوافق مع الرؤية المصرية بأنه لاسبيل للاستقرار الإقليمى والدولى إلا بالمعالجة الشاملة للقضية وحل الدولتين.

برؤية القائد والزعيم، حرص الرئيس السيسى على إحداث نقلة تاريخية فى العلاقات مع الصين منذ عام 2014، لإيمانه الشديد بقدرة هذا البلد العملاق على المساهمة فى التنمية المنشودة، فكان التعاون المثمر، الذى أسفر عن توطين صناعات فى مصر، وزيادة التبادل التجاري، والحضور المكثف فى مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة، والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وقطاعات الطاقة والنقل.
وتزامن توقيت «زيارة الدولة» ــ التى جاءت بدعوة من الرئيس الصينى ـ مع الذكرى العاشرة لترفيع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة فى عام 2014، والتى حرص عليها الرئيس السيسى منذ اللحظة الأولى، انطلاقا من أهمية الصين للأمة العربية والقارة الإفريقية على وجه العموم، ومصر على وجه الخصوص، وضرورة الاستفادة من تجربة «التنين» فى التنمية، والتى أصبحت نبراسا لكل دولة تريد أن تأخذ مكانها بين العالم المتقدم.
ومن خلال متابعتى عن قرب للمباحثات بين الزعيمين الكبيرين، فى قاعة الشعب الكبرى بالعاصمة بكين، أستطيع أن أقول إنها جاءت مثالية، وشهدت توافقا حول كل القضايا التى تضمنها جدول الأعمال، واختتمت بتوقيع عدد من اتفاقيات التعاون، والإعلان عن عام «الشراكة المصرية - الصينية»، الذى من المقرر أن يشهد العديد من الفعاليات الدبلوماسية والاقتصادية والاستثمارية والثقافية والسياحية، للانتقال بالشراكة إلى آفاق أرحب.
وحرص الجانب الصينى فى المباحثات المهمة على إعلان دعمه الكامل لحقوق مصر المشروعة فى الحفاظ على أمنها واستقرارها فى مواجهة التحديات، وكذلك حقها فى حماية أمنها المائى والغذائى ومصالحها التنموية.. بينما أكدت مصر الالتزام الثابت بمبدأ «الصين الواحدة» ورفض أى تدخل خارجى فى الشئون الصينية الداخلية.
وتتمتع العلاقات المصرية ــ الصينية، بخصوصية متفردة، سهل منها، وساعد عليها، كونهما بلدى حضارة قديمة وعريقة، وتطورت بشكل ملحوظ فى السنوات الأخيرة، لما يجمعهما من توافق سياسي، من حيث العمل من أجل السلام والعدل، واحترام الشئون الداخلية للدول، إضافة إلى الثقة المتبادلة، والصداقة الوطيدة بين الرئيس السيسى ونظيره الصيني، ويعزز هذا التقدير الصينى للدور المصرى المحورى كركيزة أساسية لاستقرار المنطقة، ومركز ثقل العالم العربى والقارة الإفريقية.
وتلتقى الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والصين فى عدة نقاط مضيئة، حتى أنها أصبحت نموذجا وسراجا للتعاون الصينى مع الدول العربية والإفريقية.
ولا غرابة فى أن المساحة المشتركة بين مصر والصين، كبيرة وتتسع لمثل هذا التعاون المتفرد، فالصين صاحبة نهضة عظيمة، ومصر حققت فى عهد الرئيس السيسى إنجازات تقترب من حد الإعجاز، لبناء وطن، وتأسيس جمهورية جديدة، تأخذ بكل أسباب النمو والنهضة والحياة الكريمة لكل جموع الشعب.
وفى ضوء متغيرات عالمية، سريعة ومتلاحقة فاجأت الجميع، ظهرت الحاجة الملحة إلى بناء مجتمع عربي- صيني، ومصير مشترك، لمواجهة تحديات العصر الجديد، وما أكثرها، وما أشدها تعقيدا، وما أحوجها إلى حلول فورية من خارج الصندوق؛ لمجابهة الوضع الدولى الذى تشابك، وتعقد، بشكل لم يكن يتوقعه أشد المتشائمين، بداية من حروب، وتفشى أوبئة، وتغير مناخي، مرورا بأزمات مالية واقتصادية، ونهاية بندرة بعض الموارد.
وتتعدد أسباب التقارب العربى الصيني، ومنها ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ أن الدول العربية تمثل سوقا رائجة للمنتجات الصينية، ومنطقة جاذبة للتجارة والاستثمارات والإنشاءات، وتطوير العمل فى مجالات الطاقة والبنية التحتية، وهو ما تجيده الصين وتتفوق فيه.
تضرب العلاقات العربية- الصينية بجذورها فى تاريخ طويل وعميق يمتد لآلاف السنين، مرت بمراحل قوة وضعف، وكالعادة اتخذت مصر موقع القيادة، وكانت أول دولة عربية اعترفت بالصين الشعبية عام 1956، ومن لحظتها والصين شريك رئيسى فى تعزيز البنية التحتية فى العديد من دول العالم العربي، كما كانت ظهيرا فى تأييد ودعم القضية الفلسطينية، بل أن الجامعة العربية وقعت اتفاقيات تعاون معها، مما نقل العلاقة إلى مستوى جديد، وعزز الثقة بين الطرفين اللذين تبنى كل منهما قضايا ومبادرات الآخر، دون استهداف أطراف أخرى، أو بناء تحالفات، وإنما شراكات تقوم على المكاسب المشتركة.
وقبل أكثر من ألفى عام ربط «طريق الحرير القديم» بين الحضارتين العربية والصينية، كما توجد أرضية كبيرة بين الجانبين للتعاون فى المجالات الاقتصادية والتجارية والزراعية والصحية، وفى عام 2004، تم الإعلان عن تأسيس منتدى التعاون العربي- الصيني؛ بهدف مجابهة التحديات، واتخاذ إجراءات احتياطية أمام «ظاهرة العولمة»، وزيادة التواصل فى مجالات تكنولوجيا الاتصالات والفضاء والأقمار الصناعية والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعى والطاقة الجديدة والاقتصاد والتجارة والصحة.
وفى آخر 20 عاما، تحولت الصين إلى صديق مشترك للدول العربية، وتم تعزيز التواصل فى إطار «مبادرة الحزام والطريق»، والتى تشجع النمو الاقتصادي، وتقوم على التعاون بين عدة أطراف، وتعزز الشراكات، وتتوافق بصفة خاصة مع رؤية مصر 2030.
وتمثل مصر جسرا ممتدا يربط بين الصين وقارة إفريقيا، ولعبت ولا تزال، دورا مهما للغاية فى تنمية العلاقات الصينية ــ الإفريقية، وتسعى للوصول بها إلى أعلى نقطة، والصمود بتلك العلاقات فى وجه ما يهددها من تقلبات وتحديات؛ يساعد على ذلك تمسك الصين بمبادئ المصالح المشتركة والمساواة والشراكة فى التنمية دون قيود أو شروط.
من المؤكد أن آفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة أصبحت أرحب، بعد عقد من إطلاقها، خاصة مع الرغبة المشتركة فى الارتقاء بالعلاقات؛ بما يفتح الباب أمام مرحلة تاريخية جديدة، لا تقتصر ثمارها على مصر والصين، فحسب بل تؤثر على التعاون متعدد الأطراف، خاصة على المستويين العربى والإفريقي.
إنه قدر مصر، أن تكون دائما فى موقع القيادة والريادة والمسئولية التى لا يضطلع بها إلا الدول الكبيرة.
 
***
تلتقى الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين مصر والصين فى عدة نقاط مضيئة، حتى إنها أصبحت نموذجا وسراجا للتعاون الصينى مع الدول العربية والإفريقية
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية