تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > ليلى الراعى > هل تراجعت الأخلاق فى زمننا؟

هل تراجعت الأخلاق فى زمننا؟

السؤال يشغلنى كثيرا.. ويشغل أيضاً الكثيرين:هل تراجعت حقاً الأخلاق والمثل العليا فى أيامنا هذه؟ هل اختفت الفضيلة من حياتنا؟ هل صار مجتمعنا ماديا يبحث فقط عن المصلحة متجاهلاً القيم والمبادئ النبيلة؟ السؤال الصعب الذى يشغلنى والذى يحمل فى الحقيقة فى جنباته اتهاماً لمجتمعنا وحياتنا بأسرها ليس سؤالاً جديداً.. بل هو سؤال أو فلنقل اتهام مطروح فى كافة الأزمنة .. طرحته الأجيال السابقة.. بل وطرحته أيضاً مجتمعات فى عقود وأزمنة مختلفة بنفس هذا الإصرار.. هو سؤال قديم إذن.. والمدهش فى الأمر أن كل جيل يتحسر على الحال الذى وصل إليه المجتمع ويقول فى أسى تلك الجملة الشهيرة: فين زمان.. وفين أخلاق زمان؟ وأهل زمان هؤلاء الذين نتخذهم مثلاَ أعلى فى إتباع الأخلاق والمثل والفضائل يتحسرون بدورهم على حالهم ويقارنون أوضاعهم بالسابقين ويقولون هم أيضاَ فى حزن: أين نحن من أخلاق زمان!

 

إذن الكل فى حالة عدم رضاء .. والكل يعتقد أن السابقين كانوا أفضل، وأن حياتنا اختلفت عن حياة أجدادنا التى كان يكتنفها أمان وسكينة لأن الفضيلة والأخلاق النبيلة كانت تسودها.. هناك من يعتقد أن وسائل التكنولوجيا الحديثة والتطور العلمى فى مختلف مناحى الحياة ساهمت فى تراجع الأخلاق وتدهور القيم بشكل عام.. وهناك من يقول إن الحروب المدمرة والاستعمار الحديث بأدواته القامعة وامكاناته الهائلة أدى بالفعل إلى اختفاء المثل العليا من حياة الأفراد.. ومن يظن أن عدم إتباع تعاليم الدين هو السبب الأول لتراجع الأخلاق.. فالدين هو الداعم الرئيسى لروابط القيم وله دور كبير فى وضع أسس السلوكيات الأخلاقية التى يجب أن تسود فى المجتمعات..ولا ننسى الاتهام الشهير الذى يضعه البعض فى المقدمة هو التفكك الأسرى وانشغال الأب والأم الدائم عن الأبناء بحجة السعى وراء الرزق ومحاولة رفع المستوى المادى للأسرة.. الوضع الاقتصادى الصعب له نصيب أيضاً.. فهو فى عين الكثيرين من أهم الأسباب التى ساهمت فى تراجع الأخلاق.. حينما لا يجد المرء لقمة عيشه.. عندما تضيق به الدنيا فمن السهل عليه التخلى عن مبادئه وأخلاقه.. ونعود مرة أخرى إلى السؤال الذى طرحناه فى بداية المقال: هل تراجعت الأخلاق حقاً فى مجتمعنا.. هل اختلف الوضع عن السابق؟

يشير علماء الاجتماع إلى أهمية الأخلاق فى المجتمع.. فهى العنصر الأساسى فى تكوين أفراد صالحين يؤدون بضمير واجباتهم الاجتماعية فتصون بذلك المدنية والحضارات من الضياع والانهيار، فضلاً على أنها تلعب دوراً أساسياً فى تنمية الشعوربالآخرين.. ويمكننا القول إن الحياة الاجتماعية المتوازنة الصحيحة تقوم وتتحقق بفضل كل من الأخلاق والقانون..

ومع مرور الزمن تتغير المجتمعات ومعها تتغير السلوكيات وأساليب الحياة وعادات الأفراد.. فما كان يحدث فى المجتمعات القديمة لا يحدث الآن.. وما كنا نعتبره عيباً فى السابق أصبح أمراً مألوفاً اليوم.. فما نطلق عليه انهياراً فى الأخلاق قد لا يكون فى الحقيقة سوى اختفاء لبعض العادات..

التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة بمختلف أنواعها والتى يتهمها البعض بأنها ساهمت فى تراجع الأخلاق والقيم أتاحت لنا سماوات مفتوحة رحبة ننهل منها المعارف والعلوم ومكنتنا من متابعة الأنباء والأحداث فى العالم كله ونحن فى بيوتنا وغرفنا.. وأتاحت أيضاً فرصا للتواصل والتعارف بين شعوب العالم.. هذه الوسائل مثل كل شيء الإسراف فيها مضر والتعامل الرشيد مفيد.

والأسرة العصرية التى تعمل ليلاَ ونهاراً من أجل أن تحسن مستوى أبنائها الاجتماعى.. كيف لا نقدرها ولا نحترمها؟ هذه الأم التى تخرج منذ الصباح الباكر وتعود إلى بيتها بعد ساعات عمل طويلة لتطعم أولادها وزوجها وترعى بيتها، ألا تعطينا درسا نبيلاً فى القيم والأخلاق؟ أليست هى أفضل من ست البيت التى تتفانى فى تدليل أبنائها طيلة الوقت وتمنحهم حناناً مفرطاً يكاد يكون مريضاً باعتبار أن هذا هو السلوك الأمثل فى التربية؟أتذكر هنا كلمات الأديب الفرنسى الكبير أندريه جيد: الأسرة هى سجن كبير للطفل.. قضبانه هى أذرع هؤلاء الذين يحبونه.. فالحميمية المفرطة ليست فى مصلحة الطفل.

وكثيراً ما نلوم الشباب على سلوكياتهم وتصرفاتهم ونصفها بالطائشة ونحملها أكثر مما تحتمل.. ونقول فى أسى إنه الانهيار الأخلاقى.. وهذا الحكم المتسرع يعكس معه رؤية غير ناضجة.. فهى ربما فقط علامات على التمرد والرغبة فى تأكيد الذات والخروج من أسر التبعية للكبار، ولكن ليس إلى حد وصفها بالانهيار الأخلاقى..

على صعيد آخر هناك مجتمعات تأخذ الدين مظهراً خارجياً فقط من أجل إعطاء الانطباع بأنه مجتمع صالح تسوده الفضيلة بينما الحقيقة تختلف عن ذلك.. فى المقابل توجد مجتمعات يسودها الانضباط والالتزام الذاتى بدون مظاهر استعراضية للتقوى.

لن يختفى الشر من العالم وسيظل دائما هناك أشخاص منحرفون.. وبالتالى معرفة ما إذا كان هناك انهيار للأخلاق أم لا يقتضى النظر إلى المجتمع فى مجمله..

ويطرح السؤال نفسه: كيف إذن نقيم مجتمعاً ما ونقول فى ثقة إنه مجتمع فاضل؟

هناك مؤشرات عامة قد تساعدنا على الإجابة عن سؤالنا هذا..فنحن لا نستطيع بالتأكيد أن نختبركل ظاهرة أو كل مؤشر على حدة.. هى إذن ظواهر عامة نستعين بها.. فإذا كان مجتمع يعيش فى سلام.. لا يعرف الحروب الأهلية.. لا توجد فيه نزاعات عنصرية.. مجتمع منتج يحقق تقدماً.. فتلك كلها علامات تشير إلى أنه مجتمع تسوده الأخلاق والفضيلة..بشكل كببر.. حكمنا هنا عام حقاً.. لا يدخل فى تفاصيل حياة الأفراد التى لا تعنينا فى الحقيقة.. إنما هو حكم على فاعلية إدارة المجتمع وهو المؤشر الأهم.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية