تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

لغز كليوباترا

معرض لغز «كليوباترا» الذى ينظمه معهد العالم العربى بباريس والذى تم افتتاحه فى 11 يونيو الماضى ويستمر إلى 11 يناير 2026 يمنح الزائر فرصة رائعة لتأمل صفحات التاريخ وإعادة قراءتها من جديد.. بين صالاته وجدرانه.. من خلال معلومات وثائقية.. ولوحات فنية رائعة من العصور القديمة ومشاهد من أفلام فنية.. وعروض موسيقية.. ومصادر أخرى تاريخية شاهدة على العصر مثل المجوهرات والحلى.. المنحوتات والتماثيل.. العملات المعدنية.. أوراق البردى.. وغيرها.. يعيد المرء قراءة عصر ذهبى لمملكة مصر المزدهرة فى عصر البطالمة حينما كانت الإسكندرية عاصمتها.. كانت الملكة كليوباترا السابعة تتصدر المشهد حينذاك..ملكة قوية شجاعة حكمت مصر القديمة منذ أكثر من ألفى عام..وتعد كما يقول المؤرخون الحاكمة الأسطورية وواحدة من أشهر الشخصيات المعروفة فى العالم القديم..

 

تجولت فى أرجاء المعرض مستمتعة بكل هذه الأجواء التاريخية التى تجعلك تعيش بالفعل تفاصيل هذا العصر بكل خصوصياته.. أمعنت قراءة المعلومات التاريخية التى كتبت بعناية على الجدران وتأملت الجداريات واللوحات الفنية الرائعة التى صورت كليوباترا فى شتى مراحل حياتها.. فى قوتها وضعفها.. فى لحظات النهاية وهى ترقد فى فراشها وقد فارقت الحياة ويبدو إلى جوارها الثعبان الذى بث سمومه فى جسدها.. هكذا أرادت هذه المرأة القوية الفاتنة أن تغادر الحياة بعد أن تأكدت لها هزيمتها. والمعرض الذى يحمل عنوان «لغز كليوباترا» أو «سر كليوباترا» يجعلك بالفعل تتساءل فى حيرة: من هى هذه الملكة التى حيرت العالم بذكائها وفطنتها وقدرتها على إدارة البلاد؟ كليوباترا آخر ملوك سلالة البطالمة التى أثارت خلفها تساؤلات حار المؤرخون فى إيجاد إجابة لها.

هذه المرأة الفاتنة التى أذابت قلب قيصر فى البداية ثم مارك أنطونيو وصارت قصتها الغرامية مضربا للأمثال. والمعرض فى محاولة لكشف غموض أسطورة كليوباترا المحيرة يتبنى عبر تفاصيله التاريخية العديدة خطين رئيسيين.. الخط الأول والذى تدعمه الرؤية الشرقية والتى تمجد هذه الملكة التى استطاعت أن تحكم مصر من خلال استراتيجية محكمة استمرت طوال عشرين عاما وهى فترة طويلة بالتأكيد حافظت خلالها على استقلال مصر وتمكنت من إثرائها وإعمارها وجعلتها تقف فى صدارة دول العالم.. والخط الثانى الذى يتبناه الرومان يقدم رؤية مختلفة تماماً عن كليوباترا.. فهى فى نظرهم امرأة شهوانية لعوب.. امرأة غاوية مجنونة.. تشهد نهايتها على اضطرابها النفسى..هكذا قدمتها الرؤية الغربية.

على صعيد آخر كانت أسطورة كليوباترا كنزا ثمينا للسينما العالمية وكيف لا تكون كذلك وهى تحمل ببن ثناياها مادة ثرية مثيرة تغرى أى مخرج للتصدى لها.قراءات فنية كثيرة قدمتها السينما العالمية تدور كلها حول هذه الشخصية التى أصبحت أيقونة عالمية فى محاولة للكشف عن غموضها.. وتسابقت نجمات السبنما العالمية على تجسيدها لعل أشهرهن اليزابث تايلور وصوفيا لورين وفيفيان لى ومونيكا بيلوتشى وغيرهن. وتحولت كليوباترا إلى علامة تسويقية لترويج العديد من السلع من العطور إلى السجائر.

ويظل التساؤل مطروحا: من هى كليوباترا حقا؟ هل هى المرأة القوية الجسور التى حملت هموم بلادها على أكتافها ونهضت بها ودفعتها نحو الصفوف الأولى مستخدمة كل الطرق والوسائل.. أم أنها كما يقول الغرب المرأة اللعوب التى نجحت فى استمالة الرجال وايقاعهم فى حبها من أجل تنفيذ أهدافها؟ حسناً.. نحن بالتأكيد لا نملك إجابة حاسمة عن تساؤلاتنا هذه.. فالتاريخ كما نعلم يقبل وجهات نظر مختلفة بل ومتعارضة.

ولكى نفهم اختلاف وجهات النظر المختلفة للمؤرخين والأدباء فى تفسير سلوك الملكة كليوباترا السابعة لا يمكن لنا فصل شخصيتها عن تاريخ مصر.. فقد فتح الإسكندر الأكبر مصر عام 332 قبل الميلاد وكانت مصر وقتها محتلة من الفرس الذين ناصبوا الشعب المصرى العداء واحتقروا عقائده وثقافته.. ونحن نعلم كيف أبدى الإسكندر توقيرا واحتراما لعقائد المصريين.. أسس الإسكندر إمبراطورية مترامية الأطراف. وحين شعر القائد الشاب بدنو أجله، الذى حان فى 323 قبل الميلاد، وزع أجزاءها بين جنرالاته، وكانت مصر من نصيب بطليموس. ليبدأ عصر البطالمة الذى استمر نحو 300 عام. صحيح إذن أن البطالمة أسرة من أصل يونانى تحكم مصر ولكن لم تكن هناك عاصمة استعمارية كبرى تنتظر أن يرسلوا لها خيرات مصر وخراجها.. فعملوا على نهضة مصر وازدهارها وتجلى ذلك فى العديد من الإنجازات على رأسها مكتبة الإسكندرية.

وتعد كليوباترا السابعة من الجيل العاشر لهذه الأسرة. ولهذا كان من الطبيعى أن يقدم أحمد شوقى كليوباترا فى مسرحيته «مصرع كليوباترا» باعتبارها ملكة وطنية لم تعرف لنفسها بلدا غير مصر وتسعى دائما للحفاظ على رفعتها واستقلالها. وكانت حسب تصوير شوقى شخصية قوية وذكية ونبيلة النفس.

وفى مقابل ذلك اهتم شكسبير فى مسرحيته أنطونيو وكليوباترا بعاطفة الحب القوى الصادق التى تربط بين أنطونيو وكليوباترا. الغرام الذى نشأ بينهما أبعد من أن يكون حيلة نصبتها كليوباترا لتحمى بلدها، لأنها أحبته بالفعل.. وكذلك أنطونيو الذى ضحى من أجل حبه لكليوباترا بالكثير وحرم نفسه من أن يكون قيصرا لروما، وانتهت القصة بانتحار الطرفين كما حدث مع روميو وجولييت.

أما برنارد شو فيلفت إلى علاقتها بقيصر والتى سبقت حبها لأنطونيو ويصور قيصر على أنه رجل من رجال التاريخ العظام.. حكيم وبعيد النظر، أما كليوباترا فهى تناضل نضالا مشروعا من أجل استقلال بلدها عن روما ليضفى شو بذلك شرعية على نضال المستعمرات التى تحاول الاستقلال عن بريطانيا فى الفترة التى عاشها.. ولهذا وطد قيصر لكليوباترا دعائم الحكم وتركها عائدا إلى روما تاركا معها طفلهما قيصرون.

ويظل لغز كليوباترا يشغل عقول الناس فى العالم بأسره إلى يومنا هذا.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية