تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
زمن الثقافة التافهة
هل نحن نعيش حقاً فى زمن الثقافة التافهة؟ أو فى قول آخر زمن الرداءة؟
هذا المصطلح الذى انتشر بقوة فى العقد الأخير من عصرنا انتشارا يجعلنا نتصور أننا أمام ظاهرة غير مسبوقة أو بالأحرى ظاهرة كانت هامشية وأصبحت اليوم سائدة.. التقنية الحديثة بوسائلهاالمختلفة وعلى رأسها الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى وملحقاتها (تويتر وانستجرام إلخ.) ومن قبلها التليفزيون بقنواته الفضائية، هل أسهمت فى تأصيل ثقافة الاستسهال والبعد عن البحث الجاد الذى يتطلب العمل الدءوب والنفس الطويل؟
هذا السؤال يعبر عن ورطة نعانيها فلا نكف عن اتهام هذه الوسائل الحديثة وفي نفس الوقت لا نستطيع الاستغناء عنها ليوم واحد إذ صارت ركناً أساسيا فى حياتنا.. للإجابة عن هذا السؤال علينا أولاً أن نفرق بين الثقافة العامة والثقافة التافهة..الثقافة العامة تعنى المعلومات العامة الموسوعية وغير المتخصصة.. هى ليست متخصصة حقاً ولكن بها إلمام بمعارف مختلفة دون تعمق.. ربما هى نوع من إشباع حب الفضول..يتمتع المرء الذى يمتلك هذه الثقافة العامة بسعة الأفق والإطلاع الواسع ومن ثم القدرة على التسامح وتقبل الآخر بثقافته وفكره المختلف ولهذا فهي محل تقدير.. أما الثقافة التافهة فهى تلك الثقافة التى تضفى أهمية وقيمة على ما ليس له قيمة فى الحقيقة.. فهى تجعل المرء ينشغل طوال يومه بأمور تافهة تستغرق وقته وطاقته معتقداً أنها مهمة وضرورية فى حياته في حين أنها تسهم فى تضليله وخداعه بإعلاناتها الجذابة وكلماتها البراقة..
ربما نجد هذه النوعية من الثقافة منتشرة بشكل كبير على صفحات فيس بوك.. على سبيل المثال أخبار النجوم من الفنانين ولاعبي الكرة وتفاصيل حياتهم الشخصية..هذه النوعية من النميمة تجد رواجاً كبيراً لدى الناس.. أو إعلانات مضللة والتى تروج معها لكسب المال السريع دون الحاجة إلى العمل.. أو كتابات من تلك النوعية التى توهمنا بأن السعادة فى متناول أيدينا فقط لو اشترينا سلعة ما لا نكون بالتأكيد بحاجة إليها.. أو كلمات تروج للسعادة المقترنة بالحرية والفسح والسهر والذهاب إلى المطاعم والفنادق..حرية زائفة وسعادة زائفة الهدف منها انفاق المال.. ومنها أيضا ترديد الشائعات والأحكام النمطية المسبقة والمعارف السطحية والتي غزت كل المجالات العلمية والفنية والدينية. علينا أيضاً أن نميز بين المعرفة والتعلم.. فنحن على صفحات الإنترنت أمام فيض غامر من المعلومات، والمعرفة التي تكتسب سريعا ترحل سريعا.. عكس التعلم الذي يستخدم العقل فيه قدراته في التحليل والتركيب والمقارنة والتذكر، وبالتالى يحتاج إلى دأب وعمل متواصل ومتابعة وهو يساعد على تكوين الشخصية، فالشىء الذى نبذل فيه مجهوداً يظل دائماً فى العقل والوجدان..ونفرق على صعيد آخر بين البسيط والتافه.. فهناك ثقافة بسيطة حقاً لكنها مفيدة.. تساعدنا بشكل ما على تدبير أمور حياتنا اليومية..على سبيل المثال معلومات عن الطعام الصحى المفيد..معلومات عن بعض السلع والمنتجات وأماكن بيعها.. أحدث إصدارات الكتب.. الأفلام الحديثة التى لاقت رواجاً.. إلخ. ربما هى ليست معلومات علمية كبرى لكنها قد تكون مرجعية لنا فى حياتنا اليومية تساعدنا بشكل ما على اتخاذ القرارات السريعة بشأن بعض الأمور.. بعكس الثقافة التافهة التى تشغل الوقت والعقل والبال بلا جدوى. ولكن لماذا تلقى الثقافة التافهة إعجاباً كبيراً لدى الناس؟ وإذا كانت ليس لها أهمية كبرى فلماذا تشغل بال الناس إلى هذا الحد؟ هل هي، كما يرى شوبنهاور، وسيلة لتفادي مواجهة النفس التي تحاول الهروب من ضآلة شأنها بالثرثرة مع الآخرين، أم هي، كما يرى هيدجر، نوع من الهروب من الحياة.. من مواجهة المشكلات.. من اتخاذ القرارات المصيرية.. فهى تشغل بال الإنسان بأمور تافهة تبعده عن واقعه..كلاهما قال ذلك قبل عصر الانترنت. ويحدثنا الفيلسوف الكندى ألان دينو فى كتابه «نظام التفاهة» الذى قامت بترجمته إلى العربية دكتورة مشاعل الهاجرى عن ملامح عصرنا والذى يصفه بالرداءة .. عناصر عديدة يذكرها الفيلسوف فى كتابه عززت هذه الصفة فى مجتمعات العالم المختلفة من بينها تأثير الميديا السلبى على حياتنا مشيرا إلى أن التليفزيون وشبكات التواصل الاجتماعي نجحت فى(ترميز) التافهين أى تحويلهم إلى رموز ونجوم مطلقاً عليهم (مشاهير السوشيال ميديا).. من خلال عبارات قصيرة مختزلة ومقابلات ليس لها طائل وضيوف لا يملكون أى موهبة يُطلق عليهم خبراء ومتخصصون. ونشير كذلك إلى أعداد المتابعين الذين يتجاوزون الملايين لأشخاص يتسمون بالتفاهة وضحالة المعرفة. هكذا يتم اختزال مسيرة العمل الجاد التراكمى وتقليص الدور التدريجى لصور النجاح وحصره فى ثقافة الاستسهال التى تبحث عن المال والشهرة بأسهل الطرق .. ولكن هل يبدو الأمر حقاً بهذه الصورة القاتمة ؟
ألم تكن التفاهة والرداءة موجودتين فى كل العصور بنسب مختلفة؟ إنها بالتأكيد ليست وليدة هذا العصر فقط.. كل ما فى الأمر أن الوسائل الحديثة بتقنيتها الفنية المتطورة ساعدت على ظهورها وانتشارها بصورة أكبر..
الرصد إذن صحيح ولكن التهمة ظالمة.. فوسائل الاتصال الحديثة بأنواعها المختلفة تساعدنا على العمل والبحث والتسلية وقبل كل شىء الارتقاء بحياتنا..فكل عصر له خصائصه وصفاته.. فإذا كان عصر الإنترنت قد أتاح للجميع المعلومات والقراءات المجانية الواسعة فضلاً عن وسائل الترفيه المختلفة فمن العبث أن ندير لكل هذه الإمكانات ظهورنا ونتجاهل فوائدها الحيوية بحجة أنها تفتح الباب أمام التفاهات وتساعد على انتشارها.. الأمر بأيدينا.. علينا أن نتعلم الاستخدام الرشيد لهذه الوسائل كما نلاحظ لدى شعوب أخرى.. يمكننا التحكم فى اختيارتنا.. يمكننا تجاهل الردىء والاهتمام بالمفيد وتدريب النفس على عملية الفرز بين الصالح والطالح ..
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية