تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > ليلى الراعى > أطول حضارة عرفتها الإنسانية

أطول حضارة عرفتها الإنسانية

بعد قراءات وتأملات فى تفاصيل وأحوال الحياة لدى أجدادنا العظام: قدماء المصريين، أطرح السؤال الذى يتبادر على الفور إلى الأذهان:
لماذا استمرت الحضارة المصرية كل هذه الحقب؟
لماذا لم تأفل وتنتهى مثل حضارات أخرى عظيمة شهدتها الإنسانية؟

 

هناك العديد من الأسباب الحيوية التى جعلت هذه الحضارة العظيمة تستمر فى العطاء والازدهار لآلاف السنين.. أهمها كما يقول لنا الخبراء نهر النيل.. هذا النهر الخالد  لعب دوراً أساسياً وبارزاً وكان المصدر الرئيسى لمياه الشرب والزراعة على السواء مما ساهم فى استقرار السكان وأتاح لهم حياة منتظمة ومستقرة وهذا الأمر فى الحقيقة من أهم العوامل التى دفعت بالحضارة الفرعونية نحو خطى الأمان والتقدم الاقتصادى.. النيل أطول أنهار العالم يمتد مجراه لآلاف الكيلومترات ولاحظ مؤرخو الحضارات انه لم تنشأ حضارة عظيمة على ضفتيه إلا في أصعب منطقة يمر بها وهي مصر حيث يجري في قلب واد صحراوي قاحل.. لقد استنفر النيل عقل المصريين ليخرج أبرع ما عنده.

على صعيد آخر امتلكت مصر ثروات طبيعية متنوعة مثل المعادن والأحجار الكريمة مما سمح لها بالازدهار الصناعى والتألق فى مجال الفنون بإبداعاته المختلفة من حلى ومجوهرات وأزياء.. إلخ. كل هذه العوامل جعلت مصر بلداً متماسكاَ ومن ثم استطاعت الحفاظ على وحدة أراضيها عبر مملكة قوية مستقرة لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها.. وكيف لا تكون كذلك وهى تملك جيشاَ قوياً صلباً استطاع عبر آلاف السنوات أن يحميها ويدرأ عنها الأخطار ويتيح لها الأمن والأمان..

ورغم امتلاك مصر جيشا عظيما إلا أنها لم تستدرج إلى إغواء غزو البلاد المحيطة لإنشاء امبراطورية ممتدة الأطراف واكتفت فقط باستخدام جيشها في صد الغزاة وتعقبهم. ويرى المؤرخ الكبير توينبي أن تأسيس الامبراطور نبوخذ نصر لجيش كبير وغزو البلاد المحيطة كان أهم سبب لانهيار الحضارة الأشورية. لقد اختارت مصر لزيادة ثرواتها الاعتماد على قدراتها الذاتية بدلا من نهب ما لدى الآخرين.

وهكذا استطاع المصريون القدماء عبر حضارتهم العظيمة التقدم فى شتى المجالات: العلوم والهندسة والطب والصيدلة والفنون والأزياء..

فكانت حضارتهم مميزة بحق.. حضارة شملت كل جوانب الحياة.. ربما يكون هذا فى الحقيقة هو سر نجاحها واستمرارها.. فهى لم تغفل أى جانب من جوانب الحياة.. العمارة لا تقل أهمية عن الزراعة والاقتصاد.. والأزياء والملابس والحلى تأتى فى المقدمة مثلها مثل بقية العناصر الاقتصادية المهمة الأخرى..والفنون والموسيقى والرقص والغناء فى صدر المشهد الحضارى..كل هذه العوامل معاَ تلعب دوراً حيوياَ فى حياة المصرى القديم..

ونحن نشير إلى عظمة إنجازات الحضارة المصرية القديمة لا يمكن إغفال تقنيات استغلال المحاجر، ونعنى بذلك طرق ووسائل المسح والبناء التى دعمت بناء الأهرامات والمعابد والمسلات التى شيدت بفضل براعتهم فى علوم الرياضيات وفنون العمارة، فكانت هذه الإنجازات الرائعة التى لاتزال تبهر العالم بأسره..

وتميزت الحياة السياسية بنوع من الاستقرار وشهدت فترات قصيرة عابرة سميت بعصور الفوضى في فترات الانتقال بين الأسر. وتميزت مصر القديمة بالتسامح الديني فلم تشهد فتنا ولا حروبا أهلية لأسباب دينية باستثناء فترة اخناتون التي أراد فيها فرض عبادة الإله الواحد.

لقد تركت مصر القديمة إرثاً حضارياً للإنسانية جمعاء، نهل منه اليونانيون القدماء الكثير.. كما نهل منه أيضاً الرومان.. فكانت الحضارة المصرية القديمة منارة للحضارات الأخرى التى سارت على نهجها وحذت حذوها.. وكيف لا وهى أم كافة الحضارات الإنسانية..

ويقسم المؤرخون الحقبة الفرعونية بداية من الدولة القديمة التي أسسها الملك مينا في 3100 قبل الميلاد حيث شهدت تلك الحقبة تطوراً شاملاً فى مختلف الجوانب أبرزها اكتشاف الكتابة الهيروغليفية وانطلاق بناء الأهرامات وكان أولها هرم سقارة المدرج، كما تطورت فى تلك الحقبة أساليب الزراعة والصناعة وازدهرت كذلك التجارة، وشيد أول أسطول بحرى لنقل المنتجات إلى البلدان المجاورة..ويأتى بعد ذلك عصر الدولة الوسطى بداية من 2160 قبل الميلاد، ويعد هذا العصر من أزهى عصور الفراعنة حيث ازدهرت الزراعة والتجارة بشكل كبير وتألقت الحرف اليدوية المختلفة وازدهرت كذلك الفنون والأداب..

وأخيراً تأتى الدولة الحديثة بحلول عام 1580 قبل الميلاد والتى شهدت اهتماماً بتعزيز الجانب العسكرى وتكوين جيش قوى يحمى هذه الدولة على مدى حكم 28 أسرة مالكة استطاعت أن تحقق الرخاء والتقدم والازدهار فى شتى الميادين: الاقتصادية والعمرانية، فضلاً عن اهتمامها بكل مناحى الجمال والرقى الإنسانى..

وتعرضت البلاد بدءاً من عام 670 قبل الميلاد، وعلى مدي ثلاثة قرون إلى غزوات متكررة تعقبها فترات احتلال قصيرة من جانب الآشوريين ثم الفرس، وينجح المصريون في تحرير بلادهم انتظارا لغزو جديد. وآخر الفراعنة كان هو الملك نختنبوالثاني الذي انسحب بجيشه إلى النوبة للتمهيد لاسترداد البلاد، ولكن دخل الإسكندر الأكبر إلى مصر عام 332 قبل الميلاد ليصبح ملكاً متوجاَ بعدما استطاع طرد الفرس ليبدأ عهد طويل من حكم غير المصريين لمصر.

لو تساءلنا عن السبب الرئيسي لانتهاء حضارة مصر القديمة التي دامت طويلا نجد بعضا من علماء المصريات يقدمون الأطروحة البيئية، حيث أفرط الحكام في القضاء على الغابات والمساحات الخضراء للحصول على الطاقة من حرق الأخشاب لتشييد المعابد الهائلة. وهناك الأطروحة الاقتصادية التي ترجع التدهور للتخلي عن اقتصاد المقايضة واختراع النقود مما أدي لاكتناز الثروات، وتزايد القيمة التبادلية للذهب والفضة. وأيضا الأطروحة التي تبرز النمو العسكري للقوى الخارجية مثل الفرس واليونان.

وحتي اليوم تشعر الانسانية على تنوع ثقافتها بالجميل لمصر القديمة التي علمت الجميع كيف تؤسس الحضارات وكيف يرتقي الانسان.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية