تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
ذكرى أكتوبر والجدلية الإسرائيلية
في شهر أكتوبر من كل عام تطل علينا ذكرى يومٍ مجيد من أعظم أيام تاريخ مصر الحديث والمعاصر، ذكرى انتصار السادس من أكتوبر عام 1973، ذلك اليوم الذي اتفق عليه المصريون جميعاً على اختلاف درجاتهم وأيدولوجياتهم والذي أكد هيبة و مكانة و ريادة مصر عربياً و دولياً.
ومع تواتر الذكرى سنوياً يتجدد في الأوساط الإعلامية العالمية الجدل حول مدى وأثر هذا النصر العسكري الذي حققته القوات المسلحة المصرية؛ ذلك الجدل الذي ابتدعته وتغذيه الآلة الإعلامية الإسرائيلية في محاولة منها للانتقاص من شأن هذه الحرب و تأثيرها الهائل عسكرياً و سياسياً، والذي أخضع المنطقة بأسرها لمعطيات جديدة كانت المبادأة فيها مصرية.
وترتكز الآلة الإعلامية للجانب الإسرائيلي على معركة الدفرسوار والتي عُرفت باسم (الثغرة)، وذلك عن طريق الإيحاء بتعادل الموقف العسكري والإستراتيجي بين الجانبين؛ لذا فقد كان لزاماً علينا كمصريين الإيضاح والرد على هذه المزاعم.
بدايةً: ما هو المعيار الذي يمكن به تحديد الجانب المنتصر في الحرب؟ وهل حققت مصر نصراً في حربها ضد إسرائيل في عام 1973 وتأثيره؟
ونجد إجابة هذه التساؤلات فيما أورده اثنان من أكبر المفكرين والباحثين في المجال العسكري والإستراتيجي عالمياً و هما (أنتوني كوردسمان و إبراهام واجنر) وذلك في دراستهما المرجعية ( دروس الحرب الحديثة ) .
إن المعيار لتحديد الانتصار في الحروب هو تحقيق الهدف منها.
وبالنظر إلى التوجيه الإستراتيجي الصادر للقوات المسلحة المصرية في يوم الخامس من أكتوبر عام 1973 فإن الهدف من حرب أكتوبر كما جاء في مضمونه يمكن تحديده في النقاط التالية:
1- كسر الجمود العسكري بين الجانبين
2- عبور قناة السويس وتأمينها من الضفتين
3-الوصول إلى خط المضايق في سيناء.
4- وأخيراً كهدفٍ تالٍ محتمل: الاستمرار في أعمال القتال طبقاً لإمكانيات القوات المسلحة وتطور أعمال القتال للعمل على تحرير الأرض المحتلة.
وبدراسة النتائج التي حققتها القوات المسلحة المصرية في حرب العبور فقد حققت هذه الحرب أهدافها الإستراتيجية، حيث أتمت القوات المسلحة المصرية عبور قناة السويس على طول امتداده وفي كل قطاعاتها و فقد الجانب الآخر جميع نقاطه القوية والحصينة التي مثلت خط الدفاع لقواته والذي عُرف بخط (بارليف) و نقلت المعركة إلى شرق القناة في سيناء
كذلك وصلت القوات المصرية إلى خط المضايق والسيطرة عليه وبأعماق تصل إلى 17 كيلومتر مع الأخذ في الاعتبار أن خط المضايق هو المفتاح الإستراتيجي لباقي أراضي سيناء.
إذن فقد حققت الحرب هدفها الإستراتيجي، ما يعني أن الجانب المصري يتمتع بصفة الجانب المنتصر الذي فرض موقفه على العدو.
أما على الجانب العسكري والتكتيكي: فإن السيطرة على خط المضايق يعني فتح الباب الرئيسي لكامل أراضي سيناء، وهو ما دفع بإسرائيل إلى تكرار طلبها وقف إطلاق النار ووقف العمليات العسكرية مستعينةً بذلك بالدعم الدبلوماسي والضغط الأمريكي والأوروبي و ذلك خشية استمرار تقدم القوات المصرية و دحرها خارج سيناء، وهو ما يفسر نجاح مصر في مرحلة ما بعد وقف العمليات العسكرية في استرجاع كامل أراضيها و تخلي إسرائيل عما كانت تعتبره نطاقاً أمنياً لحدودها.
حقيقة معركة الدفرسوار:
إن معركة الدفرسوار ليست حدثاً استثنائيا في معركة من مئات المعارك التكتيكية المكونة للعملية العسكرية، و من الإفراط في التفاؤل الذي يصل إلى حد السذاجة توقع عدم قيام الجانب الآخر برد فعل ضد القوات المهاجمة، ولكن الأساس هو القدرة على التعامل والتصدي لردود الأفعال التي تحدث أثناء سير المعارك و العمليات العسكرية.
ولتقريب الصورة للقارئ بعيداً عن المصطلحات والتفاصيل التي يُعنَى بها المختصون
فإن معركة الدفرسوار باختصار هي قيام إسرائيل بدفع جزء من قواتها إلى الجانب الغربي للقناة من منطقة الدفرسوار جنوب الإسماعيلية، وذلك بمعاونة معلومات استطلاعية جوية وفضائية حصلت عليها إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية، و قامت حينها إسرائيل بالتعامل مع هذا الموقف إعلامياً لتضخيمه وإضفاء صورة مغايرة للواقع لدرجة أن إعلان دخول هذا الجزء من القوات غرب القناة كان بواسطة جولدا مائيررئيسة الوزراء حينذاك في محاولة للتشويش على الصورة الحقيقية لموقف إسرائيل في الحرب بصفة عامة والموقف العسكري على الأرض تحديداً .
غير أن الواقع الفعلي كان لصالح القوات المصرية التي تمكنت من التعامل مع القوات الإسرائيلية غرب القناة وحصارها وقطع نقطة عبور القوات الإسرائيلية من شرق القناة.
وقديماً قال العرب " الحق ما شهد به الأعداء"
ولذلك فإننا نستشهد بما جاء في مذكرات موشي دايان وزير الدفاع الإسرائيلي وقت الحرب ووزير الخارجية فيما بعد، حيث ذكر: " كانت رئيسة الوزراء تشعر بخوف شديد من قيام المصريين بعزل قوات الطليعة و حدث جدل كبير في اجتماعات الوزارة حول هذا الخطر “.
وقد طلبت رئيسة الوزراء سحب القوات الإسرائيلية من غرب القناة، كما طلبت إسرائيل للمرة الثالثة منذ اندلاع الحرب وقفاً فورياً لإطلاق النار وناشدت الولايات المتحدة بالتدخل لدى الجانب المصري، وهو ما حدث بالفعل بعد ضغط عنيف من الولايات المتحدة وأوروبا؛ حيث صدر قرار مجلس الأمن رقم 338 والذي ينص على وقف إطلاق النار في الساعة (1852) يوم 22 أكتوبر بتوقيت القاهرة – السادسة مساءً والدقيقة الثانية والخمسين – تلاها عقد مفاوضات (دبلوماسية – عسكرية) والتي عُرفَت بمفاوضات (الكيلو101)
والتي انتهت إلى سحب إسرائيل لقواتها المحدودة المتواجدة غرب القناة مع بقاء القوات المصرية شرق القناة بكاملها و في أوضاعها.
وكان ذلك طوق النجاة لإسرائيل حفاظاً على أرواح أفرادها وتجنب إبادة قواتها.
باستقراء أحداث حرب أكتوبر عام 1973؛ تظهر لنا الصورة جلية وواضحة، فقد حققت الحرب أهدافها بفتح قناة السويس للملاحة و السيطرة المصرية عليها، و كذلك سيطرة القوات المصرية على خط المضايق ما أدى إلى انسحاب إسرائيل من كامل أراضي سيناء و ذلك لضعف موقفها العسكري على الأرض .
وأن ما تحاول إسرائيل أن تثيره أو تروج له من آنٍ لآخر بأن نتائج الحرب متكافئة ومتعادلة بين الكفتين ما هو إلا محض دعاية إعلامية لا تمت بصلة للنتائج الحقيقية أو الواقع الفعلي و أن ما يتم ذكره عن معركة الدفر سوار هو تزييف للحقائق ، فهي لا تعدو غير معركة كغيرها من المعارك ضمن سير العمليات العسكرية أثناء القتال ، والتي كادت أن تمنى بخسائر فادحة تزيدها عاراً لولا تدخل الولايات المتحدة و أوروبا و مجلس الأمن لمنحها قبلة الحياة كي تعود هذه القوات أدراجها درءاً لما كان ينتظرها في حال تصفيتها .
هذه هي الحقيقة التي يدركها المختصون جيداً، والتي ينبغي أن يعرفها العامة في الرأي العام العالمي بعيداً عن السردية الإسرائيلية التي تسعى للحفاظ بها على ماء وجهها.
إن حرب أكتوبر المجيدة ستظل دائماً علامة مضيئة و بارزة في التاريخ المصري والعربي مهما حاول أي طرف الانتقاص منها ، و ستظل معجزة مليئة بكثير من التفاصيل المبهرة و التحديات والإبداع في التخطيط و التنفيذ والإدارة ، يجب أن تتوارثها الأجيال المتعاقبة و أن يتعلموا من دروسها و أن يفتخروا بها دوماً.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية